في المحسِّناتِ المعنوية
الطباقُ
*- تعريفُه: هو الجمعُ بين لفظين متقابلينِ في المعنى، وهو نوعانِ: حقيقيٌّ واعتباريُّ
فالتقابل الحقيقيُّ هو أنواعٌ :
*- صورُ الطِّباقِ:يكونُ الطباقُ بين :
أ-إسمينِِ – نحو قوله تعالى: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (3) سورة الحديد ،
ب- فعلينِ – نحو قوله تعالى : {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} (43) سورة النجم ،
ت- حرفينِ – نحو قوله تعالى : {.. وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ...} (228) سورة البقرة،
ث- لفظينِ منْ نوعينِ مختلفينِ – نحو قوله تعالى : {..... وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (36) سورة الزمر ، بين فعل واسم، وكقوله تعالى : {أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ ...} (122) سورة الأنعام، بين اسم وفعل .
*-أقسامُ الطباقِ: ينقسمُ إلى قسمينِ طباقُ إيجابٍ وطباقُ سلبِ :
أ-طباقُ الإيجابِ:
هو ما لم يختلفْ فيه الضِّدانِ إيجاباً وسلباً ، نحو قوله تعالى : { قُلِ
اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ
الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء
بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (26) سورة آل عمران ،
ب- طباقُ السَّلبِ:
هو ما اختلف فيه الضدانِ إيجاباً وسلباً، بحيثُ يجمعُ بين فعلينِ من مصدرٍ
واحدِ ، أحدهُما مثبتٌ مرةً، والآخرُ منفيٌّ تارةً أخرى، في كلامٍ واحدٍ ،
نحو قوله تعالى : {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ
اللّهِ.....} (108) سورة النساء ،
-
أو أحدهُما أمرٌ، والآخرُ نهىٌ، نحو قوله تعالى : {اتَّبِعُواْ مَا
أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ
أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} (3) سورة الأعراف ،
*- تعريفها: لغةً المواجهةُ ،واصطلاحاً
: هي أن يؤتَى بمعنيين متوافقينِ أو معانٍٍ متوافقةٍ، ثم يؤتَى بما يقابلُ
ذلك على الترتيبِ،أو مجموعةُ كلماتٍ ضدََّ مجموعةِ كلماتٍ في المعنى على
التوالي .
نحو قوله تعالى : { فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } (82) سورة التوبة
1 2 1 2
*- الفرقُ بينَ المقابلةِ والطباقِ :
-الطباقُ: حصولُ التوافقِ بعد التنافي، كالجمعِ بينَ أضحكَ وأبكَى بعد تنافيهما في قوله تعالى : {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} (43) سورة النجم .
-المقابلةُ
:حصولُ التنافي بعد التوافقِ، كالجمع بين الضحكِ والقِلَّة ، ثم إحداثُ
التنافي حيثُ تقابلَ الأولُ بالأولِ والثاني بالثاني في قوله
تعالى:{فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا ...}(82) سورة التوبة .
*- تعريفُها: لغةً – مصدرٌ، ورّيتُ الخبرَ توريةً: إذا سترتُه، وأظهرتُ غيره .واصطلاحاً:
هي أن يذكُرَ المتكلمُ لفظاً مفرداً له معنيان; أحدهُما قريبٌ غيرُ مقصودٍ
ودلالةُ اللفظِ عليه ظاهرةُ، والآخرُ بعيدٌ مقصودٌ، ودلالةُُ اللفظِ عليه
خَفِيَّةٌ، فيتوهَّمُ السَّامعُ: أنه يُريدُ المعنَى القريبَ، وهو إنَّما
يُريدُ المعنى البعيدَ بقرينةٍ تشيرُ إليه ولا تُظهرُه، وتسترُه عن غير
المتيقظِ الفطِنِ،كقوله تعالىوَهُوَ الذي يَتَوَفّاكُم بالليْلِ
وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بالنَّهَارِ)[سورة الأنعام، الآية: 60 ]، أراد
بقوله جرحتم معناهُ البعيدُ، وهو ارتكابُ الذنوبِ، ولأجلِ هذا سُمِّيتِ
التَّوريةُ إيهاماً وتخييلا ً .كقول سراج الدين الوراق: أصُونُ أديمَ وجهي عَن أُنَاس … …لقاءُ الموتِ عِنْدهُم الأديبُ
وَرَبُّ الشِّعرِ عندهُمُ بَغِيضٌ … …وَلَوْ وَافَى بهِ لَهُمُ "حبَيـــبُ"
*- وهي تنقسمُ إلى قسمينِ :
(1)- مجردةٌ: وهي التي لم تقترنْ بما يلائمُ المعنيين: كقول الخليل لما سأله الجبار عن زوجته: فقال «هذه أختي» - أراد أخوةَ الدِّينِ،
(2) - مرشَّحةٌ
: وهي التي اقترنتْ بما يلائمُ المعنى القريبَ، وسميتْ بذلك لتقويتِها به،
لأنَّ القريبَ غيرُ مراد، فكأنهُ ضعيفٌ، فإذا ذكر لازمُه تقوَّى به، نحو
قوله تعالى : {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)
سورة الذاريات، فإنه يحتمل (الجارحةَ) وهو القريبُ، وقد ذكر من لوازمه
البنيانُ على وجهِ الترشيحِ ، ويحتمل (القدرةَ ) وهو البعيدُ المقصودُ.
وقال ابن نباتة : أقولُ وقد شنوّا إلى الحربِ غارةً دعوني فإني آكلُ العيشَ بالجبْنِ
الشاهدُ فيه : العيشُ والجبنُ ، فالعيشُ يعني الخبز ويعني الحياة ، والجبنُ يعني المصنوع من اللبن ، ويعني الخوَرُ عكسُ الشجاعةِ .
*-المبالغةُ: هي أن يدَّعيَ المتكلّمُ لوصف، بُلوغُهُ في الشدةِ أو الضعف حداًّ مستبعداً، أو مستحيلاً،
*-أنواع المبالغةِ : تنحصرُ المبالغةُ في ثلاثة أنواع:
الأول- تبليغٌ
: إن كان ذلك الإدّعاء للوصف من الشدة أو الضعف ممكناً عقلاً وعادةً، نحو
قوله تعالى : {... ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ
يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ..} (40) سورة النــور
وكقول الشاعر في وصف فرسٍ: إذا ما سابقَتها الرّيحُ فرّتْ، وأبقَتْ في يدِ الرّيح التّرابا
الثاني-إغراقٌ
: إنْ كانَ الإدّعاءُ للوصفِ من الشدّة أو الضعفِ ممكناً عقلاً، لا عادةً –
كقول الشاعر: ونُكْرمُ جارَنا ما دامَ فينا ونُتْبعُهُ الكرامَة َ
حَيْثُ مالا
فإنه
ادَّعى أنَّ جاره لا يميلُ عنه إلى جهةٍ إلا وهو يتبعُه الكرامةَ ، وهذا
ممتنعٌ عادةًً وإنْ كانَ غيرِ ممتنعٍ عقلاً، وهما مقبولانِ .
الثالث- غُلوٌّ: إنْ كانَ الإدِّعاءُ للوصفِ من الشدةِ أو الضعف مستحيلاً عقلاً وعادةً – كقول الشاعر :
تكادُ قِسيهُ منْ غيرِ رامٍٍ تُمكِّنُ في قلوبهِم النِّبالا
أمَّا الغلوُّ: فمنهُ مقبولٌ، ومنه مردودٌ: فالمقبولُ ثلاثةُ أنواعٍ:
* أحدها - ما اقترنَ به ما يقربُّه للصحَّة، (كفعلِ مقاربةٍ ) نحو قوله
تعالى {... يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ...}
(35) سورة النــور
*
أو أداةُ فرَضٍٍ، نحو قوله تعالى : { لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ
عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ
..... } (21) سورة الحشر
والثاني – ما تضمَّنَ حسنَ تخييلٍٍ، كقول المتنبي:
عَقَدَتْ سَنابِكُها عَلَيْها عِثْيَراً لوْ تَبتَغي عَنَقاً عَلَيْهِ لأمْكَنَا
والثالث – ما أخرجَ مخرجَ الهزلِ، كقول الشاعر :
لكَ أنفٌ يا ابنَ حربٍ أنفِتْ منه الأنوفُ
أنتَ في القدس تصلِّي وهو في البيتِ يطوفُ
حُسْنُ التعليلِ
*- تعريفُه
: هو أن ينكرَ الأديبُ صراحةً، أو ضمناً، علةَ الشيءِ المعروفةِ، ويأتي
بعلةٍ أخرى أدبيةٍ طريفةٍ، لها اعتبارٌ لطيفٌ، ومشتملةٌٌ على دقةِ النظرِِ،
بحيثُ تناسبُ الغرضَ الذي يرمي إليه، يعني أنَّ الأديبَ: يدّعي لوصفٍ
علّةً مناسبةً غيرَ حقيقيةٍ، ولكنَّ فيها حسناً وطرافةً، فيزداد بها المعنى
المرادُ الذي يرمي إليه جمالاًً وشرفاً ،كقول المعري في الرثاء :
وما كلْفةُ البَدْر المُنير قديمةً ولكنها في وجْههِ أثرُ اللَّطم يقصدُ:
أنَّ الحزنَ على (المرثي) شملَ كثيراً من مظاهر الكون، فهو لذلك: يدَّعي
أنَّ كُلفة البدر (وهي ما يظهر على وجهه من كُدرة) ليستْ ناشئةً عن سبب
طبيعيٍّ، وإنما هي حادثةٌ من (أثر اللطم على فراقِ المرثي) .
وهذا الوصفُ الذي يدَّعَى له العلةَ واحدٌ من أمرين : ثابتٌ وغيرُ ثابتٍ
الأولُ- الثابتُ وهو نوعان :
(أ)- وصفٌ ثابتٌ غيرُ ظاهر العلَّة – كقول الشاعر:
بينَ السيوفِ وعينيها مشاركةٌ من أجلِها قيلَ للأجفانِ أجفانُوقول الشاعر :
زَعَمَ البنفسجُ أنه كعِذاره ... حُسناً فسلُّوا من قفاه لسانَهُ فخروجُ ورقةِ البنفسجِ إلى الخلفِ لا علَّة له، لكنه ادَّعى أنَّ علَّته الافتراءُ على المحبوبِ.
(ب) - وصفٌ ثابتٌ ظاهرُ العلةِ، غيرُ التي تذكَرُ، كقول المتنبي:
ما بهِ قَتْلُ أعاديهِ ولكِنْ يَتّقي إخلافَ ما ترْجو الذّئابُ
فإنّ قتلَ الملوكِ أعداءَهم في العادةِ لإرادةِ هلاكهِم وأنْ يدفعوا مضارَّهم
عنْ أنفسهِم حتى يصفوَ لهم ملكهُم من منازعتهِم ، لا لما ادعاهُ من أنَّ
طبيعةَ الكرمِ قدْ غلبتْ عليهِ، ومحبَّتُهُ أنْ يصدقَ رجاءَ الراجينِ
بعثتَهُ على قتلِ أعدائهِ لما عُلم أنهُ لمَّا غدا للحربِ غدتِ الذئابُ
تتوقعُ أنْ يتسِعَ عليها الرزقُ من قتلاهُم، وهذا مبالغةٌ في وصفهِ
بالجودِ، ويتضمَّنُ المبالغةَ في وصفهِ بالشجاعةِ على وجهٍ تخييليٍّ أي
تناهَى في الشجاعةِ حتى ظهرَ ذلكَ للحيواناتِ العُجم ،فإذا غدا للحربِ رجتِ
الذئابُ أنْ تنالَ منْ لحومِ أعدائهِ ،وفيه نوعٌ آخرُ من المدحِ، وهو أنه
ليسَ ممنْ يسرفُ في القتلِ طاعةً للغيظِ والحنقِ .
والثاني – وصفٌ غيرُ ثابتٍ، وهو نوعانِ :
(1)- إمَّا ممكنٌ ، كقول مسلم بن الوليد :
يا واشِياً حَسُنَتْ فينَا إِسَاءَتُهُ ... نَجَّى حِذَارُكَ إِنْسَانِى مِنَ الغَرَق فاستحسانُ إساءة الواشي ممكنٌ، ولكنه لما خالفَ الناسَ فيه، عقبهُ بذكرِ سببه، وهو
أنَّ حذاره منِ الواشي منعَه من البكاءِ، فسلمَ إنسانُ عينهِ من الغرقِ في
الدموعِ. وما حصلَ ذلك فهو حسنٌ
(2) وإما غير ممكن – كقول الخطيب القزويني :
لَوْ لَمْ تكنْ نِيَةُ الجَوْزاءِ خِدْمَتَهُ ... لَمَا رَأَيْتَ عليها عِقْدَ مُنْتَطِقِ فقدادّعى الشاعرُ: أنّ الجوزاءَ تريدُ خدمةَ الممدوحِ، وهذه صفةٌ غيرُ
ممكنةٍ، ولكنه علّلها بعلةٍ طريفةٍ، ادَّعاها أيضاً ادّعاءً أدبياً
مقبولاً ،إذ تصوَّر أنَّ النجومَ التي تحيطُ بالجوزاء، إنما هي نطاقٌ
شدَّته حولَها على نحو ما يفعلُ الخدمُ، ليقوموا بخدمةِ الممدوحِ .
أسلوبُ الحكيمِ
*- تعريفُُهُ : هو أنْ تحدِّثَ المخاطَبَ بغيرِ ما يتوقعُ .
*- وهو ضربانِِ:
الأولُ - إمَّا أنْ نتجاهلَ سؤالَ المخاطَبِ ، فنجيبُه عنْ سؤالٍ آخرَ لم يسألْه،مثاله قوله تعالى :
{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ
وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ
الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا
وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (189) سورة البقرة ، فقد
سألوا عن الهلال ما باله يبدو صغيرا فيكبرُ ثم يعودُ كما بدأ ، فقد كان
سؤالهُم عن السببِ ، وكان الجوابُ عن الحكمةِ من تغيرِ الأهلَّة وهي
مواقيتُ للناسِ والحجِّ .
والثاني
- وإما أنْ نحملَ كلامَه على غيرِ ما كانَ يقصدُه ويريدُه ، وفي هذا
توجيهٌ للمخاطَبِ إلى ما ينبغي عليه أنْ يسألََ عنه أو يقصدَه من كلامهِ ،
كما في الحديث عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم- قَالَ « أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ». قَالُوا الْمُفْلِسُ
فِينَا مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ. فَقَالَ « إِنَّ الْمُفْلِسَ
مِنْ أُمَّتِى مَن يَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلاَةٍ وَصِيَامٍ
وَزَكَاةٍ وَيَأْتِى و قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ
هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ
حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ
أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ
ثُمَّ طُرِحَ فِى النَّارِ »أخرجه مسلم ، .فقد حملَ صلى الله عليه وسلم
المفلسَ على غير مقصودِ المجيبينَ ، وهو المفلسُ من الحسناتِ ، وليس
المفلسَ من المال ، وذلك ليبينَ لهم أنَّ هذا الإفلاسَ أهمُّ بكثير من ذاك .
مراعاةُ النظيرِ*- تعريفهُ:
هيَ الجمعُ بين أمرينِ، أو أمورٍ متناسبةٍ، لا على جهةِ التضادِّ، وذلك
إمَّا بين اثنينِ، نحو قوله تعالى: {..وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} (11)
سورة الشورى ، وإمَّا بين أكثرَ، نحو قوله تعالى: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ
اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا
كَانُواْ مُهْتَدِينَ} (16) سورة البقرة .
ويُلَحقُ
بمراعاةِ النظيرِ، ما بُنيَ على المناسبةِ في المعنَى بين طرفي الكلامِ ،
يعني أنْ يختَمَ الكلامُ بما يناسبُ أوَّلهَ في المعنَى، نحو قوله تعالى:
{لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (103) سورة الأنعام. فإنَّ اللطيفَ يناسبُ عدمَ إدراكِ الأبصارِ له، والخبيرَ يناسبُ إدراكَهُ سبحانه وتعالى للأبصارِ.
وما
بُنيَ على المناسبةِ في اللفظِ باعتبارِ معنًى له غيرَ المعنَى المقصودِ
في العبارةِ، نحو قوله تعالى:{ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6)} [color=red]ن/5-7].
فإنَّ
المرادَ بالنَّجمِ هنا النباتُ، فلا يناسبُ الشَّمسَ والقمرَ ولكنَّ
لفظَهُ يناسبهُما باعتبارِ دَلالته على الكواكبِ; وهذا يقال له: إيهامُ
التناسبِ.
و منه قولُ أسيد بن عنقاءَ الفزاريّ:
كأنَّ الثريا عُلِّقَتْ في جبينهِ ... وفي أنفه الشَّعْرَى وفي خدِّه القمرْ
ومن أحسنِ ما وردَ في مراعاةِ النظيرِ قول ُابن خفاجةَ يصفُ فرساً:
[center]وأشْقَر تضرم منْهُ الوَغى ... بشُعْلةٍ مِنْ شُعِل البَاس
منْ جلّنار ناضر خدُّهُ ..... وأذنُهُ مِنْ وَرَق الآسِ
تَطْلُعُ للغرِّةِ في وَجههِ .... حبَابة تَضحكُ في الكاس
فالمناسبةُ هنا بين الجلنار والآسِ والنضارةِ.
و منه قولُ ابن رشيق: أصحُّ وأقوى ما سمعناهُ في النَّدى منَ الخبرِ المأثور ِمنذُ قديمٍ
أحاديثَ ترويها السيولُ عنِ الحيا عنِ البحر ِعنْ كفِّ الأمير تميمِ
فإنهُ ناسبَ فيه بين الصحَّةِ والقوَّةِ والسَّماع ِوالخبرِ المأثورِ والأحاديثَ
والروايةِ، ثم َّبينَ السيلِ والحيا والبحرِ وكفِّ تميم، مع ما في البيت
الثاني منْ صحةِ الترتيبِ في العنعنةِ، إذ جعلَ الروايةَ لصاغرٍ عنْ كابرٍ،
كما يقعُ في سندِ الأحاديثَ، فإنَّ السيولَ أصلُها المطرُ، والمطرُ أصلُه
البحرُ على ما يقالُ، ولهذا جعلَ كفَّ الممدوحِ أصلاً للبحر ِمبالغةً.
الإرصادُ *- تعريفُه:
هو أنْ يذكرَ قبلَ الفاصلةِ منَ الفِقْرةِ، أو القافيةِ، من البيتِ أو
الكلامِ ما يدلُّ عليها إذا عُرفَ الرّوِيُّ، نحو قوله تعالى: {فَاصْبِرْ
عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} (39) سورة ق . ونحو قوله تعالى: {.. وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (40) سورة العنكبوت
وكقول الشاعر: أحَلّتْ دَمي من غيرِ جُرْمٍ، وَحرّمــتْ بلا سَبَبٍ، يوْمَ اللّقَاءِ، كَلامــــــي
فِداؤكِ مَا أبْقَيْتِ مِنّي، فإنّــــــــــــــهُ حُشَاشَةُ نَفْسٍ في نحُولِ عِظامي
صِلي مُغْرَماً قد وَاصلَ الشّوْقُ دَمْعَهُ سِجاماً على الخَدّينِ، بَعدَ سِجـامِ
فَلَيْسَ الّـــذي حَلّلْتِـــــــــــــهِ بِمُحَلَّلٍ، وَلَيْسَ الّذي حَرّمْتِهِ بِحَـــــــــرَامِ
والشاهدُ فيه البيتان الأولُ والأخيرُ .
و نحو قول الشاعر: إِذا لمْ تَسْتَطِعْ شَيْئاً فَدَعْهُ وجاوِزْهُ إِلى ما تَسْتَطِيـــــعُ
وصِلْهُ بالزَّماعِ فكُلُّ أَمْرٍ سَما لَكَ أَوْ سَمَوْتَ لهُ وَلُوعُ (1)
وقد يُستغنَى عن معرفةِ الرويِّ، نحو قوله تعالى: {.. لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ
إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ
يَسْتَقْدِمُونَ} (49) سورة يونس .
(1) الزماع: الزَّمِيع : الشُّجاعُ الذي يَزْمَعُ بالأمرِ ثمّ لا يَنْثَني عنه ، الزَّمِيع :الجَيِّدُ الرَّأْيِ المُقدِمُ على الأمورِ الذي إذا هَمَّ بأمرٍ مَضَى فيه .
*- المشاكلَةَُ:
هيَ أنْ يذكرَ الشيءُ بلفظِ غيره، لوقوعهِ في صحبتهِ كقوله تعالى: {
وَإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ
اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا
يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ
فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (116)
سورة المائدة المراد : ولا أعلمُ ما عندَكَ،وعبَّرَ بالنفسِ للمشاكلةِ ،
ونحو قوله تعالى : { وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُــــــــوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (19) سورة الحشر ، أي أهمَلهُم،ذُكرََ الإهمالُ هنا بلفظِ النسيـــــــان ِلوقوعهِ في صحبتِه.
* - تعريفُه: هو أنْ يجمعَ المتكلِّم ُبين متعدِّدٍ، تحتَ حكمٍ واحدٍ وذلك:
أ -إمَّا في اثنينِ، نحو قوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ
ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا} (46) سورة الكهف
.فقد جمع بين المال والبنون،و نحو قوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا
أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ
عَظِيمٌ} (28) سورة الأنفال .فقد جمع بين الأموال
والأولاد ، وقد ذكر هذا كثيرا في القرآن الكريم ، كالجمع بين الإيمان
والعمل الصالح في أكثر من خمسين موضعا
ب- وإمَّا في أكثرَ ، نحو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ
إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ
عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (90)
سورة المائدة ، وكقوله تعالى : {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ
وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ
وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا
وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ
وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ
وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (24)
سورة التوبة، وكقوله تعالى : {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ
وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ
الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} (55) سورة المائدة .
* - تعريفُهُ
: أن ْ يفرِّقَ بينَ أمرينِ من نوعٍ واحدٍ في اختلافِ حكمهُما ،نحو قوله
تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ
شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ ..} (12) سورة فاطر .
وكقول الشاعر: ما نوالُ الغمام وَقْتَ رَبيعٍ كنوالِ الأمير يوم سخاءِ
فنوالُ الأمير بدْرَةُ عَيْـــنٍ ونوالُ الغمام قَطْرَةُ ماءِ
* - تعريفُه:
هو أن ْ يُذكرَ مُتعدد، ثمَّ يضافُ إلى كلٍّ من أفرادهِ ما لهُ على جهةِ
التعيينِ ، نحو قوله تعالى : { كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ
بِالْقَارِعَةِ(4) فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (5)وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (6)} [color=red]ة/4-7].
وكقول الشاعر:
ولا يقيمُ على ضَيْمٍ يرادُ بـــــــهِ إلا الأذَلاَّنِ عَيْرُ الحي والْوَتِدُ
هذا على الخسفِ مربوطٌ برُمَّتِهِ وذَا يُشجُّ فلا يَرْثِي لهُ أحــــدُ
الجمعُ معَ التفريقِ
* - تعريفُهُ:
هو أنْ يجمعَ المتكلِّمُ بين شيئينِ في حكمٍ واحدٍ، ثم يفرقُ بينَ جهتيْ
إدخالهِما، كقوله تعالى: {قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن
نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ } (76) سورة ص. ومنه قوله تعالى :
{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ
اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً
مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ
شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً} (12) سورة الإسراء .
* - تعريفُه:هو أن ْيجمعَ المتكلِّم بين شيئينِ أو أكثرَ تحتَ حكم ٍواحدٍ،ثم يُقسِّمُ ما جمعَ أو يقسِّم ُأوّلا، ثم يجمعُ.
فالأول-
نحو قوله تعالى : {اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا
وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا
الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ
لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (42) سورة الزمر .
وكقول المتنبي :
حتَّى أقامَ على أرْباض خَرْشنـــةٍ تَشقى به الرُّومُ والصُّلْبانُ والبِيَـــعُ
للسَّبي ما نَكَحُوا والقَتلِ ما ولَدُوا والنَّهْبِ ما جَمَعوا والنَّارِ ما زَرَعُوا
جمعَ في البيتِ الأول شقاءَ الرومِ بالممدوحِ على سبيلِ الإجمالِ حيث قال :تشقى به الروم، ثم قسَّم في الثاني وفصَّله.
* - تشابهُ الأطرافِ قسمان معنويٌّ ولفظيٌّ.فالمعنويُّ: هو أنْ يختمَ المتكلِّمُ كلامَه بما يناسبُ ابتداءَه في المعنَى ،
كقوله تعالى: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ
وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (103) سورة الأنعام ، فإنَّ اللطفَ يناسبُ
ما لا يدركُ بالبصرِ ،والخبرةَ تناسبُ منْ يُدركُ شيئاً فإنَّ مَنْ يدركُ
شيئاً يكونُ خبيراً بهِ ،وقوله تعالى {لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} (64) سورة
الحـج ، قال الغنيُّ الحميدُ لينبِّهَ على أنَّ مالهُ ليسَ لحاجةٍ،بل هو
غنيٌّ عنهُ جوادٌ بهِ،فإذا جادَ بهِ حمدَه المنعَمُ عليهِ ، ومنْ خفي ِّهذا
الضربِ قولُه تعالى على لسان عيسى بن مريم عليه السلام ُ: {إِن
تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ
أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (118) سورة المائدة ، فإن قوله: " وَإِن
تَغْفِرْ لَهُمْ " يوهمٌ أنَّ الفاصلةَ الغفورُ الرحيمُ، ولكنْ إذا أنعمَ
الإنسان ُالنظرَ علِم ُأنه يجب ُأنْ تكوَ ُما عليهِ التلاوة ُ ، لأنه لا
يغفرُ لمن يستحقُّ العذابَ إلا من ليسَ فوقَهُ أحدٌ يردُّ عليه حكمَه، فهو
العزيزُ لأنَّ العزيزَ في صفاتِ اللهِ هو الغالبُ منْ قولهِم: عزَّهُ
يُعزُّهُ عزًّا إذا غلبَه، ومنه المثلُ منْ عزيزٍ أيْ منْ غلبَ سلبَ ،
ووجبَ أنْ يوصفَ بالحكيمِ أيضاً، لأنَّ الحكيمَ منْ يضعُ الشيءَ في محلِّه،
واللهُ تعالى كذلكَ، إلا أنهُ قدْ يخفَى وجهُ الحكمةِ في بعضِ أفعالهِ
فيتوهَّمُ الضعفاءُ أنه خارجٌ عن الحكمةِ، فكانَ في الوصفِ بالحكيمِ
احتراسٌ حسنٌ، أيْ وإنْ تغفرَ لهم معَ استحقاقهِمُ العذابَ فلا معترضَ
عليكَ لأحدٍ في ذلكَ، والحكمةُ فيما فعلتَهُ .واللفظيُّ نوعانِ:الأولُ
- أنْ ينظرَ الناظمُ أو الناثرُ إلى لفظةٍ وقعتْ في آخرِ المصراعِ الأولِ
أو الجملةِ، فيبدأُ لها المصراعَ الثاني، أو الجملةَ التاليةَ، كقوله
تعالى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ
كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ
كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ
زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ
وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ
لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ
بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (35) سورة النــور. فقد كرر المصباح والزجاجة .وكقول أبي تمام: وًى كانَ خِلساً، إنَّ من أحسن الهوَى ... هوًى جُلْتُ في أفنائه وهوَ خاملُ الثاني- أنْ يعيدَ الناظمُ لفظةَ القافيةِ منْ كلِّ بيتٍ في أول البيتِ الذي يليهِ، كقول الشاعر:
رَمَتْنِي وسِتْرُ اللَّه بيني وبينَها .... عشِيَّةَ آرامِ الكِناسِ رميمُ
رميمُ التي قالتْ لجاراتِ بيتِها .... ضمِنْتُ لكم ألاّ يزالَ يهيمُ
و قال ابن أبي الأصبع:
خليليَّ إنْ لم تعذراني في الهــــــوَى ولم تحملا عني اذهبا ودَعانـــــي دعاني إليهِ الحبُّ فالحـــبُّ آنفـــــــاً دعاني قلبي إذ دعاهُ جِنانــــــــــي
جنانيَ في سكرٍ فلا رعَى عنـــــــدهُ بكأسٍ بها ساقي الغرامِ سَقانـــــي
سقانيَ منْ لم يعنِه منْ صبابتــــــي ووجدي بهِ ما شفَّني وعنانــــــــي عنانيَ منهُ ما براني ولم يكــــــــــنْ ليرثي لما قدْ حلَّ بي ودهانــــــــي
دهانيَ الهوَى منْ حيثُ لم أدرِ عندما رأى ما شَجى قلبي الكئيبَ عياني
عياني على قلبي تعدَّى بنظــــــــــرةٍ إلى ناظرٍ باللحظِ منه رمانــــــي
رماني بسهمٍ منْ كنانةِ لحظـــــتــــهِ أصابَ فؤادي شجوُه فشجانــــــي
المحسِّناتُ اللفظيةُ
الجنــــاسُ
*-الجناسُ: هو تشابهُ لفظينِ في النطقِ، واختلافهُما في المعنَى، وهو ينقسم إلى نوعين: تام وغير تام .
أولا- الجناسُ التامُّ
: هو ما اتفقَ فيه اللفظانِ المتجانسانِ في أربعة أشياءَ، نوعُ الحروف،
وعددُها، وهيئاتهُا الحاصلة ُ منَ الحركاتِ والسكناتِ، وترتيبُها ، مع
اختلاف المعنَى.
-الجناسُ بينَ اسمين
،كقوله تعالى : {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا
لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ} (55) سورة الروم
،فالمرادُ بالساعة ِالأولى يوم ُالقيامة، وبالساعةِ الثانية المدة ُمن
الزمانِ .
-الجناسُ بينَ فعلينِ : مثلُ قول أبي محمد الخازن :
قومٌ لَوَ أَنَّهمُ ارتاضوا لمَا قرَضوا ... أَو أنَّهم شَعروا بالنَّقصِ ما شعرَوا
فشعروا الأولى بمعنى أحسُّوا وشعروا الثانية بمعنى نظموا الشِّعرَ . -الجناسُ بين حرفينِ :نحو قولك: فلانٌ يعيشُ بالقلمِ الحرِّ الجريءِ، فتفتحُ لهُ أبوابُ النجاحِ ِبهِ ِ .فالباءُفي بالقلمِ هيَ الداخلة ُعلى الآلةِِ فتفيدُ معنى الاستعانةِ، أي أنه
يستعينُ بالقلم على العيشِ، والباءُ في به هي باءُ السببيةِ ،بمعنى أنَّ
أبوابَ النجاحِ تفتحُ لهُ بسبب ِقلمه ِالحرِّ الجريءِ، ففي الباءين جناسٌ
لتماثلهِما لفظاً واختلافهِما معنَى .* مثالٌ بين الاسمِ والفعلِ نحو: « إرعَ الجارَ ولو جارَ » فالجارُ الأولُ اسم ، والجارُ الثاني فعل ٌ . ثانيا- الجناسُ الناقص
: هو ما اختلفَ فيه اللفظانِ في واحدٍ من الأمور الأربعةِ السابقة التي
يجبُ توافرها في الجناسِ التامِّ وهي : نوع ُالحروفِ، وعددُها، وهيئاتُها
الحاصلةُ من الحركاتِ والسكناتِ، وترتيبُها مع اختلاف المعنَى .فإنِ اختلفَ اللفظانِ في أنواع ِالحروف فيشترَطُ ألا يقعَ الاختلافُ بأكثر َمنْ حرفٍ واحدٍ. نحو قوله تعالى:{وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} (26) سورة الأنعام ، وقوله تعالى : وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23) [القيامة/22-24] نحو قول الحر