فكانت النعمة في إمساكه كالنعمة في إنزاله مقتطفات
الحمد لله اللطيف المنان , الرءوف الرحيم الرحمن , ذو الكرم الواسع والجود , والخير المتتابع الممدود . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له المعبود , الواحد الأحد الفرد الصمد المقصود . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله , خير مرسل وأشرف مولود . اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم في الصدور والورود . أما بعد : أيها الناس , اتقوا الله تعالى لعلكم ترحمون . واذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون , واشكروه على تتابع فضله لعلكم تكرمون . أنعم عليكم بهذا الغيث الغزير , وأسبغ عليكم بهذا الكرم الواسع الكثير . فلم يزل يتابعه حتى رويت الأراضي وامتلأت الغدران . حتى إذا خشي الناس منه الضرر والطغيان , وضاقت عليهم الأرض بما رحبت من الخوف والهموم والأحزان . أمره المولى أن يقلع عنكم بلطفه وإحسانه , ونشر عليكم رحمته برأفته وحنانه . فأصبح الناس بهذا وبهذا مستبشرين . وبنزوله ثم بإقلاعه فرحين . فكانت النعمة في إمساكه كالنعمة في إنزاله , فلم يزل العبد يتقلب بنعم ربه في كل أحواله . فاشكروا ربكم شكرا كثيرا , وسبحوه بكرة وأصيلا , وتوسلوا بنعمه وإحسانه إلى طاعته واتباع رضوانه . فمن شكر الله بقلبه ولسانه وعمله فليبشر بالمزيد . ومن قابل النعم بالغفلة والمعاصي فالعقاب شديد . والعباد في غاية الضعف والفقر والاضطرار . ولا ثبات لهم على حالة ولا قوة ولا اصطبار , إذا تباطأ الغيث يئسوا وقنطوا . وإذا تتابع عليهم قلقوا وجزعوا . فعليهم أن يلجأوا في أمورهم كلها إلى المولى . ويسألوه اللطف في مواقع القدر والقضاء . فتعرضوا لألطاف المولى بالتضرع والدعاء . واقصدوه في حالة السراء والضراء .
دخل رجل والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فشكا إليه الضرر . فقال : يا رسول الله , هلكت الأموال , وجاعت المواشي , وتقطعت السبل . فادع الله أن يغيثنا . فرفع صلى الله عليه وسلم وهو يخطب , فقال : اللهم أغثنا , اللهم أغثنا , اللهم أغثنا . قال أنس : فلا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة , حتى نشأت سحابة من وراء سلع مثل الفرس , فانتشرت وأمطرت , فلا والله ما رأينا الشمس من الجمعة إلى الجمعة . ثم دخل رجل وهو يخطب في الجمعة الأخرى . فقال : يا رسول الله . هلكت الأموال , وانقطعت السبل , وتهدمت الأبنية , فادع الله أن يمسكها . فرفع يديه وهو يخطب . فقال : اللهم حوالينا ولا علينا . اللهم على الآكام والظراب , وبطون الأودية , ومنابت الشجر . فانجاب السحاب عن المدينة , مثل الإكليل . فخرجوا يمشون في الشمس . فانظروا هذه الآيات , الدالة على كمال قدرة الله وتوحيده , وعلى سعة رحمته وصدق رسوله { الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا } الآيات [ سورة الروم : الآية 48 ] ............................................................................خطبه حين زادت الأمطار وخيف الضرر ثم أقلعت واستبشر الناس
ابن سعدى رحمه الله