فضلُ العلمِ وَ طلبِه
الحمد لله ربنا، و صلى الله على محمد نبينا، و على آله و صحبه خير أمتنا، من سار على نهجهم إلى يوم لقاء ربنا.
و بعد، فقد أخبر النبي صلى الله عليه و سلم بتغير حال الأمة الإسلامية من حسن إلى سيء، و من عِز إلى ذل، و من سعادة إلى شقاء، و من أخوة إلى عداوة، و من تعاون على البر إلى تعاون على العدوان، و هذا واقع مشاهد.
و إن من أسباب ذلك قلة العلم و العزوف عنه، و الانشغال بالدنيا، و الاشتغال بملذاتها، فلم يبق من المسلمين من يهتم بهذا العلم الشرعي إلا قلة قليلة، و هذا من توفيق الله تعالى لهم.
و إننا نجد من هؤلاء القلة تقصيرا و فتورا، من حين لآخر، له أسباب عديدة منها : كثرة الشهوات و الملهيات، و كثرة الشواغل و الصوارف و العوائق و العقبات، و رفقاء السوء، و غيرها.
لذلك أحببت أن أكتب هذه الأسطر؛ تذكيرا لنفسي أولا و لإخواني طلبة العلم، ببعض ما ورد من فضائل العلم و أهله، لعل الله تعالى يعلي لنا همتنا و يرفع عنا فتورنا.
فإنه قد وردت فضائل عظيمة في الكتاب و السنة المطهرة، أقتصر على القليل منها، و أسأل الله أن ينفع بها.
من الكتاب العزيز :
1 _ قال الله تعالى {قل هل يستوي الذين يعلمون و الذين لا يعلمون} [الزمر 9]
_ قال العلامة المفسر عبد الرحمن بن السعدي رحمه الله في تفسيره : "{ قل هل يستوي الذين يعلمون} ربَّهم و يعلمون دينه الشرعي، و دينه الجزائي، و ما له من الأسرار و الحكم {و الذين لا يعلمون} شيئا من ذلك؟ لا يستوي هؤلاء و هؤلاء، كما لا يستوي الليل و النهار، و الضياء و الظلام، و الماءو النار" (صفحة 684).
2 _ قال الله تعالى {شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و ألوا العلم قائما بالقسط} [آل عمران 18]
_ قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : "قرن شهادة الملائكته و أولي العلم بشهادته، فقال {شهد الله أنه لا إله إلا هو و الملائكة و ألوا العلم} و هذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام" (1/551).
_ قال القرطبي رحمه الله في "الجامع لأحكام القرآن" : "في هذه الآية دليل على فضل العلم و شرف العلماء و فضلهم؛ فإنه لم كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه و اسم ملائكته كما قرن اسم العلماء" (4/44) نقلا عن "فضل العلم" للشيخ رسلان.
3 _ قال الله تعالى {إنما يخشى الله من عباده العلماء} [فاطر 28]
_ قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : "أي إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى، كلما كانت المعرفة به أتم و العلم به أكمل كانت الخشية له أعظم و أكثر" (3/796).
_ قال السعدي رحمه الله : "فكل من كان بالله أعلم، كان أكثر له خشية".
4 _ قال الله تعالى {و قل ربّ زدني علما} [طه 114]
_ قال العلامة السعدي رحمه الله : "و لما كانت عجلته صلى الله عليه و سلم على تلقف الوحي و مبادرته إليه تدل على محبته التامة للعلم، و حرصه عليه، أمره الله تعالى أن يسأله زيادة العلم، فإن العلم خير، و كثرة الخير مطلوبة، و هي من الله، و الطريق إليها الاجتهاد، و الشوق للعلم، و سؤال الله، و الاستعانة به، و الافتقار إليه في كل وقت" (487).
_ قال الإمام ابن القيم رحمه الله : "إن الله سبحانه أمر نبيه أن يسأله مزيد العلم، و كفى بهذا شرفا للعلم أن أمر نبيه أم يسأله المزيد منه" (مفتاح دار السعادة 1/223) نقلا عن "فضل العلم".
و من السنة المطهرة :
1 _ من يرد الله خيرا يفقه في الدين : روى البخاري و مسلم و غيرهما، عن معاوية، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم من خالفهم، حتى يأتي أمر الله".
_ قال النووي في شرح مسلم : "قوله : " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين"، فيه فضيلة العلم و التفقه في الدين، و الحث عليه و سببه أنه قائد إلى تقوى الله عز و جل" (7/ 127).
2 _ روى أبو داود و الترمذي و ابن حبان و غيرهم، عن كثير بن قيس، قال : كنت جالسا مع أبي الدرداء في مسجد دمشق، فأتاه رجل ، فقال : يا أبا الدرداء، إني أتيتك من مدينة الرسول في حديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو الدرداء : أما جئت لحاجة، أما جئت لتجارة، أما جئت إلا لهذا الحديث؟ قال : نعم، قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول : "من سلك طريقا يطلب فيه علما، سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإنَّ الملائكة تضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم يستغفر له من في السماوات ، ومن في الأرض ، والحيتان في الماء ، وفضل العالم على العابد ، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، وأورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر" قال أبو حاتم رضي الله عنه : في هذا الحديث بيان واضح أن العلماء الذين لهم الفضل الذي ذكرنا، هم الذين يعلمون علم النبي صلى الله عليه وسلم، دون غيره من سائر العلوم. ألا تراه يقول : "العلماء ورثة الأنبياء " و الأنبياء لم يورثوا إلا العلم، وعلم نبينا صلى الله عليه وسلم سنته، فمن تعرى عن معرفتها لم يكن من ورثة الأنبياء. صححه الألباني رحمه الله.
3 _ روى الترمذي في سننه، عن أبي أمامة الباهلي، قال : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان أحدهما عابد والآخر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم". صححه الألباني رحمه الله.
_ قال المباركفوري رحمه الله في "تحفة الأحوذي" : "(فضل العالم) بالعلوم الشرعية مع القيام بفرائض العبودية (على العابد) أي للمتجرد للعبادة بعد تحصيل قدر الفرض من العلوم (كفضلي على أدناكم) أي نسبة شرف العالم إلى شرف العابد كنسبة شرف الرسول صلى إلى شرف أدنى الصحابة" (7/ 456).
4 _ روى البخاري و مسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل، وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا، فهو ينفقه آناء الليل ، وآناء النهار".
5 _ روى ابن ماجة في سننه، عن عن أبي هريرة، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "من جاء مسجدي هذا، لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه، فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك، فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره". صححه الألباني رحمه الله.
_ قال العلامة محمد خليل هراس رحمه الله : "قوله : " فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله" أي : في درجة المحاربين لإعلاء كلمة الله، و لا شك أن طلب العلم النافع و تعليمه لمن يطلبه، هو نوع من الجهاد فإن الجهاد لا يكون بالسيف وحده، بل بالبيان و الموعظة و إقامة البرهان". (تعليق الهراس على الترغيب و الترهيب 1/113) نقلا عن "فضل العلم".
فنحن قد علمنا بعض فضائل هذا العلم و فضل طلبه و تحصيله، ألا فلنشمر على ساعد الجد و لنجتهد أكثر، في السير على هذا الطريق، فإنه لا سبيل للأمة الإسلامية لاسترجاع عزها و مكانتها إلا بالتمسك بدينها، و لا مجال للتمسك بهذا الدين إلا بتعلمه، فالله الله في طلب العلم و تحصيله.
و الحمد لله رب العالمين، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على لآله و صحبه أجمعين.
كتبه : يوسف صفصاف