بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شرح حديث(يتبع الميت ثلاث) للحافظ ابن رجب – رحمه الله -
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله - :
في الصحيحين من رواية عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: «يتبع الميت ثلاث، فيرجع اثنان ويبقى واحد: يتبعه أهله، وماله، وعمله، فيرجع أهله وماله، ويبقى عمله»...
وتفسير هذا: أن ابن آدم في الدنيا، لابد له من أهل يعاشرهم، ومال يعيش به.
فذان صاحبان يفارقانه ويفارقهما.
فالسعيد: من اتخذ من ذلك ما يعينه على ذكر الله تعالى، وينفعه في الآخرة.
فيأخذ من المال ما يبلغ به إلى الآخرة، ويتخذ زوجة صالحة تعينه على إيمانه.
فأمَّا من اتخذ أهلاً ومالاً يشغله عن الله تعالى، فهو خاسر؛ وكما قالت الأعراب
(شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا)[الفتح: 11].
وقال تعالى: (لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)[المنافقون:9]...
قال الحسن وهو في جنازة: ابن آدم!! لئن رجعت إلى أهل ومال، فإن الثوى فيهم قليل.
وفي الحديث: ( ابن آدم! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه، وكن كيف شئت، وكما تدين تدان)...
فأهله لا ينفعه منهم بعد موته إلا من استغفر له، ودعا له، وقد لا يفعل.
وقد يكون الأجنبي أنفع للميت من أهله،
كما قال بعض الصالحين: وأين مثل الأخ الصالح..؟؟
أهلك يقتسمون ميراثك، وهو قد تفرد بحزنك؛ يدعو لك وأنت بين أطباق الأرض...
وأما الخليل الثاني: فهو المال، ويرجع عن صاحبه أولاً ولا يدخل معه قبره، ورجوعه كناية عن عدم مصاحبته له في قبره، ودخوله معه.
وقد فسر بعضهم المال الراجع: بمن يتبعه من رقيقه، ثم يرجعون مع الأهل فلا ينتفع الميت بشيء من ماله بعد موته، إلا ما كان قدمه بين يديه، فإنه يقدم عليه وهو داخل في عمله الذي يصحبه في قبره.
وأما ما خلَّفه وتركه، فهو لورثته لا له، وإنما كان خازنًا لورثته .
وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول ابن آدم: مالي مالي!! قال: وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت»...
فلا ينتفع العبد من ماله إلا بما قدمه لنفسه، وأنفقه في سبيل الله عز وجل،
فأما ما أكله ولبسه فإنه لا له ولا عليه، إلا أن يكون فيه نية صالحة...
فأما ما أنفقه في المعاصي فهو عليه لا له، وكذلك ما أمسكه ولم يؤد حق الله عز وجل منه...
فمن تحقق هذا فليقدم لنفسه من ماله ما يحب؛ فإنه إذا قدمه كان له وبين يديه، ينتفع به في دار الإقامة.
وإذا خلفه كان لغيره لا له، وقد يكون هو ممن يحبسه عن النفقة في سبيل الله، فيراه يوم القيامة في ميزان غيره، فيتحسر على ذلك، فيدخل هو بماله النار، ويدخل وارثه به الجنة!!...
أما الخليل الثالث: فهو العمل.
وهو الخليل الذي يدخل مع صاحبه قبره، فيكون معه فيه ويكون معه إذا بعث، ويكون معه في مواقف القيامة، وعلى الصراط، وعند الميزان، وبه تقسم المنازل في الجنة والنار... ).
انتهى كلام الإمام ابن رجب رجب رحمه الله .
وأقول : حق لكل عاقل أن لا يقدم على هذا الرفيق الذي يبقى معه في قبره شيئا من مال أو ولد .
وأن يتعاهده ويهيئه للرفقة الطويلة التي لا بد منها .
فإن الإنسان راحل لا محالة كما أن العمل مرافق له لا محالة ,
فأحسن ياعبد الله التزود وخير الزاد التقوى ,
وإن كان ثمت شيء يلتفت إليه في الدنيا , فهو ذاك الأخ في الله الذي أشار إليه ابن رجب رحمه الله بقوله :
( وقد يكون الأجنبي أنفع للميت من أهله، كما قال بعض الصالحين: وأين مثل الأخ الصالح..؟؟ أهلك يقتسمون ميراثك، وهو قد تفرد بحزنك؛ يدعو لك وأنت بين أطباق الأرض...).
كيف لنا بمثل هذا الأخ الأجنبي في القرابة , القريب في الشفقة .؟؟