الصبر على ثلاثة أنواع :(1)الأول: صبر على معصبة الله : بمعنى أن تحبس نفسك عن فعل المحرّم حتى مع وجود السبب .
و مثاله : رجل حدثته نفسه أن يزني - و العياذ بالله - فمنع نفسه , فنقول : هذا صبر عن معصية الله . و كما جرى ليوسف عليه السلام مع امرأة العزيز , فإن امرأة العزيز دعته إلى نفسها - و العياذ بالله- في حال هي أقوى ما يكون للإجابة , لأنها غلقّت الأبواب و قالت : هيت لك , أي تدعوه إلى نفسها , فقال : إنه ربي - سيدي - أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون, يعني فإن خنته في أهله فأنا ظالم , و من شدة الإلحاح همَّ بها كما قال الله - عز و جل - (( و لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِهاَ لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ ربِّه)) [ يوسف: من الآية 24 ] ولم يفعل مع قوة الداعي و انتفاء الموانع , فهذا صبر عن معصية الله .
و كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - في السبعة الذين يظلّهم الله في ظله يوم لا ظلّ إلا ظله , و ذكر منهم (( رجلاً دعتهُ امرأةٌ ذاتُ منصب و جَمَالٍ فقال : إني أخافُ الله )) (2)
و الثاني : صبر على طاعة الله : بأن يحبس الإنسان نفسه على الطاعة كرجل أراد أن يصلي , فدعته نفسه الى الكسل , أو إلى الفراش , أو إلى الطعام الذي ليس بحاجة إليه , أة إلى محادثة الإخوان , و لكنه ألزم نفسه بالقيام للصلاة فهذا صبر على طاعة الله .
الثالث : صبر على أقدار الله : فإن الله - تعالى - يقدر للعبد ما يلائم الطبيعة و ما لا يلائم , و الذي لا يلائم يحتاج إلى صبر , بإن يحبس نفسه عن التسخط القلبي أو القولي أو الفعلي إذا نزلت به مصيبة . فإذا نزل بالعبد مصيبة فأنه يحبس قلبه عن التسخط القلبي . و أن يقول إنه يرضى عن ربه - عز و جل -
و التسخط اللساني : بأن لا يدعو بالويل و الثبور كما يفعل أهل الجاهلية .
و التسخط الفعلي : بأن لا يشق الجيوب ولا يلطم الخدود و ما أشبه ذلك .
فهذا نسمية صبر على أقدار الله مع أنه كره أن يقع هذا الحادث . و هناك مكرتبة فوق الصبر و هي الرضا بأقدار الله . و الرضا بأقدار الله أكمل حالاً من الصبر على أقدار الله .
و الفرق : أن الصابر قد تألم قلبه و حزن و انكسر و لكن منع نفسه من الحرام و الراضي : قلبه تابع لقضاء الله و قدره فيرضى ما اختاره الله له ولا يمهمه فهو متمشٍّ مع القضاء إيجاباً و نفياً . و لهذا قال أهل العلم : إن الراضا أعلى حالاً من الصبر , و قالوا : إن الصبر واجب و الرضا مستحب .
و أي أنواع الصبر الثلاثة أفضل ؟
نقول : أما من حيث هو صبر فالأفضل الصبر على الطاعة , لأن الطاعة فيها حبس النفس , و إتعاب البدن . ثم الصبر عن المعصية لأن فيه كفُّ النفس عن المصية ثم الصبر على الأقدار لأن الاقدار لا حيلة لك فيها , فإما أن تصبر صبر الكرام و إما أن تسلو سُلُوَّ البهائم و تنسى المصيبة هذا من حيث الصبر .
أما من حيث الصابر : فأحيانا تكون المعانة الصبر عن المعصية أشد من معاناة الصبر على الطاعة . فلو أن رجلاً هُيىءَ له شرب الخمر مثلاً بل و دعي الى ذلك و هو يشتهيه و يجد معاناة من عدم الشرب فهو أشد عليه من أن يصلي ركعتين لا شك .كذلك لو كان شاباً و دعته امراة الى نفسها و هي جميلة و المكان خالٍ و الشروط متوفرة فأبى فهذا فيه صعوبة أصعب مما لو صلى عشرين ركعة , فهنا قد نقول: ثواب الصبر عن المعصية هنا أعظم من ثواب الصبر على الطاعة لما يجده الاإنسان من المعاناة فيؤجر بسب ما حصل له من المشقة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح الاربعين النووية لفضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - حديث الاسراع الى الخيرات
(2) حديث صحيح