هل ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه كان يضع يديه على صدره في حال الاعتدال من الركوع[/b]
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.أما بعد:فقدروى صفة صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عدد من الصحابة الكرام
-رضوان الله علــــيهم-، أوردها أئمة السنة في عدد من دواوين الإسلام من
الصحاح والسنن والمعاجم.ولم أرَ في أحاديثهم وضع اليدين على الصدر في حال الاعتدال من الركوع.
ومن الأحاديث في صفة صلاة رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:حديث أبي حميد الساعدي –رضي الله عنه-، فهو في نظري يقوم مقام عدد من الأحاديث، فسأورده، وقد أسوق له بعض الشواهد.قال الإمام البخاري –رحمه الله- في "صحيحه" حديث (828):
حدثنا يحيى بن بكير قال حدثناالليث عن خالد عن سعيد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن محمد بن عمرو بن عطاء.وحدثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب ويزيد بن محمد عن محمد بن عمرو بن حلحلة عن
محمــــــد بــــــن عمرو بن عطاء أنه كان جالسا مع نفر من أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم فذكرنا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو حميد
الساعدي "أنا كنت أحفظكم لصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.رأيته إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه ثم هصر ظهره فإذا رفع رأسه استوى حتى يعود كل فقار مكانه فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما واستقبل بأطراف أصابع رجليه
القبلة فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى وإذا جلس في
الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته"/.
وسمع الليثُ يزيدَ بن أبي حبيب ويزيدُ من محمد بن حلحلة وابنُ حلحلة من ابن عطاء قال أبو صالح عن الليث "كلُّ فَقَارٍ".
وقال ابن المبارك عن يحيى بن أيوب قال حدثني يزيد بن أبي حبيب أن محمدبن عمرو حدثـــــهُ "
كلُّ فَقَارٍ"".
أقول: ورواه
ابن خزيمة في "صحيحه" حديث (643) بإسناده إلى ابن وهب عن الليث عن يزيد بن
محمـــــد القرشي ويزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو بن حلحلة به.
ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (1/127،97) بإسناده إلى يحي بن بكير عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن محمد بن عمرو به. وفي هذه المصادر: " حتَّى يعودَ كُلُّ فقارٍ مكانَهُ". ورواه الإمام أحمد في "مسنده" (5/424).قال: "حدَّثَنا يحي بنُ سعيدٍ عن عبد
الحميد بن جعفر قال حدَّثني محمَّدُ بنُ عطاءٍ عن أبي حميدٍ السَّاعديِّ
قال سمعتُهُ وهو في عشَرة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدهم أبو
قتادة بن ربعي يقول: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قالوا له: ما كنت أقدمنا صحبة ولا أكثرنا له تباعة، قال: بلــــى،
قـــــالوا فاعرض، قال: كان إذا قام إلى الصلاة اعتدل قائما ورفع يديه حتى حاذى بهما منكبيه، فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي
بهما منكبيه، ثم قال: الله أكبر، فركع ثم اعتدل فلم يَصُبَّ([1])رأسه ولم
يَقْنَعْهُ ووضع يديه علــــى ركبتيه ثم قال: سمع الله لمن حمده،
ثم رفع واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه معتدلا، ثم هوى ساجدا، وقال: الله أكبر ثم جافى وفتح عضديه عن بطنه وفتح أصابع رجليه ثم ثنى رجله اليسرى
وقعد عليها واعتـــــدل حتى رجع كل عظم في موضعه ثم هوى ساجدا وقال الله أكبر ثم ثنى رجله وقعد عليها
حتى يرجع كل عضو إلى موضعه ثم نهض فصنع في الركعة الثانية مثل ذلك حتى إذا قام من السجدتين كبر ورفع
يديه حتى يحاذي بهما منكبيه كما صنع حين افتتح الصلاة ثم صنع كذلك حتى إذا
كانت الركعة التي تنقضي فيها الصلاة أخَّرَ رِجلَه اليسرى وقعدَ على شقه
متوركا ثم سَلَّم".
ورواه أبو داود في "سننه" حديث (730).
والترمذي في "سننه" حديث (304)، كل منهما بإسناده إلى يحي بن سعيد عن عبد الحميد بن جعفر به.
ورواه الدارمي في "مسنده" حديث (1363).
قال: حدثنا أبو عاصم عن عبد الحميد بن جعفر به.
ورواه ابن ماجه في "سننه" حديث (1061) بإسناده على عبد الحميد بن جعفر.
وأورده النسائي في عدد من المواضع في "المجتبى" وفي "الكبرى"، ولكن لا يورده إلا مختصرًا.
وفي صحيح ابن حبان حديث (1865)
ولم يذكر في هذه المصادر جميعها وضع اليدين على الصدر لا في القيام الأول، ولا في الرفع والاعتدال بعـــــد الركوع
وفيها جميعاً:
"ثم رفع رأسه وقال: سمع الله لمن حمده ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم اعتدل".
ولم يقل: حتى عاد كل عظم إلى موضعه.
وقال في الجلوس الثاني بعد السجود: "... وقعد واعتدل حتى يرجع كل عظم إلى موضعه معتدلا".
وفي صحيح ابن حبان من طريق عبد الحميد بن جعفر به، برقم (1867)، قال:
"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة كبَّر، ثم رفع
يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ويقيم كل عظم في موضعه".وذكر فيه قوله في الرفع من الركوع: "حتى يقر كل عظم إلى موضعه".وذكر مثل ذلك في الجلوس بين السجدتين.
وأورده برقم (1870)، وذكر فيه قوله في الرفع من الركوع وفي الجلوس بين السجدتين: " حتى رجع كل عظم إلى موضعه"وأورده أيضاً من حديث عبد الحميد بن جعفر برقم (1876)، فذكر في القيام الأول
قوله: " ورفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ويقر كل عظم في موضعه معتدلا".وقال في الرفع من الركوع: "ثم يرفع رأسه ويقول: سمع الله لمن حمده، ويرفع يديه
حتى يحاذي بهما منكبيه معتدلا"، ولم يذكر قوله: حتى يرجع كل عظم مكانه.وقال بعد أن ذكر السجدة الثانية: "ويثني رجله اليسرى فيقعد عليها حتى يعود كل عظم إلى موضعه معتدلا".أقول: لقد ذكر أبو حميد -رضي الله عنه- في حديثه هذا عدداً من أركان الصلاة وواجباتها ومستحباتها.
ولم يذكر وضع اليدين على الصدر في حال الرفع من الركوع، وأقرَّه عشرة من الصحابة على هذه الصفة من الصلاة.وقدذهب بعض العلماء الأفاضل إلى القول بوضع اليدين على الصدر في حال الاعتدال
من الركوع، أخذاً من قول أبي حميد –رضي الله عنه-: "ثم رفع واعتدل حتى
رجعَ كلُّ عظم في موضعه".والحق أن هذا المقطع من الحديث لا يدل على ما ذهب إليه هؤلاء الأفاضل، إذ
المقصود منه بيان الاطمئنان والاعتدال الكامل في هذا القيام.يوضح فهمي هذا ما يأتي:1- قول أبي حميد -رضي الله عنه-: "ثم رفع واعتدل حتى رجع كل عظم في موضعه معتدلا".فالقصد منه بيان مشروعية الاعتدال في هذا الركن.فهويركز في هذا المقطع على الاعتدال ورجوع كل عظم من فقرات الظهر إلى موضعه،
ولا يتم الاعتــــــدال في هذا الركن إلا بالوصف الذي ذكره، ولا دخل لوضع
اليدين على الصدر في هذا الاعتدال، ولا يتوقف عليه، وإنما يتوقف على
استيعاب كل فقرات الظهر.2-ومما يدل على ضعف هذا القول أن الوضع المذكور (وضع اليدين على الصدر) في
حال الاعتدال، لم يذكر في القيام الأول في شيء من طرق هذا الحديث.3-مما يؤكد عدم دخول وضع اليدين على الصدر في هذا القيام قوله في الاعتدال
من القعود بعد السجود: "ثم ثنى رجلَه وقعد عليها حتى يرجع كلُّ عُضوٍ إلى
موضعه".
وهذا موجود في رواية الإمام أحمد ورواية الترمذي والدارمي وابن ماجه
وغيرهم، فهل يصح أن يقال بمشروعية وضع اليدين على الصدر في حال القعود؟4-مما يؤكد أن المراد بقوله: "حتى رجع كل عظم في موضعه" - إنما هو عود كل
واحدة من فقــــــرات الظهر إلى موضعها، وأنه لا يتم الاستواء والاعتدال في
هذا القيام إلا بذلك - رواية الإمام البخاري وابن خزيمة والبيهقي. وفيها كلها: "حتى يعود كل فقار مكانه"، فاليدان لا دخل لهما في الفقرات.
ثم إنَّ هذا اللفظ في رواية البخاري ومن معه يفسر ويبين أن المراد بقوله
في رواية الترمذي وغيره "حتى رجع كل عظم في موضعه"، إنما هو رجوع فقرات
الظهر في كل من الاعتدال من الركوع وفي القعود بعد السجود.ومع أن رواية البخاري ومن معه واضحة في المراد ومفسرة لما في رواية الترمذي
ومن معه، فهي أقوى وأصح إسناداً، حيث رواها الليث بن سعد بإسنادين صحيحين.ويزيدها قوة قول الإمام البخاري مؤكدا لها:"وسمع الليث يزيدَ بنَ أبي حبيب ويزيدُ من محمدِ بنِ حلحلةَ وابنُ حلحلةَ من ابنِ عطاءٍ قال أبو صالح عن الليث "كل فقار".وقال ابن المبارك عن يحي بنِ أيوب قال حدثني يزيدُ بنُ أبي حبيب أنَّ محمدَ بنَ عمــــــــــــرو حدَّثـــــــــــه "كُلُّ فقار"". فهذه عدة من التأكيدات على أن أبا حميد إنما قال هذا عن القيام: "حتى يعود كلُّ فقار مكانه".وذلك مما ينافي فهم بعض الناس من لفظ "كل عضو" أن هذا اللفظ يشمل اليدين.وقد ظهر للقارئ أنه لا اختلاف بين قوله: "كل عضو"، وبين قوله: "كل فقار".إذ لم يفهم هذا الاختلاف أحد من العلماء، فقهاء ومحدثين.ولوفهم أحد أن بينهما اختلافا، وأبى أن يجمع بينهما بتفسير العضو بالفقار،
خطونا الخطوة التالية وهي الترجيح، وهو تقديم الأصح من الروايتين، إذ رواية
البخاري ومن معه أصح من رواية الترمذي ومن معه، أضف إلى ذلك أن في رواية
الترمذي ومن معه ما يؤكد هذا الترجيح، وهو قوله معبرًا عن صفة جلوسه –صلى
الله عليه وسلم-: "ثمَّ ثنى رجلَه وقعَدَ عليها حتى يرجعَ كلُّ عُضوٍ إلى
موضِعِه".فهل يفهم أحد من هذا القول وضع يديه صلى الله عليه وسلم على صدره في حال القعود؟فإذا استبعدنا هذا الفهم في حال الجلوس فلنستبعده في حال القيام، والأمر واضح والحمد لله.ثم أزيد الأمر بيانًا وتوضيحاً فأقول:انظر أيها القارئ الكريم إلى أقوال أبي حميد –رضي الله عنه- في حال الاعتدال، وافهم بإنصاف مقصوده.1- قوله: "كان إذا قام إلى الصلاة اعتدلَ قائمًا".2- قوله في الركوع: "فركع ثم اعتدلَ فلم يصُبَّ رأسَه ولم يَقْنَعه".3- قوله في وصف قعوده بعد السجدة الأولى: "ثمَّ ثنى رجله اليسرى وقعد عليها واعتدلَ حتى رجَعَ كلُّ عظمٍ في موضعه".4- وقوله في وصف قعوده بعد السجدة الثانية: "ثم ثنى رجله وقعدَ عليها حتى يرجعَ كلُّ عُضوٍ إلى مَوْضِعه".لتدرك أن مقصود أبي حميد إنما هو اعتدال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في هذه
الأحوال كلها، بحيث يعود كل عضو على محله الذي ركبه الله فيه، وأن مراده
بالأعضاء فقراتُ الظهر التي لا يتمُّ اعتداله واطمئنانه إلا إذا عاد كل عضو
(فقار) مكانه.تأمَّل مرة أخرى تعبيره عن حركات يدي النبي –صلى الله عليه وسلم- في صلاته:1- حيث قال عن حركتها عند تكبيرة الإحرام: "ورفع يديه حتى حاذى بهما منكبيه".2- وقال عند هويه للركوع: "فإذا أراد أن يركع رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه".3- وقال في وصف ركوعه: "... ووضعَ يديه على رُكبتيه".4- ثم قال واصفاً اعتداله في القيام بعد الركوع: "ثم رفعَ واعتدلَ حتى رجع كلُّ عظمٍ في موضع معتدلا".
ولم يذكر حركة يديه ولا وضعهما على صدره، فكيف يذكر حركات يديه في
المواطن المذكورة، ويذكر وضعهما على ركبتيه في الركوع، ولا يذكر وضعهما على
صدره في حال اعتداله بعد الركوع، فإن كان أبو حميد نسي ذلك فلماذا لم
يذكره الصحابة العشرة الذين كانوا معه والذين قال لهم: "أنا أعلمكم بصلاة
رسول الله –صلى الله عليه وسلم-".ثم كيف يتحدث عن حال رأسه صلى الله عليه وسلم في الركوع فيقول: "ولا يصوّب رأسه ولا يقنع".ويتحدث عن رجليه وأصابع رجليه، ولا يتحدث عن وضع يديه في حال الاعتدال بعد الركوع.لوكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يضع شماله على يمينه في حال الاعتدال
ونسيه أبو حميد –رضي الله عنه- لذكَّره من كان بحضرته من الصحابة الكرام.هذا وقد تعلَّق بعض الناس بحديث علقمة بن وائل عن أبيه قال: "رأيت رسول الله
–صلى الله عليه وسلم- إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله"،
رواه النسائي حديث رقم (887).وقالوا هذا يشمل القيامين، القيام الأول قبل القراءة، والقيام الثاني بعد الرفع من الركوع.والجواب عن هذا الاستدلال من وجهين:أولاً- أن هذا حديث ضعيف، لأن علقمة وإن كان صدوقاً إلا أنه لم يسمع من أبيه، قاله الحافظ في "التقريب" في ترجمة وائل.
وقال ابن معين: "لم يسمع من أبيه شيئا" ، انظر "جامع التحصيل" للعلائي رقم (537) (ص293)، و"كفاية التحصيل" لابن العراقي (ص 233).ثانياً- لو فرضنا ثبوته فإنه يحمل على القيام الأول:
أ- لما أفادته رواية البخاري ومن ومعه.ب-ولما تفيده الرواية الثابتة عن وائل بن حجر من أن وضع رسول الله –صلى الله
عليه وسلم- يديه على صدره إنما كان في القيام الأول قيام القراءة فحسب.قال الإمام النسائي -رحمه الله- في "سننه" (2/126) حديث (889)، "باب موضع اليمين من الشمال في الصلاة":"أخبرنا سويد بن نصر، قال أنبأنا عبد الله بن المبارك، عن زائدة، قال:
حدثناعاصم بن كليب، قال: حدثني أبي أن وائل بن حجر أخبره، قال: قلت: لأنظرن
إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، فنظرت إليه فقام فكبر
ورفع يديه حتى حاذتا بأذنيه،ثم وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ
والساعد، فلما أراد أن يركع رفع يديه مثلها، قال:ووضع يديه على ركبتيه، ثم
لما رفع رأسه رفع يديه مثلها، ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه، ثم قعد وافترش
رجله اليسرى، ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه
الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض اثنتين من أصابعه وحلق حلقة، ثم رفع إصبعه
فرأيته يحركها يدعو بها".وأخرجها الدارمي في "سننه" حديث (364) بإسناده إلى زائدة به.فنراه نصَّ في هذه الرواية الثابتة على وضع يده اليمنى على كفه اليسرى والرسغ
والساعد في قيامه الأول قيام القراءة فحسب، ولم يذكر أنه وضعَ يمينه على
شماله في الاعتدال بعد الركوع، وهذا مما يزيد رواية علقمة ضعفاً إسناداً
ودلالة.ومما يزيد رواية علقمة ضعفاً: ما رواه مسلم –رحمه الله- في "صحيحه" حديث (401) حيث قال:"حدثنا
زهير بن حرب، حدثنا عفان، حدثنا همام، حدثنا محمد بن جحادة، حدثني عبد
الجبار بن وائل، عن علقمة بن وائل ومولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن
حجر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر، وصف
همام حيال أذنيه، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما
أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما ثم كبر فركع، فلما قال: سمع
الله لمن حمده رفع يديه، فلما سجد سجد بين كفيه".فنرىهنا في رواية علقمة ومولى آل حجر ما يؤكد ضعف رواية علقمة السالفة الذكر،
حيث ذكرا في رواية مسلم قول وائل –رضي الله عنه- وهو يصف صلاة رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- في القيام الأول:"... ثم وضع يده اليمنى على اليسرى"، ولم يشر من قريب ولا من بعيد على وضع يديه في حال الاعتدال، بل قال:"فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب، ثم رفعهما ثم كبر فركع، فلما قال: سمع الله لمن حمده، رفع يديه، فلما سجد، سجد بين كفيه".فنرى وائلا –رضي الله عنه- يصف صلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويركز على حركات يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- حركة حركة.ولم يذكر وضع يمين النبي -صلى الله عليه وسلم- على شماله في حال الاعتدال من الركوع.والحاصل
أن حديث وائل بن حجر الثابت عنه في المصادر المذكورة يعضد ويوافق رواية
أبي حميد التي رواها البخاري وغيره في عدم وضع اليدين على الصدر في
الاعتدال من الركوع، وأن المراد بقول أبي حميد: "ثم رفع واعتدل حتى رجع كل
عظم في موضع معتدلا" ، إنما المراد به الاستواء والاعتدال في هذا الركن
بحيث ترجع كل فقرة من فقار ظهره إلى موضعها، كما في رواية البخاري.ومنه يتبين للقارئ المنصف ضعف القول بمشروعية وضع اليمين على الشمال في حال هذا
الاعتدال لضعف دليله، ولمخالفة هذا الدليل الضعيف لدليلين ثابتين عن أبي
حميد وعن وائل بن حجر -رضي الله عنهما-.ومما دفعني إلى البحث في هذه المسالة أني أرى كثيرًا من المقلدين يهتمون بوضع
أيديهم على صدورهم في حال الاعتدال من الركوع، وفي الوقت نفسه يهملون
أمورًا مهمة من صميم الصلاة وحضَّ عليها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-
وهي ثابتة بالنصوص الصحيحة الصريحة فلا يهتمون بها، ومنها: سد الخلل،
وإلصاق الكعاب بالكعاب والمناكب بالمناكب، فقد أمر رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- بسد الخلل وشدَّدَ في ذلك.قال الإمام أحمد في مسنده (2/97) حديث رقم(5724): "حدثنا هارون بن معروف حدثنا
عبد الله بن وهب عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن كثير بن مُرَّة عن
عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصفوف
فإنما تصُفُّون بصفوف الملائكة وحاذوا بين المناكب وسُدُّوا الخللَ ولِينوا
في أيدي إخوانكم ولا تذروا فُرُجاتٍ للشيطان ومن وصلَ صفًّا وصله الله
تبارك وتعالى ومن قطعَ صفًّا قطعه الله".وقال
-رحمه الله- في مسنده ( 5/262): "حدثنا هاشمٌ حدثنا فَرَجٌ حدثنا لقمانُ
عن أبي أمامةَ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله وملائكته
يصلون على الصف الأول قالوا يا رسول الله وعلى الثاني قال إن الله وملائكته
يصلون على الصف الأول قالوا يا رسول الله وعلى الثاني قال وعلى الثاني قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم سوُّوا صفوفكم وحاذوا بين مناكبكم ولينوا في
أيدي إخوانكم وسُدوا الخلل فإن الشيطان يدخل بينكم بمنزلة الحَذَفِ يعني
أولادَ الضَّأن الصغار"، حسن بشواهده.ومن المناسب هنا أن أنبه على أمر من الأمور المهمة في الصلاة ألا وهو أن يتخذ المصلي سترة تحول بينه وبين المار من إنسان أو غيره.فقد جاءت أحاديث عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يأمر فيها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- باتخاذ السترة للمصلي منها:1-عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: "إذا صلَّــــى أحدكم فليصل إلى سترة وليَدْنُ منها". رواه أبو داود
وابن ماجه.2-وعن ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
إذا خرج يوم العيد يأمر بالحربة فتوضع بين يديه فيصلي إليها والناس وراءه،
وكان يفعل ذلك في السفر". متفق عليه.3- مقدار المسافة بين المصلي والسترة:وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: "كان بين مصلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وبين الجدار ممرَّ شاة"، متفق عليه.3-وعن بلال –رضي الله عنه-: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل الكعبة
فصلى وبينه وبين الجدار نحو ثلاث أذرع" ، رواه أحمد والنسائي.مشروعية دفع المار بين يدي المصلي وما على المار من الإثم:
عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: "سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:
"إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز بين يديه
فليدفعه فإن أبى فليقاتله، فإنما هو شيطان" ، رواه الجماعة إلا الترمذي.-وعن أبي جهيم عبد الله بن الحارث الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين
خيرًا له من أن يمر بين يديه".فهذه الأحاديث تدل المسلم على أهمية السترة في الصلاة ومكانتها فيها، ولقد تساهل كثير من الناس في أمر السترة على أهميتها ومكانتها.أسألالله أن يوفقنا والمسلمين جميعًا للتمسك بكتاب ربنا وسنة نبينا في عقائدنا
وعباداتنا وسائر شؤون حياتنا، وأن يرزقنا الجد في ذلك، إنه سميع مجيب.وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.كتبه الفقير إلى عفو الله ورحمتهربيع بن هادي عمير المدخلي1433/5/8هــــــ[1]- في "سنن الدارمي" و"سنن الترمذي": "فلم يصوب رأسه"، والمراد أنه لم يطأطئ رأسه إلى أسفل.
تحميل الملف:
[b]هل ثبت عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه كان يضع يديه على صدره في حال الاعتدال من الركوع.