[right]التربية الإسلامية و حب الوطن
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد ؛
فتنطلق التربية الإسلامية في تعاملها مع النفس البشرية من منطلق الحب
الإيماني السامي ؛ الذي يملأ جوانب النفس البشرية بكل معاني الانتماء
الصادق ، والولاء الخالص . ولاشك أن حب الوطن من الأمور الفطرية التي جُبل الإنسان عليها ، فليس غريباً أبداً أن يُحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه ، وشبَّ على ثراه ، وترعرع بين
جنباته . كما أنه ليس غريباً أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما
يُغادره إلى مكانٍ آخر ، فما ذلك إلا دليلٌ على قوة الارتباط وصدق
الانتماء .
وحتى يتحقق حب الوطن عند الإنسان لا بُد من تحقق صدق الانتماء إلى الدين
أولاً ، ثم الوطن ثانياً ، إذ إن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحُث
الإنسان على حب الوطن ؛ ولعل خير دليلٍ على ذلك ما صح عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكة المكرمة مودعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج
منه ، فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ ( رضي الله عنهما ) أنه قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة :" ما أطيبكِ من بلد ، وأحبَّكِ إليَّ
، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ " ( رواه الترمذي ، الحديث
رقم 3926 ، ص 880 ) .
ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعلم البشرية يُحب وطنه لما
قال هذا القول الذي لو أدرك كلُ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن
يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه ، ولأصبح الوطن لفظاً تحبه القلوب ،
وتهواه الأفئدة ، وتتحرك لذكره المشاعر .
وإذا كان الإنسان يتأثر بالبيئة التي ولد فيها ، ونشأ على ترابها ، وعاش
من خيراتها ؛ فإن لهذه البيئة عليه ( بمن فيها من الكائنات ، وما فيها من
المكونات ) حقوقاً وواجباتٍ كثيرةً تتمثل في حقوق الأُخوة ، وحقوق
الجوار ، وحقوق القرابة ، وغيرها من الحقوق الأُخرى التي على الإنسان في
أي زمانٍ ومكان أن يُراعيها وأن يؤديها على الوجه المطلوب وفاءً وحباً
منه لوطنه .
وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يُستخلف الإنسان في هذه الأرض
ليعمرها على هدى وبصيرة ، وأن يستمتع بما فيها من الطيبات والزينة ،
لاسيما أنها مُسخرةٌ له بكل ما فيها من خيراتٍ ومعطيات ؛ فإن حُب الإنسان
لوطنه ، وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته ؛ إنما هو تحقيقٌ لمعنى
الاستخلاف الذي قال فيه سبحانه وتعالى : { هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ
الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } ( سورة هود : الآية 61 ) .
ويمكن القول : إن دور التربية الإسلامية يتمثلُ في تنمية الشعور بحب الوطن عند الإنسان في ما يلي :
تربية الإنسان على استشعار ما للوطن من أفضالٍ سابقةٍ ولاحقة عليه ( بعد
فضل الله سبحانه وتعالى ) منذ نعومة أظفاره ، ومن ثم تربيته على رد الجميل
، ومجازاة الإحسان بالإحسان لاسيما أن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحث
على ذلك وترشد إليه كما في قوله تعالى : { هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ
إِلا الإِحْسَانُ } ( سورة الرحمن :60 ) .
( 2 )الحرص على مد جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكانٍ منه لإيجاد
جوٍ من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه الذين يمثلون في مجموعهم جسداً
واحداً مُتماسكاً في مواجهة الظروف المختلفة .
( 3 )غرس حب الانتماء الإيجابي للوطن ، وتوضيح معنى ذلك الحب ، وبيان كيفيته
المُثلى من خلال مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع كالبيت ، والمدرسة ،
والمسجد، والنادي ، ومكان العمل ، وعبر وسائل الإعلام المختلفة مقروءةً أو
مسموعةً أو مرئية .
[( 4 )العمل على أن تكون حياة الإنسان بخاصة والمجتمع بعامة كريمةً على أرض
الوطن ، ولا يُمكن تحقيق ذلك إلا عندما يُدرك كل فردٍ فيه ما عليه من
الواجبات فيقوم بها خير قيام .
( 5 )تربية أبناء الوطن على تقدير خيرات الوطن ومعطياته والمحافظة على مرافقه
ومُكتسباته التي من حق الجميع أن ينعُم بها وأن يتمتع بحظه منها كاملاً
غير منقوص .
( 5 )الإسهام الفاعل والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته سواءٌ كان
ذلك الإسهام قولياً أو عملياً أو فكرياً ، وفي أي مجالٍ أو ميدان ؛ لأن
ذلك واجب الجميع ؛ وهو أمرٌ يعود عليهم بالنفع والفائدة على المستوى
الفردي والاجتماعي .]
( 6 ) التصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن ، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة ]
( 7 )[الدفاع عن الوطن عند الحاجة إلى ذلك بالقول أو العمل .
وفي الختام ؛ نسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير والسداد ، والهداية والرشاد ، والحمد لله رب العباد .
موضوع آخر مشابهه
هل حديث حب الاوطان من الايمان صحيح ، وما حكم حب الوطن ، وما حكم الذي يقول أنا وطني ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
الجواب:
وأما حكم حب الوطن :
هذا الحديث ( حب الاوطان من الايمان ) موضوع مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقله ، ولا يجوز اعتقاده
كما قال الشاعر :
فحب الوطن ، حب فطري ، والإنسان يتعلق بالأرض التي عاش عليها ، وأَلِف أهلها ، وسهلوها ، وجبالها ، لأنها تحمل ذكرياته .
إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهـم **** عهود الصبــا فحنوا لذلك
وحبّب أوطان الرجال إليهم **** مآرب قضاها الشبـاب هنالك
وحب الوطن ، هو مثل حب الإنسان ، لولده ، وقومه ، وعشيرته ، وزوجته ، ومثل
حبه لما هو جميل ، فهذا الحب مغروس في جبلة الإنسان ، وهو أمر فطري.
وهذه الهجرة واجبة عليه مع القدرة ، قال تعالى ( يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فاعبدون ) .
لكن إن كان الإنسان ، لا يمكنه إظهار دينه في وطنه ، فلا يتمكن من إظهار
الصلاة والصيام مثلا ، ويكره على إظهار شعار الكفر ، فإنه يجب عليه الهجرة
من ذلك الوطن ، إلى حيث يمكنه إظهار دينه ، إن استطاع ، وإلا أخفى إيمانه
حتى يجعل الله تعالى له سبيل
فإن قدر على إقامة دينه ، بحيث لا يمنع من الصلاة ، ولا الصوم ، ولا من
إقامة شعائر الإسلام ، لم تجب عليه الهجرة ، لكن يستحب له أن يهاجر إلى حيث
يكون إيمانه أقوى ، والخلاصة أن الدين مقدم على الوطن ، وحب الله تعالى
وطاعته قبل حب الوطن .
فإن آثـر المسلم عدم إظهار دينه ، بل أظهر بدل ذلك شعائر الكفر ، وعرض نفسه
للفتنة عن دينه ، من أجل حبه لوطنه ، ومشقة الهجرة منه ، فآثر ذلك على
الهجرة إلى حيث يمكنه إقامة دينه ، فهو مرتد مشرك ، شرك اتخاذ الأنداد ،
لأن الأنداد هي كل ما جذب الإنسان عن مقتضى حب الله تعالى وهو ـ أي مقتضى
حب الله ـ الانقياد له وطاعته ، سواء كان ما جذب الإنسان ، عن مقتضى حب
الله تعالى ، هو الزوجة ، أو العشيرة ، أو الوطن ، أو غير ذلك ، فكل ما
آثره العبد على الدين ، وجعله مقدما في الطاعة والانقياد على طاعة الله
تعالى ، فذلك من اتخاذ الند لله تعالى ، وقد قال تعالى ( ومن الناس من يتخذ
من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ، والذين آمنوا أشد حبا لله ) .
وليس المقصود الحدود السياسية التي وضعها المستعمر ، فبلاد الاسلام هي كل
بلد احتكمت إلى الشريعة الاسلامية ، والواجب أن يكون للمسلمين نظام سياسي
واحد ، هو الخلافة .
ولكن المقصود الارض التي عاش عليها الانسان ، ونشا فيها ، وفيها قومه وعشيرته ، وموطن أجداده .
ولكن هذا كله يقصد به الوطن ، الذي هو الأرض التي عاش عليها الإنسان .
وإن كان نظاما إسلاميا قائما بالشريعة فحبه من الإيمان ، لان الحب هنا
لرجال مؤمنين يقومون بأمر الله تعالى ، لان النظام ما هو إلا رجال يحكمون ،
وحب المؤمنين من الإيمان
أما الوطن بمعنى النظام القائم ، فإن كان نظاما كافرا ، فهذا حبه رده عن
الدين ، وكيف يحب المسلم نظاما معاديا لله ورسوله ، كما قال تعالى ( لاتجد
قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا
آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان
وأيدهم بروح منه .. الآية )
وإن كان هذا اللفظ يطلق في الغالب على معنى مخالف للشرع ، فلا يجوز إطلاقه
،ولكن الحكم على قائله لا يكون إلا بعد الاستفصال عن قصده والله أعلم .
وأما قول الرجل أنا وطني ، فهو نسبة إلى وطنه ، وكل إنسان يصح له أن ينتسب
إلى وطنه ، أما الحكم على قائل هذه العبارة ، فينظر إلى مقصده من قوله ،
فإن قصد أنه ينصر حقوق الناس ولا يغشهم فهذا معنى صحيح ، وإن كان يقصد
الولاء للنظام فينظر إلى حال النظام كما أسلفنا
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحابته أجمعين .