أحكام عيد
الفطر
الحمد لله القوي المتين،
الملك الحق المبين، وأشهد أن لا إله إلا الله، فإياه نعبد وإياه نستعين، وأشهد أن
محمداً عبده ورسوله، سيد المرسلين، وإمام المتقين، اللهم صل وسلم على محمد، وعلى
آله وأصحابه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فهذه جملة
مختصرة عن أحكام عيد الفطر، كتبتها تذكيراً لنفسي ولإخواني من المسلمين، وجعلتها في
مسائل ليسهل فهمها والإلمام بها، وأسأل الله ربي أن ينفع بها الكاتب والقارئ
والساعي بين الناس في نشرها، وتفقيههم بها.
ثم أقول مستعيناً بالله جل وعلا:
المسألة الأولى / عن مشروعية
صلاة العيد.
قال الإمام ابن تيمية ـ
رحمه الله ـ عن صلاة العيد كما في "مجموع الفتاوى" (23/161):
إنها من أعظم شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لها أعظم من
الجمعة .اهـ
ومشروعيتها ثابتة بالسنة
النبوية المشتهرة المستفيضة بين الناس، وبإجماع أهل العلم، وقد كان النبي صلى الله
عليه وسلم والخلفاء من بعده يداومون عليها، ولم يأت عنهم تركها في عيد من
الأعياد.
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه
ـ:
(( شهدت العيد مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان )) رواه
البخاري (962) واللفظ له، ومسلم (884).
بل
حتى النساء كن يشهدنها على عهده صلى الله عليه وسلم، فقد قالت أم عطية ـ رضي الله
عنها ـ:
(( كنا نؤمر أن نخرج يوم العيد،
حتى نخرج البكر من خدرها، حتى نخرج الحيض، فكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم، ويدعون
بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته )) رواه
البخاري (971) واللفظ له، ومسلم (890).
وقال الإمام إسحاق بن راهويه ـ رحمه الله ـ كما في "المسائل
لإسحاق بن منصور الكوسج"( رقم:2856):
يستحب الخروج لهن في العيدين، لما مضت السنة بذلك، ولكن لا
يتزين ولا يتطيبن.اهـ
فإذا خرجن على هذه
الصفة جمعن بين فعل السنة، واجتناب الفتنة.
المسألة الثانية / عن
الاغتسال للعيد.
وتحت هذه المسألة
فرعان:
الفرع الأول / عن مشروعية الغسل
للعيد.
الاغتسال للعيد فعل أصحاب النبي صلى
الله عليه وسلم، فقد ثبت عن نافع:
(( أن
ابن عمر كان يغتسل للعيدين )) رواه الفريابي
في "أحكام العيدين"(رقم:15).
وثبت عن الجعد
بن عبد الرحمن أنه قال:
(( رأيت السائب بن
يزيد يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى )) رواه
الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:16).
وقال
ابن رشد ـ رحمه الله ـ في كتابه "بداية المجتهد"(1/505):
أجمع العلماء على استحسان الغسل لصلاة العيدين.اهـ
الفرع الثاني / عن وقت الاغتسال
للعيد.
الأفضل أن يكون الاغتسال بعد صلاة
الفجر وقبل الذهاب إلى المصلى، وأن تكون صفته كصفة غسل الجنابة، وعليه يدل ظاهر
الآثار الواردة عن الصحابة، ومنهم ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ، فقد ثبت عن محمد بن
إسحاق أنه قال: قلت لنافع: كيف كان ابن عمر يصلي يوم العيد؟ فقال:
(( كان يشهد صلاة الفجر مع الإمام، ثم يرجع إلى بيته فيغتسل
كغسله من الجنابة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما عنده، ثم يخرج حتى يأتي
المصلى )) رواه الحارث ابن أبي أسامة كما في
"المطالب العالية"( رقم:2753).
وثبت عن
الجعد بن عبد الرحمن أنه قال:
(( رأيت
السائب بن يزيد يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى )) رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:16).
وإن اغتسل قبل صلاة الفجر لضيق الوقت، وحتى يتمكن من
التبكير إلى المصلى فحسن، وقد فعله جمع من السلف الصالح، واستحسنه
كثير.
المسألة الثالثة / عن التجمل بأحسن الثياب والطيب
للعيد.
قال عبد الله بن عمر بن
الخطاب ـ رضي الله عنهما ـ:
(( وجد عمر بن
الخطاب حلة من إستبرق تباع في السوق فأخذها فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفود..)) رواه البخاري (948) ومسلم (2068).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح
الباري"(6 /67-68) عقبه:
وقد دل هذا
الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتاداً بينهم00وهذا التزين في العيد يستوي فيه
الخارج إلى الصلاة، والجالس في بيته حتى النساء والأطفال.اهـ
وقال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في كتابه "الأم"(1/387):
ويلبس الصبيان أحسن ما يقدرون عليه ذكوراً
وإناثاً.اهـ
وثبت عن محمد بن إسحاق أنه
قال: قلت لنافع: كيف كان ابن عمر يصلي يوم العيد؟ فقال:
(( كان يشهد صلاة الفجر مع الإمام ثم يرجع إلى بيته فيغتسل
كغسله من الجنابة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما عنده، ثم يخرج حتى يأتي
المصلى )) رواه الحارث ابن أبي أسامة كما في
"المطالب العالية"( رقم: 2753).
وقال
الإمام مالك ـ رحمه الله ـ كما في كتاب "الأوسط"(4/265) لابن
المنذر:
سمعت أهل العلم يستحبون الزينة
والتطيب في كل عيد.اهـ
المسألة الرابعة / عن الأكل قبل الذهاب إلى
المصلى.
يسن للمسلم في يوم عيد
الفطر أن يأكل تمرات بعد صلاة الفجر وقبل الخروج من البيت إلى المصلى، وذلك لقول
أنس رضي الله عنه:
(( كان رسول الله صلى
الله عليه وسلم لا يغدوا يوم الفطر حتى يأكل تمرات )) رواه البخاري (953).
وثبت عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه قال:
(( كان المسلمون يأكلون في يوم الفطر قبل
الصلاة )) رواه الشافعي في
"الأم"(1/387).
وقال ابن رشد ـ رحمه الله ـ
في كتابه "بداية المجتهد" (1/221):
وأجمعوا على أنه يستحب أن يفطر في عيد الفطر قبل الغدو إلى
المصلى.اهـ
ومن لم يتيسر له تمرات أكل مما
يجد، فقد ثبت عند عبد الرزاق في "مصنفه"(5734) عن ابن جريج قال: أخبرني عطاء قال:
أنه سمع بن عباس ـ رضي الله عنه ـ يقول:
(( إن استطعتم أن لا يغدو أحد كم يوم الفطر حتى يطعم
فليفعل، قال: فلم أدع أن آكل قبل أن أغدو منذ سمعت ذلك من ابن عباس، فآكل من طرف
الصريفة، قلنا له: ما الصريفة؟ قال خبز الرقاق، الأكلة أو أشرب من اللبن أو النبيذ
أو الماء، قلت: فعلى ما تأول هذا؟ قال: سمعته قال: أظن عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: كانوا لا يخرجون حتى يمتد الضحى فيقولون نطعم لأن لا نعجل عن الصلاة قال:
وربما غدوت ولم أذق إلا الماء، ابن عباس القائل )).
المسألة الخامسة / عن الخروج
إلى مصلى العيد والعودة منه.
وتحت
هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول / عن
استحباب الذهاب إلى مصلى العيد مشياً.
فقد
ثبت عن زر بن حبيش ـ رحمه الله ـ أنه قال:
(( خرج عمر بن الخطاب في يوم فطر أو يوم أضحى في ثوب قطن
متلبباً به يمشي )) رواه ابن أبي شيبة
(5590).
وثبت عن جعفر بن برقان ـ رحمه الله
ـ أنه قال:
(( كتب عمر بن عبد العزيز
يرغبهم في العيدين: من استطاع أن يأتيهما ماشياً فليفعل )) رواه عبد الرزاق (5664) واللفظ له، وابن أبي شيبة
(5604).
وثبت عن سعيد بن المسيب ـ رحمه
الله ـ أنه قال:
(( سنة الفطر ثلاث
ـ وذكر منها ـ :
المشي إلى المصلى )) رواه الفريابي في "أحكام
العيدين"(رقم:18).
وقال الإمام الترمذي ـ
رحمه الله ـ في "سننه"(2/264):
أكثر أهل
العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً.اهـ
الفرع الثاني/ عن استحباب الذهاب إلى مصلى العيد من طريق
والرجوع منه من طريق آخر.
قال جابر بن عبد
الله ـ رضي الله عنه ـ:
(( كان النبي صلى
الله عليه وسلم إذا كان يوم عيد خالف الطريق )) رواه البخاري (986).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح
الباري"(6/166):
وقد استحب كثير من أهل
العلم للإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أن يرجعوا في
غيره.اهـ
وقال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في
كتابه "بداية المجتهد"(1/2211-222):
وأجمعوا على أنه يستحب أن يرجع من غير الطريق التي مشى
عليها لثبوت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام.اهـ
المسالة السادسة / عن
التكبير في عيد الفطر.
وتحت هذه
المسألة ستة فروع:
الفرع الأول / عن
مشروعيته.
قال الله تعالى في ختام آية
الصوم من سورة البقرة:
{ وَلِتُكْمِلُوا
الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
}.
وقال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في
"تفسيره"(1/307):
أخذ كثير من العلماء
مشروعية التكبير في عيد الفطر من هذه الآية.اهـ
وجرى عليه العمل في عهد السلف الصالح من الصحابة والتابعين
فمن بعدهم، فقد ثبت عن نافع ـ رحمه الله ـ:
(( أن ابن عمر كان يخرج إلى العيدين من المسجد فيكبر
)) رواه الفريابي
(43-46).
وثبت عن أبي عبد الرحمن
السلمي ـ رحمه الله ـ أنه قال:
(( كانوا
في التكبير في الفطر أشد منهم في الأضحى )) رواه الدارقطني (2/44) والفريابي في"أحكام
العيدين"(64).
الفرع الثاني / عن وقت
ابتدائه.
يبدأ التكبير في عيد الفطر عند
أكثر أهل العلم من السلف الصالح فمن بعدهم من حين الذهاب إلى مصلى
العيد.
فقد ثبت عن ابن عمر ـ رضي الله عنه
ـ:
(( أنه كان يكبر إذا غدا إلى المصلى
يوم العيد )) رواه الفريابي في "أحكام
العيدين"(رقم:39).
وثبت عن الإمام الزهري ـ
رحمه الله ـ أنه قال:
(( كان الناس يكبرون
من حين يخرجون من بيوتهم )) رواه الفريابي في
"أحكام العيدين"(رقم:59).
وقال الحافظ ابن
المنذر ـ رحمه الله ـ في كتابه "الأوسط"(4/249):
سائر الأخبار عن الأوائل دالة على أنهم كانوا يكبرون يوم
الفطر إذا غدوا إلى الصلاة.اهـ
وقال النووي ـ رحمه الله ـ في كتابه "المجموع"(5/48):
قال جمهور العلماء لا يكبر ليلة العيد إنما يكبر عند الغدو إلى صلاة العيد.اهـ
الفرع الثالث / عن وقت
انتهائه.
ثبت عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ
أنه:
(( كان يكبر يوم العيد حتى يأتي
المصلى، ويكبر حتى يأتي الإمام )) رواه
الفريابي في "أحكام العيدين"( رقم: 48- 46).
وثبت عن الإمام الزهري ـ رحمه الله ـ أنه قال:
(( كان الناس يكبرون .. حتى يأتوا المصلى،
حتى يخرج الإمام فإذا خرج سكتوا )) رواه
الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:59).
الفرع الرابع / عن الجهر به.
ثبت عن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ:
(( أنه كان إذا غدا يوم الأضحى ويوم الفطر يجهر بالتكبير
حتى يأتي المصلى، ثم يكبر حتى يأتي الإمام ))
رواه الدارقطني (2/45) وبنحوه عند الفريابي في "أحكام العيدين" (رقم:43-53)
.
وقال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما
في "مجموع الفتاوى"(24/220):
ويشرع لكل
أحد أن يجهر بالتكبير عند الخروج إلى العيد، وهذا باتفاق الأئمة
الأربعة.اهـ.
وقال الحافظ ابن رجب ـ رحمه
الله ـ في "فتح الباري"(6/133):
ولذلك
يشرع إظهار التكبير في الخروج إلى العيدين في الأمصار، وقد روي ذلك عن: عمر وعلي
وابن عمر وأبي قتادة، وعن خلق من التابعين ومن بعدهم.اهـ.
الفرع الخامس / عن تكبير النساء.
قالت أمُّ
عطيـَّة - رضي الله عنها -:
(( كنَّا نُؤمَر أن
نَخْرُج يوم العيد، حتَّىٰ نُخْرِجَ البكر من خدرها، حتَّىٰ نُخْرِجَ الحِيَّض،
فيَكنَّ خلف النَّاس، فيكبِّرن بتكبيرهم )) رواه البخاري(971) واللَّفظ له،
ومسلم (890) ، وفي رواية لمسلم:
(( يكبِّرن مع
الناس )).
وهٰذا نصٌّ في مشروعيـَّة التَّكبير للنِّساء حتَّىٰ ولو كُنَّ
حِيَّض.
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - في كتابه "فتح الباري"
(6/130):
ولا خلاف في أنَّ النَّساء يكبِّرن مع الرِّجال تبعاً إذا صلَّيْنَ
معهم جماعة، ولكنَّ المرأة تخفض صوتها بالتَّكبير.اهـ.
وقال النَّووي - رحمه
الله – في " شرح صحيح مسلم" (6/429) عقب حديث أمِّ عطيـَّة - رضي الله عنها -:
وهٰذا دليلٌ علىٰ استحباب التَّكبير لكلِّ أحد في العيدين وهو مجمعٌ
عليه.اهـ.
قال ابن بطَّـال - رحمه الله - في "شرح صحيح البخاري" (2/567):
وهذا أمـرٌ مستفيض.اهـ.
الفرع السادس / عن
صيغه.
للتَّكبير في العيد عِدَّة صِيغ جاءت عن الصَّحابة ـ رضي الله عنهم
ـ:
الأولىٰ: (( الله أكبر كبيرًا، الله أكبر كبيرًا، الله أكبر وأجلُّ،
الله أكبر ولله الحمد )).
وثبتت عن ابن عباس- رضي الله عنهما - عند ابن
أبي شيبة في "مصنَّفه" (1/489).
الثَّانية: ما
أخرج عبد الرزاق (11/295رقم: 20581) ، ومن
طريقه البيهقي (3/316) عن أبي عثمان النَّهدي قال:
(( كان سلمان يعلِّمنا التَّكبير يقول: كبِّروا الله، الله
أكبر، الله أكبر- مرارًا - الَّلهم أنت أعلىٰ وأجلُّ من أن تكون لك صاحبة، أو يكون
لك ولد، أو يكون لك شريك في الملك، أو يكون لك وليٌّ من الذُّلِّ، وكبِّره تكبيرًا،
الله أكبر كبيرًا، الَّلهم اغفر لنا، الَّلهم ارحمنا. ثمَّ قال: والله لتكتبنَّ
هٰذه، ولا تترك هاتان، وليكوننَّ هٰذا شفعاء صدق لهاتين )).
ولفظ
البيهقي: (( كان سلمان ـ رضي الله عنه ـ يعلِّمنا
التَّكبير يقول: كبِّروا: الله أكبر، الله أكبر كبيرًا - أو قال تكبيرًا - اللهم
أنت أعلىٰ وأجلُّ من أن تكون لك صاحبة, أو يكون لك ولد, أو يكون لك شريك في الملك,
أو يكون لك وليٌّ من الذُّلِّ، وكبِّره تكبيرًا، الَّلهم اغفر لنا، الَّلهم ارحمنا.
ثمَّ قال: والله لتكتبنَّ هٰذه، لا تترك هاتان، ولتكوننَّ شفعاً لهاتين )).
وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله - في كتابه "فتح الباري" (2/462) عن
هٰذه الصِّيغة:
أصحُّ ما ورد.اهـ.
ووافقته اللَّجنة الدَّائمة للبحوث
العلميَّة والإفتاء بالمملكة برئاسة العلَّامة ابن باز رحمه
الله.
الثَّالثة: (( الله أكبر,
الله أكبر، لا إله إلَّا الله، والله أكبر, الله أكبر، ولله الحمد )).
وجاءت عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ عند
ابن أبي شيبة في "مصنَّفه" (1/488-490) وصحَّحها العلَّامة الألباني - رحمه
الله – في كتابه "إرواء الغليل" (3/125).
وقد ثبتت
هٰذه الصِّيغة أيضاً عن جمعٍ كثير
من التَّابعين - رحمهم الله - كما عند ابن أبي شيبة في
"مصنَّفه" (1/488-490) والفريابي في "أحكام العيدين"(رقم: 62 )
وغيرهما.
المسألة السابعة / عن رفع اليدين في التكبيرات الزوائد من
صلاة العيد.
وتحت هذه المسألة أربعة فروع:
الفرع الأوَّل: وعن المراد بالتَّكبيرات
الزَّوائد.
المراد بالتَّكبيرات الزَّوائد: التَّكبيرات الَّتي تكونُ بعد
تكبيرة الإحرام في الرَّكعة الأولىٰ، وبعد تكبيرة النُّهوض إلىٰ الرَّكعة
الثَّانية.
الفرع الثَّاني: عن عدد هذه
التَّكبيرات في كلِّ ركعة.
قال الإمام مالك- رحمه الله - في "الموطَّـأ" (ص144رقم:421):
أخبرنا نافع مولى
عبد الله بن عمر أنـَّه قال:
(( شهدتُّ الأضحَىٰ
والفطر مع أبي هريرة فكبَّر في الأُولىٰ سبع تكبيرات قبل القراءة، وفي الآخرة بخمس
تكبيرات قبل القراءة )) وسندُه صحيح.
وثبت نحوه عن ابن عبَّاس- رضي الله
تعالى عنهما -.
وقال الخطَّابي - رحمه الله - في كتابه "معالم السنن" (1/217رقم:319):
وهٰذا قول أكثر
أهل العلم.اهـ
وقال النَّووي - رحمه الله-
في كتابه "المجموع"(5/24):
وحكاهُ صاحب
"الحَاوي" عن أكثر الصَّحابة والتَّابعين.اهـ
وقال الإمام ابن تيمية - رحمه الله - كما في "مجموع الفتاوىٰ" (
24/220):
وأمـَّا التَّكبير في الصَّلاة فيكبِّر المأموم تبعاً للإمام،
وأكثر الصَّحابة ـ رضي الله عنهم ـ والأئمَّـة يكبِّرون سبعاً في
الأُولىٰ وخمسًا في الثَّانية.اهـ
الفرع الثَّالث: عن نسيان الإمام للتَّكبيرات الزَّوائد أو
شيءٍ منها.
قال الإمام ابن قدامة - رحمه الله -في كتابه "المغني"(3/275):
والتَّكبيرات والذِّكر
بينها سُنَّة وليس بواجب، ولا تبطل الصَّلاة بتركه عمدًا أو سهوًا، ولا أعلمُ فيه
خلافـاً.اهـ.
الفرع الرَّابع: عن رفع اليدين مع
هذا التَّكبيرات الزَّوائد.
قال الإمام ابن قيم الجوزية ـ رحمه الله ـ
في كتابه "رفع اليدين في الصلاة"(ص295):
وقد ثبت عن الصحابة رفع اليدين في تكبيرات العيدين.اهـ.
وثبت عن ابن جريج
أنه قال: قلت لعطاء ـ يعني: ابن أبي ر باح التابعي ـ:
(( يرفع الإمام يديه كلما كبر هذه التكبيرات الزيادة في
صلاة الفطر؟ قال: نعم، ويرفع الناس أيضاً ))
رواه عبد الرزاق (3/297).
وقال الإمام البَغوي - رحمه الله - في كتابه
"شرح السُّنَّـة"(4/310):
ورفعُ اليدين في
تكبيرات العيد سُنَّة عند أكثر أهل العلم.اهـ
وباستحباب هذا الرَّفع يقول:
ابن قيم الجوزيَّة وابن باز وابن
عثيمين ـ رحمهم الله ـ.
المسألة الثامنة / عن دعاء الاستفتاح في صلاة العيد.
دعاء الاستفتاح مستحبٌّ في صلاة العيد قياساً علىٰ باقي
الصَّلوات، وإلىٰ هذا ذهب عامَّة من يرىٰ مشروعيَّة دعاء الاستفتاح إلَّا أنَّهم
اختلفوا في موضعه علىٰ قولين:
القول الأول: أنـَّه يُقال بعد تكبيرة الإحرام، ثمَّ
يُكبِّر بعده التَّكبيرات الزَّوائد.
وهو قولُ الأكثر.
القول الثاني: أنـَّه يُقال بعد الانتهاء من
التَّكبيرات الزَّوائد.
المسألة التاسعة / عن قضاء
صلاة العيد.
من فاتته ركعة من صلاة
العيد أو أدركهم في التشهد أو فاتته صلاة العيد كلها،هل يشرع له أن يقضي؟ وإن قضى
فعلى أي صفة؟.
قالت اللجنة الدائمة للبحوث
العلمية والإفتاء بالمملكة برئاسة العلامة ابن باز ـ رحمه الله ـ كما في "الفتاوى"(
8/306 -307 رقم : 2328 و4517):
ومن فاتته
وأحب قضاءها استحب له ذلك، فيصليها على صفتها من دون خطبة بعدها، وبهذا قال الإمام
مالك والشافعي وأحمد والنخعي وغيرهم من أهل العلم، والأصل في ذلك قوله صلى الله
عليه وسلم: (( إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم
السكينة والوقار، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا )) وما روي عن أنس ـ رضي الله عنه ـ أنه: (( كان إذا فاتته صلاة العيد مع الإمام جمع أهله ومواليه،
ثم قام عبد الله بن أبي عتبة مولاه فيصلي بهم ركعتين، يكبر فيهما
)).
ولمن حضر يوم العيد والإمام يخطب أن
يستمع الخطبة ثم يقضي الصلاة بعد ذلك حتى يجمع بين المصلحتين.اهـ.
وقالت أيضاً:
من
أدرك التشهد فقط مع الإمام من صلاة العيدين صلى بعد سلام الإمام ركعتين يفعل فيهما
كما فعل الإمام من تكبير وقراءة وركوع وسجود.اهـ.
المسألة العاشرة / عن شهود
خطبة العيد.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأوَّل: عن الجلوس لاستماعها.
مَن صلَّىٰ
مع الإمام فالسُّنـَّة في حقِّه أن لا ينصرف حتَّىٰ يسمع الخطبة.
قال الحافظ ابن
عبد البرّ - رحمه الله - في كتابه "الاستذكار" (7/61)
عن هذا الجلوس:
وعلىٰ هذا جماعة الفقهاء.اهـ
وهو المعمول به علىٰ عهده صلى الله عليه وسلم، فقد قال أبو سعيد الخدري ـ رضي الله
عنه ـ:
(( كان النَّبيُّ صلى الله عليه سلم
يخرج يوم الفطر والأضحَىٰ إلى المصلَّىٰ، فأوَّل شيء يبدأ به الصَّلاة، ثمَّ ينصرف
فيقوم مقابل النَّاس، والنَّاس جلوس علىٰ صفوفهم- ولمسلم ـ: في مصلَّاهم - فيعظهم
ويُوصيهم ويأمرهم )) رواه البخاري( 956) واللَّفظ له، ومسلم
(889).
وأمَّا حديث:
(( إنـَّا نخطب فمن أحبَّ
أن يجلس للخطبة فليجلس، ومَن أحبَّ أن يذهب فليذهب )).
فأكثرُ أهل العلم
علىٰ أنَّ الصَّواب فيه أنـَّه مُرسل، ومنهم :ابن معين وأبو زُرعة الرَّازي
والنَّسائي وأبو داود والبَيهقِي والوادِعي.
والـمُرْسل من أقسام الحديث
الضَّعيف.
الفرع الثاني: عن الكلام في أثنائها.
يُكره لمن حضر الخطبة الكلام مع غيره مِن المصلَّين، أو عبر الهاتف
الجوَّال، وذلك لِـمَا فيه من الانشغال عن الانتفاع بالخطبة، والتَّشويش علىٰ
المستمعين، والإخلال بأدب حضور مجالس الذِّكر.
وقال ابن بطَّال - رحمه الله - في
"شرح صحيح البخاري"(2/572):
وكَرِه
العلماء كلام النَّاس والإمام يخطب.اهـ
وقال ابن بطال
ـ رحمه الله ـ في "شرح صحيح البخاري"(2/572):
وكره العلماء كلام الناس والإمام يخطب.اهـ.
المسألة الحادية عشرة / عن
التهنئة بالعيد.
التهنئة بالعيد جرى
عليها عمل السلف الصالح من أهل القرون المفضلة وعلى رأسهم الصحابة ـ رضي الله عنهم
ـ.
وقد قال الإمام الآجري ـ رحمه الله ـ عن
التهنئة بالعيد:
فعل الصحابة، وقول
العلماء.اهـ
وقال الإمام مالك بن أنس ـ
رحمه الله ـ عن هذه التهنئة:
لم يزل يُعرف
هذا بالمدينة.اهـ
وقال الحافظ ابن حجر
العسقلاني ـ رحمه الله ـ في كتابه "فتح الباري" (2/446) وفي "جزء
التهنئة"(34-40)
وَرُوِّينَا في
"المحامليات" بإسناد حسن عن جبير بن نفير أنه قال:
(( كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم
العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك )).اهـ.
وقال أيضاً:
وَرُوِّينَا في كتاب "التحفة" بسند حسن
إلى محمد بن زياد الألهاني أنه قال:
((
رأيت أبا أمامة الباهلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في العيد لأصحابه:
تقبل الله منا ومنكم )).
وقال الإمام أحمد
بن محمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ:
إسناد حديث
أبي أمامة إسناد جيد.اهـ.
تنبيه وتذكير:
بعض الناس قد يُهنئ بالعيد قبل حلوله بيوم أو أكثر أو يهنئ
به في ليلته، والمنقول عن السلف الصالح ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يُهنئون في
نهار يوم العيد، والأحب فعلهم.
المسألة الثانية عشرة / عن
بدأ خطبة العيد بالتكبير.
بَدأ خطبة العيد بالتَّكبير جرَىٰ عليه
عملُ السَّلف الصَّالح.
حيث قال الإمام ابن قدامة- رحمه الله- في كتابه "المغني" (2/239):
وقال سعيد- يعني: ابن منصور
-: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمٰن عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال:
(( يكبِّر الإمام علىٰ المنبر يوم العيد قبل أن
يخطب تسع تكبيرات، ثمَّ يخطب، وفي الثَّانية سبع تكبيرات )).اهـ
وإسناده صحيح .
وعبيد الله هٰذا، قال عنه الحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله
-:
هو أحدُ الفقهاء العشرة ثمَّ السَّبعة الَّذين تدور عليهم الفتوىٰ ’’. اهـ.
وقال الحافظ ابن حبان - رحمه الله -:
وهو من سادات
التَّابعين.اهـ
وثبت عن إسماعيل بن أميَّة - رحمه الله- وهو من أتباع
التَّابعين- أنـَّه قال:
(( سمعتُ أنـَّه يكبَّر
في العيد تسعًا وسبعًا - يعني: في الخطبة )) رواه عبد الرزاق (3/290) بسند
صحيح.
وهو قول أبي حنيفة ومالك والشَّافعي وأحمد وابن أبي ذئب وابن المنذر
وغيرهم, بل جاء في مذاهبهم أنـَّه يُسنُّ.
فقال العلَّامة ابن مفلح - رحمه الله
- في كتابه "الفروع"(2/141-142):
ويسنُّ أن يستفتح الأولىٰ بِسبع تكبيرات (وم)
نسقاً (و)، ... و الثَّانية بسبع (وش)، قال أحمد: وقال عُبيد الله بن عُتبة: (( إنَّـه من السُّنَّـة )).اهـ.
وقال جمال
الدِّين يوسف بن عبد الهادي - رحمه الله - في كتابه "مغني ذوي الأفهام"( 7/350 مع غاية
المرام):
يكبِّر (و) في الأولىٰ نسقاً، وسنَّ (خ) تسعاً، ويكبِّر (وش) في
الثَّانية سبعاً.اهـ.
و[ الواو ] تعني:
موافقة الحنفية والمالكية والشافعية للحنابلة في المسألة.
وتابعهما على ذلك
العلَّامة عبد الرحمٰن القاسم - رحمه الله - في كتابه "حاشية الروض المربع" (2/551).
وعلىٰ التَّكبير
في الخطبة بوَّب جماعة كثيرة من أهل الحديث في مصنَّفاتهم، ولم يذكروا إلَّا
التَّـكبير عن السَّلف, ولم يذكروا عن أحد أنـَّه خالف، و لم يمرّ بي بعد بحثٍ طويل
وسؤال لإخواني من طلبة العلم عن أحد من السَّلف ولا الأئمَّة المتقدِّمين أنـَّه
قال بخلاف ذلك.
المسألة الثالثة عشرة / عن خطبة العيد وهل هي واحدة أو
اثنتان.
للعيد خطبتان لا واحدة، يفصلُ بينهما بجلوسٍ، لا خلاف في
ذٰلك بين أهل العلم، وقد نقله عنهم ابنُ حزم الأندلسي - رحمه الله - في كتابه "الـمُحلَّىٰ" (3/543)
(مسألة: 543) فقال:
فإذا سلَّم الإمام قام فخطَب النَّاس خطبتين يجلسُ
بينهما جلسة، فإذا أتـمَّها افترق النَّاس، فإن خَطَبَ قبل الصَّلاة فليست خطبة،
ولا يجبُ الإنصات له، كلُّ هٰذا لا خلاف فيه إلَّا في مواضع نذكرُها إن شاء الله
تعالىٰ.اهـ.
ونقل جمال الدين ابن عبد
الهادي الحنبلي - رحمه الله - في كتابه "مغني ذوي
الأفهام"(7/350 مع غاية المرام) اتِّفاق المذاهب الأربعة علىٰ
الخطبتين.
وقال العلامة العثيمين - رحمه الله – في
"الشرح الممتع"(5/145):
هذا ما مشىٰ عليه الفقهاء - رحمهم الله - أن
خطبة العيد اثنتان...اهـ
وقد ثبت عن عُبيد
الله بن عبد الله ابن عُتبة - رحمه الله - أنـَّه قال:
(( يُكبِّر الإمام علىٰ المنبر يوم العيد قبل أن يخطب تسع
تكبيرات، ثمَّ يخطب، وفي الثَّانية سبع تكبيرات )).
وعُبيد الله هٰذا،
قال عنه الحافظ ابن عبد البَرّ - رحمه الله - :
هو أحدُ الفقهاء العشرة ثمَّ
السَّبعة الَّذين تدورُ عليهم الفتوىٰ.اهـ.
وقال الحافظ ابن حبَّان - رحمه الله
-:
وهو مِن سادات التَّابعين.اهـ
.
وثبت عن إسماعيل بن أميَّة - رحمه الله - وهو من أتباع التَّابعين-
أنـَّه قال:
(( سمعتُ أنـَّه يكبَّر في العيد
تسعاً وسبعاً - يعني: في الخطبة )).
وهذان الأثران يؤكِّدان الخطبتَين،
وجَريان العمل في عهدِ السَّلف الصَّالح بذٰلك.
وقد ذهب بعضُ المعاصرين -
سلَّمهم الله - إلىٰ أنَّ للعيد خطبة واحدة، وقالوا: ظاهر أحاديث خطبة النَّبيِّ
صلى الله عليه وسلم في العيد يُشعر بأنـَّه لم يخطب
إلَّا واحدة، وقد يُجاب عن قولهم هٰذا بما يأتي:
أولاً: الواردُ في
الأحاديث محتمل وليس بصريح، وذٰلك لأنـَّه ليس فيها النَّصُّ علىٰ أنَّ النَّبيَّ
صلى الله عليه وسلم لم يخطب إلَّا واحدة.
ثانياً: هٰذا الفَهم
مدفوعٌ بالإجماع الَّذي نقله ابنُ حزم.
ثالثاً: هٰذه
الأحاديث معروفة مشهورة عند السَّلف الصَّالح،
وأئمَّة السُّنَّـة والحديث، ومع ذٰلك لم يكن هٰذا فهمهم، وهم عند الجميع
أعلمُ بالنُّصوص وأفهَم، ومتابعتهم وعدم الخروج عن فهمهم وعملهم أحقُّ
وأسلم.
رابعاً: أنـَّه يَكْبُر أن تكونَ السُّنَّـة خطبة
واحدة ثمَّ يتتابعُ أئمَّة السُّنَّـة والحديث من أهل القرون المفضلة علىٰ مخالفتها
ثمَّ لا يُعرف بينهم منكِر ٌومبيِّن للسُّنَّة، لا سيمَّا والخطبة ليست من دقائق
المسائل التِّي لا يطَّلع عليها إلَّا الخواص، بل من المسائل الظَّـاهرة التِّي
يَشهدها ويُشاهدها ويُدركها العالم والجاهل، والصغير والكبير، الذَّكر
والأنثىٰ.
المسألة الرابعة عشرة / عن صلاة النَّوافل في مصلَّى
العيد.
وتحت هذه المسألة ثلاثة
فروع:
الفرع الأوَّل: عن تطوُّع الإمام قبل
صلاة العيد.
أخرج البخاري (989) ، ومسلم (884) واللَّفظ له - عن ابن
عباس- رضي الله تعالى عنهما: (( أنَّ رسول الله صلى
الله عليه وسلم خرج يوم أضحَىٰ أو فطرٍ فصلَّىٰ ركعتين لم يصلِّ قبلهما ولا بعدهما
)).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - في كتابه (( فتح الباري )) (6/186):
فأمـَّا الإِمام فلا
نعلمُ في كراهة الصَّلاة له خلافـاً قبلها وبعدها، وكلُّ هذا في الصَّلاة في موضِع
صلاة العيد.اهـ
الفرع الثَّاني: عن تطوُّع المأموم
قبل صلاة العيد.
ثبت عند الإمام مالك - رحمه الله- في "الموطَّـأ" (ص14رقم:422) عن نافعٍ:
(( أنَّ عبد الله بن عمر - رضي الله تعالى عنهما- لم يكن
يصلِّي يوم الفطر قبل الصَّلاة ولا بعدها )).
وقال أبو الـمُعلَّى:
(( سمعتُ سعيدًا عن ابن عباس- رضي الله تعالى
عنهما: - كَرِه الصَّلاة قبل العيد )) رواه البخاري (عند رقم: 989) معلقًـا
بالجزم.
وثبت عن يزيد بن أبي عُبيد ـ رحمه الله ـ قال:
(( صليتُ مع سَلَمة بن الأكوَع في مسجد رسول الله r صلاة
الصُّبح، ثمَّ خرج فخرجتُ معه، حتَّىٰ أتينا المصلَّى، فجلس وجلستُ حتَّىٰ جاء
الإمام فصلَّىٰ، ولم يصلِّ قبلها ولا بعدها ثمَّ رجع )) رواه الفريابي في
(( أحكام العيدين )) (رقم:173).
وقال
الإمام الزُّهري - رحمه الله - :
لم أسمع أحدًا من علمائنا يذكُر عن أحدٍ مِن
سلف هذه الأمـَّة أنـَّه كان يصلِّي قبلها ولا بعدها.اهـ
ونَسَب ابنُ رشد -
رحمه الله - في كتابه "بداية المجتهد"(1/511-512) ترك
التَّطوع قبل صلاة العيد و بعدها إلىٰ جماهير أهلِ العلم.
الفرع الثَّالث: عن تحيـَّة المسجد إذا كانت صلاة العيد في
المسجد.
إذا صلَّىٰ الإنسان صلاة العيد خارج البلد في المصلَّىٰ الـمُعدّ
لذٰلك فلا يصلِّي ركعتين تحيـَّة لهٰذا المصلَّىٰ؛ وذٰلك لأنَّ ركعتي التَّحيـَّة
خاصَّة بالمسجد، و قد دلَّ علىٰ ذٰلك حديث أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ عند البخاري (444) ومسلم (417) عن النَّبيِّ r أنـَّه قال:
((
إذا دخل أحدُكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس )).
وأمـَّا إذا
صلَّىٰ في المسجد فالغالبُ أنـَّه يأتي في وقت نهي، وصلاة تحيـَّة المسجد في وقت
النَّهي للعلماء فيها قولان مشهوران:
القول
الأول: أنَّها لا تُصلَّىٰ .
وبه
قال أكثر أهل العلم، وذلك للأحاديث الواردة في النَّهي عن الصَّلاة في أوقات
النَّهي، ومنها حديث عقبة بن عامر الجهني ـ رضي الله
عنه ـ عند مسلم (831):
(( ثلاثُ ساعاتٍ كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلِّي فيهنَّ أو أن نَقبُر فيهنَّ
مَوتانا: حين تطلع الشَّمس بازغة حتَّىٰ ترتفع، وحين يقوم قائم الظَّهيرة حتَّىٰ
تميل الشَّمس، وحين تضيف الشَّمس للغروب حتَّىٰ تغرُب )).
القول الثاني: أنها تُصلَّىٰ .
وبه قال
الشَّافعي، وذلك لأنَّ النبَّيَّ صلى الله عليه وسلم
علَّق فِعلها بدخولِ المسجد، وقد وقع، فتُصلَّىٰ .
وقد أُجيب عن هذا
الاستدلال بجوابين:
أحدهما: أنَّ حديث
الصَّلاة عند الدُّخول إلى المسجد عامٌّ في جميع الأوقات، وحديث النَّهي خاصٌّ ببعض
الأوقات، فيُقدم العمل بخاصِّ الأوقات على عامـِّها.
والثاني: أن النَّهي الوارد للتَّحريم، وتحيَّـة
المسجد سُنَّـة، وقد حكَىٰ غيرُ واحدٍ الإجماعَ على سنيـَّتها، فترك المحرَّم
أوْلىٰ من فعل المستحبّ.
المسألة الخامسة عشرة / عن صيام يوم العيد.
أخرج البخاري (1991 ) ومسلم (827) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنـَّه قال:
(( نهَىٰ النَّبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر
والنَّحر )).
وقال الحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله - في كتابه " التَّمهيد"(13/26):
وصيام هٰذين اليومين لا
خلاف بين العلماء أنـَّه لا يجوز علىٰ حالٍ من الأحوال لا لِـمتطوعٍ, ولا لناذرٍ,
ولا لقاضٍ فرضًا, ولا لمتمتع لا يجدُ هدْيًا, و لا لأحدٍ من النَّاس كلّهم أن
يصومهما، وهو إجماعٌ لا تنازع فيه.اهـ
وأما صيام اليوم الثاني من شهر شوال، فقد
قال عنه الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـ في كتابه "لطائف
المعارف"(ص219):
وأكثر العلماء على أنه لا يكره صيام ثاني يوم الفطر، وقد
دل عليه حديث عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
لرجل: (( إذا أفطرت فصم )).اهـ
وحديث عمران ـ رضي الله عنه ـ قد أخرجه البخاري (1983)
ومسلم (1161).
المسألة السادسة عشرة / لا عيد للمسلمين إلا
عيدان.
قال العلَّامة محمَّد بن إبراهيم آل الشيخ - رحمه الله -
كما في "مجموع فتاويه ورسائله" (3/111):
إنَّ جنس العيد الأصل فيه أنـَّه عبادة وقُربة إلىٰ الله
تعالىٰ.اهـ
وقال أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ:
(( كان لأهل الجاهلية يومان في كلِّ
سَنَـة يلعبون فيهما، فلما قَدِم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينة قال: كان
لكم يومان تلعبُون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر ويوم
الأضحىٰ )) رواه النَّسائي (1556) وأبو داود (1134).
وقال الإمام ابن
تيمية ـ رحمه الله ـ في "اقتضاء الصراط المستقيم"(ص184):
وهذا إسناد على شرط
مسلم.اهـ
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في كتابه "فتح الباري" ( 2/513):
إسنادُه صحيح.اهـ
وقال العلامة الألباني ـ رحمه الله ـ في "سلسلة الأحاديث الصحيحة"(2021):
وإسناده صحيح.
وقال العلَّامة العثيمين - رحمه الله – في كتابه "الشَّرح الممتع" (5/113) عقب هٰذا الحديث:
وهٰذا
يدلُّ علىٰ أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم
لا يحبّ أن تُحِدث أمـَّته أعيادًا
سوىٰ الأعياد الشَّرعية الَّتي شرعها الله عزَّ وجلّ.اهـ
وفي الختام
أقول:
إن العيد من أجمل المظاهر
التي امتن الله بها على عباده، ففيه: يجتمع المسلمون في مصلياتهم، ويتقربون بعبادات
شتى، ويكبرون الله ويشكرونه على ما أنعم عليهم، ويواسي غنيهم فقيرهم، ويصل القريب
فيه قريبه، والجار جاره، وتصفو النفوس، ويُصفَح ويُتَجَاوز، وتحل الألفة، ويظهر
الكرم، ويكون السرور، ويهنأ الناس بعضهم بعضاً.
فحمداً الله على ما أنعم.
أيها المسلم ويا أيتها
المسلمة:
ثمة مظاهر كثيرة تُرى في
العيد لا يليق بالمسلم والمسلمة أن تقع منهم، وأن يكونوا من أهلها، ومن العاملين
بها، وهذا شيء منهما:
1- من الرجال من
يتشاغل عن أهم شعائر العيد وهي صلاة العيد بالنوم و التبضع والتجمل والزبائن وأمور
ضيافة الزوار.
2- من النساء من تجعل العيد
مظهراً من مظاهر التبرج والسفور والتكشف، وإظهار المفاتن والعورات، فَتَفْتن وتُفتن
، وتأثم ، وتتسبب في الإثم ، وسواءً في التزاور أو العزائم، أو الشواطئ أو الحدائق
وأماكن التنزه.
3- من الناس من يكون في العيد
من الضارين لأنفسهم وأهليهم وأصدقائهم بحضور تجمعات الغناء والموسيقى والرقص وحفلات
أهلها، بل قد يسافر في طلبها، فيفسد نفسه ويُكَثَّر وزره، ويبُدد ماله الذي أنعم
الله عليه به، وما هكذا يكون شكر النعم.
4- من الناس من واقعه في العيد سهرٌ بالليل يُمتَّع النفس، ثم
نوم بالنهار تضيع به الصلوات في أوقاتها، فَيُهلك النفس بالإثم، ويُسخط ربه الذي
أنعم عليه بهذه النفس، وباقي النعم.
5- من
الناس من يجعل عيده محلاً للتشبه بأهل الكفر والفجور والفساد في ألبستهم وشعورهم
وأفعالهم وعاداتهم.
6- من الرجال والنساء
من يؤثم نفسه عند اللقاء في العيد و التزاور بمصافحة من ليس أو ليست بمحرم.
7- من الناس من يُبدد الكثير من المال في
شراء المفرقعات "الألعاب النارية" لأولاده، فيتعلمون منه تبديد المال، وقد يكون
سبباً في إيذاء الناس بها، أو إلحاق الضرر بعياله، والمستشفيات والمطافئ شاهدة.
8- من الناس من يقلب لقاءه في العيد مع
أهله وإخوانه وقرابته إلى تشاحن وتخاصم وتهاجر وزيادة في التباغض.
9- من الناس من يجعل العيد موسماً لزيارة
المقابر والجلوس فيها والتجمع عندها، وما جعلها موسماً للزيارة في العيد، ولا خصصها
بالزيارة فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا بقية السلف الصالح
بعدهم، فإن لم نقتد بهؤلاء الأكابر الأجلاء فبمن نقتدي؟
10- من الناس من يخص ليلة العيد بالإحياء بالعبادات من صلوات
وأوراد وغيرها،ولو كان هو الخير فيها لفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه،
ولشرعه لنا، فقف حيث وقف النبي صلى الله عليه وسلم، وسر على طريقه وطريق أصحابه،
فإن الخير لك هو في ذلك.
11- من الناس من
أنعم الله عليه بُبَنَّيات، فتراه يخرجهن في العيد بألبسة إن رأيتها لم تتذكر إلا
ألبسة الكاسيات العاريات المفسدات، وإن رأيتهن سألت الله أن يُسلمهن ويحفظهن من
الفتن وأهلها، وخشيت عليهن من الشر، وأن يكبرن على هذه الألبسة ويتعودن عليها.
12- من الناس من يضيع ماله، ويضر نفسه
ويؤثمها في العيد بالنظر إلى الفضائيات ومكالمة أهلها لطلب الأغاني ومشاهد الفساد
والتعري فيها، فيراها ويهديها ويتسبب في أن يسمعها ويراها غيره من الناس بسبب طلبه
لها فيؤثمهم معه، ويحمل أوزاراً مع أوزاره.
13- ومن الشُّبان والشَّابات من يعايد غيره عبر الهاتف الجوال
بكلمات ماجنة، وأصوات هابطة، وصور فاتنة، والجميع لا يضر إلا نفسه وأخاه وصاحبه.
14- من النساء من تظهر في الأعياد
والمناسبات أمام أخواتها من النساء بألبسة فاضحة إن رأيتها لم تتذكر إلا نساء أهل
الكفر والفجور والفساد والإفساد، وتتعجب وقوعه ممن أنعم الله عليها بدينه وشرعه،
وستره وحفظه، وأفضاله الكثيرة.
هذا وأسأل
الله الكريم أن يرزقنا توبة صادقة، وحسنات متزايدة، وقلوباً تخشع، وإقبالاً على
الطاعة، وبعداً عن المعاصي، وتركاً لأماكنها وأهلها.
وكتبه: عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن
الجنيد
ونقله إليكم :أخوكم لخضر الجزائري.