منتديات عين بسام التربوية
مرحبا بك (عزيزي الزائر، عزيزتي الزائرة) ،نتمنّى أن تجد(ي) ما يروقك ويلبّي حاجاتك .إن طاب لك المقام بيننا نتشرّف بدعوتك لإنشاء حسابك .
أخوك: أبو فيصل
منتديات عين بسام التربوية
مرحبا بك (عزيزي الزائر، عزيزتي الزائرة) ،نتمنّى أن تجد(ي) ما يروقك ويلبّي حاجاتك .إن طاب لك المقام بيننا نتشرّف بدعوتك لإنشاء حسابك .
أخوك: أبو فيصل
منتديات عين بسام التربوية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


موقع تربويّ تعليميّ ثقافيّ يعتني بشؤون المتعلّمين والمعلّمين
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  
أهلا وسهلا بك في منتديات عين بسّام التربويّة . نسعد بحضورك معنا ونكون أسعد حين تتفضّل بمساهماتك النيّرة الهادفة . ستقضي وقتا شيّقا بين إخوانك وأخواتك في أسرة هدفها التربية والتعليم . دمت في حفظ الله ورعايته.
تذكّر قول الله تعالى : " ما يلفظ من قول إلاّ لديه رقيب عتيد." ق 18 
قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: " من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنّة "رواه الامام مسلم
قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتّى يرجع." رواه الترمذي

 

 رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
لخضر الجزائري 1
مشرف عام مميّز
مشرف عام مميّز
لخضر الجزائري 1


تاريخ التسجيل : 22/09/2009

رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty
مُساهمةموضوع: رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد    رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty08.08.11 6:41

اسْتِقْـبَالُ
شَهْرِ رَمَضَان

إن من نِعَمِ الله العظيمة على عباده أن جعل لهم مواسم
متعددة للعبادات ؛ تكثُر فيها الطاعات ، وتُقال فيها العثرات ، وتُغفر فيها الذنوب
والسيئات ، وتُضاعف فيها الحسنات ، وتَـتَنزَّل فيها الرّحمات ، وتعظم فيها الهبات
، وإن من أجلِّ هذه المواسم وأكرمها على الله شهر رمضان المبارك ، قال تعالى : {
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى
لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
} [البقرة:185] ،
فيا له من شهر كريم وموسم عظيم !! شهر البركات والخيرات ، شهر الصيام والقيام ، شهر
الرحمة والمغفرة والعتق من النار ، شهر الجود والكرم والبذل والعطاء والمعروف
والإحسان .

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشـِّر أصحابه بمقدم
هذا الشهر العظيم ويستحثهم فيه على الاجتهاد بالأعمال الصالحة من فرائض ونوافل من
صلواتٍ وصدقات ، وبذل معروفٍ وإحسان ، وصبرٍ على طاعة الله ، وعمارة نهاره بالصيام
وليله بالقيام ، وشَغْلِ أوقاته المباركة بالذكر والشكر والتسبيح والتهليل وتلاوة
القرآن .

روى الإمام أحمد في مسنده عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هَذَا رَمَضَانُ قَدْ
جَاءَ تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ النَّارِ
وَتُسَلْسَلُ فِيهِ الشَّيَاطِينُ
))(1).

وروى الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إِذَا كَانَ أَوَّلُ
لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ،
وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ
أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا
بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ
مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ
))(2).

وروى أحمد عن أبي هريرة قال : ((لَمَّا
حَضَرَ رَمَضَانُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَدْ
جَاءَكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ ،
تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَيُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيمِ ،
وَتُغَلُّ فِيهِ الشَّيَاطِينُ ، فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ
حُرِمَ خَيْرَهَا قَدْ حُرِمَ
))(3). ؛ لقد وصف رسول
الله صلى الله عليه وسلم شهر رمضان بأنه شهر مبارك ، فهو شهر مبارك حقاً ، كل لحظة
من لحظات هذا الشهر تتصف بالبركة ؛ بركةٍ في الوقت ، وبركة في العمل ، وبركة في
الجزاء والثواب ، وفيه ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر ، وإن من بركة
هذا الشهر كما تقدم أن الحسنات فيه تضاعف ، وأبواب الجنان تفتح ، وأبواب النيران
تغلق ، والشياطينَ ومردةَ الجنّ تصفد، ويكثر فيه عتقاء الله من
النار.

وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا
وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ
الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ

))
(4)، وقال صلى الله عليه وسلم ((مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ
لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
))(5).

هذا ؛ وإن من أعظم الخسران وأكبر الحرمان أن يدرك المرء هذا
الشهر الكريم المبارك شهر المغفرة فلا تُغفر له فيه ذنوبه ولا تحطّ عنه خطاياه
لكثرة إسرافه وعدم توبته وتركه في هذه الأوقات العطرة والأيام الفاضلة الإقبال على
الله بالإنابة والرجوع والخضوع والخشوع والتوبة والاستغفار ، بل يدخل عليه هذا
الشهر الكريم ويخرج وهو باقٍ على ذنوبه مصرٌ على خطاياه سادر في غيِّه
.

روى الطبراني في معجمه عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أَتَانِي جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلامُ ، فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ
فَمَاتَ ، فَدَخَلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ؛ قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ آمِينَ
، قَالَ : يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ ، فَمَاتَ فَلَمْ يُغْفَرْ
لَهُ فَأُدْخِلَ النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ؛ قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ آمِينَ ،
قَالَ : وَمَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَمَاتَ فَدَخَلَ
النَّارَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ؛ قُلْ آمِينَ ، فَقُلْتُ آمِينَ
))(6).


وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً عن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: ((رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ
عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ
رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ، وَرَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ
أَدْرَكَ عِنْدَهُ أَبَوَاهُ الْكِبَرَ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ

))(7) .

إن شهر رمضان شهر ربح وغنيمة
، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد فيه أكثر مما يجتهد في غيره ، وكان
السلف - رضوانُ الله عليهم ورحمتهُ - يهتمون بهذا الشهر غاية الاهتمام ويتفرغون فيه
للتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وكانوا يجتهدون في قيام ليله وعمارة أوقاته
بالطاعة ، قال الزهري - رحمه الله - : (( إذا دخل رمضان إنما هو
تلاوة القرآن وإطعام الطعام
)) هذا هو شأن رمضان عند السلف - رحمهم الله -
: جدٌّ واجتهاد ، صيامٌ وقيام ، عبادةٌ وتلاوة قرآن ، تهليلٌ وتسبيحٌ وبرٌّ وإحسان
، عطفٌ ومواساةٌ وإطعام .

إن شهر رمضان ضيف عزيز على المسلمين ووافد كريم عليهم ؛
فحريٌّ بهم أن يحسِنوا استقباله بما يستحقه من حفاوة وإكرام ، فإنه إذا نزل
بالإنسان ضيفٌ كريم فإنه يفرح بمقدمه ويُسَرُّ بمجيئه ويبذل له كل غالٍ ونفيس، وشهر
رمضان هو أكرم ضيف وأنبله وأزكاه وأطهره فلنفرح بإدراكه وبأن بلَّغنا الله إياه ،
فكم من قريبٍ وصديقٍ وجارٍ شهد معنا رمضان الماضي ثم اخترمته المنية فلم يدرك هذا
الشهر ، فلنشكر الله على ما أنعم به علينا من إدراك هذا الشهر وليكن ذلك باستغلال
أوقاته المباركة فيما يُقرِّب إلى الله من طاعات نافعة وأعمال مبرورة وتوبة نصوح
وإحسان . قال تعالى: { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ
فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ
} [يونس:58] .

وصيام رمضان من دعائم الإسلام ومن مبانيه وأركانه العظام ،
وفي هذا الشهر نزلت رحمة الله على عباده التي هي القرآن ؛ فحُقَّ لنا أن نفرح بهذا
الشهر وأن نشكر الله عليه ونغتنمه فيما شرع الله وأراد من عمارة نهاره بالصيام
والمنافسة في جميع أبواب الخيرات ، وليله بالصلاة وتلاوة القرآن والذكر والبر
والإحسان .

اللهم وفِّقنا لطاعتك ، وأعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن
عبادتك ، ويسِّرنا لليسرى ، وأتِمَّ علينا النعمة بالقيام بحق هذا الضيف الكريم ،
وأعنّا على صيامه وقيامه وحُسن الأدب فيه يا رب
العالمين.

*****
----------------------------
(1) مسند الإمام أحمد
(13408) ، قال محققه: إسناده صحيح .

(2) الترمذي (682)، وابن
ماجه (1642)، واللفظ للترمذي .

(3) المسند:
(9497)

(4) متفق عليه ؛ البخاري(2014) ، مسلم
(760)

(5) متفق عليه ؛ البخاري(37) ، مسلم
(759)

(6)المعجم الكبير للطبراني
(2022)

(7) رواه الترمذي (3545) .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لخضر الجزائري 1
مشرف عام مميّز
مشرف عام مميّز
لخضر الجزائري 1


تاريخ التسجيل : 22/09/2009

رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد    رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty08.08.11 6:45

شَهْـرِ
رَمَضَان مِنةٌ عُظْمَى

لقد أنعم الله على عباده
بنعمٍ كثيرة لا تحصى ولا تعد { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ
اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ
}
[إبراهيم:34] ، نعَمٌ مطلقة ونعَمٌ مقيدة ، نعَمٌ دينية ونعَمٌ
دنيوية ، دلَّ العباد عليها وهداهم إليها ودعاهم إلى دار السلام{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى
دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
}
[يونس:25] ، وعافاهم في عقولهم وأبدانهم ورزقهم من الطيبات ، وسخَّر لهم ما في
السموات وما في الأرض ؛ وكل هذا الإنعام منه سبحانه ليشكره العباد ويعبدوه وحده لا
شريك له ، لينالوا مرضاته ويفوزوا بمنَنِه ورحماته

وإن من عظيم هباته وجزيل
نعمائه على عباده المؤمنين أن شرع لهم صيام شهر رمضان المبارك وجعله أحد أركان
الدين العظام ومبانيه التي عليها يقوم ، ولما كان صيام رمضان من النعم العظيمة التي
منَّ الله بها على عباده ختم الله الآيات التي أمر فيها بصيام شهر رمضان بقوله
تعالى : { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة:185] ؛
لأن الشكر هو الغاية من خلقه للخلق وتنويعه للنعم .

وأصلُ الشكر وحقيقته : "
الاعتراف بإنعام المنعِم على وجه الخضوع له والذل والمحبة ، فمن لم يعرف النعمةَ بل
كان جاهلاً بها لم يشكرها ، ومن عرفها ولم يعرف المنعِمَ بها لم يشكرها أيضاً ، ومن
عرف النعمة والمنعِم لكن جحدها كما يجحد المنكرُ لنعمة المنعِم عليه بها فقد
كفَرَها ، ومن عرف النعمة والمنعِم وأقرَّ بها ولم يجحدها ولكن لم يخضع له ويحبه
ويرضَ به وعنه لم يشكرها أيضاً ، ومن عرفها وعرَف المنعِم بها وخضع له وأحبّه ورضي
به وعنه واستعملها في محابه وطاعته فهذا هو الشاكر لها "(1)
اهـ .

وبهذا يتبين أن " الشكر مبنيٌّ على خمس قواعد : خضوع
الشاكر للمشكور ، وحبّه له ، واعترافه بنعمته ، وثناؤه عليه بها ، وأن لا يستعملها
فيما يكره ؛ فهذه القواعد الخمس هي أساس الشكر وبناؤه عليها ، فمتى عدِم منها
واحدةٌ اختل من قواعد الشكر قاعدة ، وكلُّ من تكلم في الشكر وحدّه فكلامه إليها
يرجع وعليها يدور "(2).

والناس متفاوتون تفاوتاً
عظيماً في تحقيق الشكر لتفاوتهم في العلم بموجباته بمعرفة الخالق الجليل والرب
العظيم والمنعم الكريم ، فمنهم من عرف الله بتفاصيل أسمائه وصفاته وأفعاله وبديع
مخلوقاته ومفعولاته وجميل آلائه وهباته؛ فامتلأ قلبه حباً له ، ولهج لسانه بالثناء
عليه ، ولانت جوارحه قياماً بما يرضيه ، واعترف له بكل نعمه التي أنعم بها عليه
وسخرها في ما يحبه ويرضاه ، ومنهم من دس نفسه بالغفلة عن الله والجهل به فلم يزدد
من الله إلا بعداً بجحوده وإنكاره ، أو باعترافه به وعدم الانصياع لأمره والانقياد
لشرعه .

وشهر رمضان المبارك منحةٌ إلهية وهبةٌ ربانية للعباد ليزداد
الذين آمنوا إيماناً وليتوب من كان مفرِّطاً ومقصِّراً، ولقد اختص الله هذا الشهر
بخصائص وميَّزه بمزايا انفرد بها عن سائر الشهور ، ولنقِف على بعضها لندرك عظمة هذه
النعمة التي أنعم الله بها علينا لنشكره حق الشكر ونعبده حق
العبادة:

· إن لشهر رمضان الكريم - شهر الصوم - خصوصية بالقرآن ؛
فهو الشهر الذي أُنزِل فيه القرآن الكريم هدى للناس قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ
وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
} [البقرة: 185] ، فقد امتدح
الله تعالى في هذه الآية الكريمة شهر الصيام من بين سائر الشهور بأن اختاره لإنزال
القرآن العظيم ، بل قد ورد في الحديث بأنه الشهر الذي كانت الكتب الإلهية تنزل فيه
على الأنبياء، ففي المسند للإمام أحمد والمعجم الكبير للطبراني من حديث واثلة بن
الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُنْزِلَتْ
صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ،
وَأُنْزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتٍّ مَضَيْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَالْإِنْجِيلُ
لِثَلَاثَ عَشْرَةَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ ، وَأُنْزِلَ الْفُرْقَانُ لِأَرْبَعٍ
وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ رَمَضَانَ
))(3) ؛ فهذا الحديث يدل على أن شهر رمضان هو الشهر الذي كانت تنزل
فيه الكتب الإلهية على الرسل عليهم السلام، إلا أنها كانت تنزل على النبي الذي
أنزلت عليه جملة واحدة ، وأما القرآن الكريم فلمزيد شرفه وعظيم فضله فإنما نزل
جملةً واحدة إلى بيت العزة من السماء الدنيا ، وكان ذلك في ليلة القدر من شهر رمضان
المبارك كما قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ
الْقَدْرِ
} [القدر:1] ، وقال سبحانه : {إِنَّا
أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ
}
[الدخان: 3] ، ثم بعد ذلك نزل مفرَّقاً على مواقع النجوم يتلو بعضه بعضاً . وفي هذا
دلالةٌ على عِظَم شأن شهر الصوم - شهر رمضان المبارك - وأن له خصوصية بالقرآن
الكريم ؛ إذ فيه حصل للأمة من الله هذا الفضلُ الكبير، نزولُ وحيه العظيم، وكلامه
الكريم المشتمل على الهداية {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ
الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ
} الهداية لمصالح الدين والدنيا ، وفيه تبيان الحق
بأوضح بيان ، وفيه الفرقان بين الهدى والضلال ، والحق والباطل ، والظلمات والنور
.

· ثم إن شهر رمضان فيه ليلة القدر التي قال الله عنها:
{وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ
} [القدر: 2-3] ، أي العمل فيها خيرٌ من العمل
في ألف شهرٍ سواها ، وكذا الأجر .

· وصيام هذا الشهر سببٌ
لمغفرة الذنوب ؛ أخرج الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه
وسلم قال: (( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ
)) (4) أي
: إيماناً بالله ورضاً بفرضية الصوم عليه واحتساباً لثوابه وأجره ، ولم يكن كارهاً
لفرضه ولا شاكاً في ثوابه وأجره ؛ فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه . وفي مسلم عن
أبي هريرة أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ
إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ
الْكَبَائِرَ
)) (5) .

· إضافةً إلى ما تقدم ذِكرُه
؛ فإن من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، وأنه تصفَّد فيه
الشياطين ، وتُفتح أبواب الجنة وتُغلق أبواب النار ، ولله في هذا الشهر عتقاء من
النار وذلك كل ليلة .

· وفي هذا الشهر المبارك نصَرَ الله المسلمين على أعدائهم
المشركين في غزوة بدر الكبرى ، وكان عدد المشركين في تلك الغزوة ثلاثة أضعاف
المسلمين ، وفيه فتح الله مكة المكرمة البلد الآمن على يد رسول الله صلى الله عليه
وسلم وطهَّرها من الأصنام ، وكان عدد الأصنام في البيت وحوله ثلاثمائة وستون صنماً
، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحطم هذه الأصنام ويقول: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ
زَهُوقًا
}
[الإسراء:81] ، فهو شهر الجدِّ والنشاطِ والعمل ، شهر العبادةِ
والجهادِ في سبيل الله ؛ فحقيقٌ بشهرٍ هذا فضله وهذا إحسان الله على عباده فيه أن
يعظِّمه العباد ، وأن يكون موسماً لهم للعبادة وزاداً ليوم المعاد

اللهم اجعلنا ممن يعرِف لهذا الشهر مكانته وحُرْمَتَه ،
ووفِّقنا للقيام فيه بما يرضيك إنك سميع الدعاء .

اللهم وفِّقنا لطاعتك ،
وأعِنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، ويسِّرنا لليسرى ، وأتِمَّ علينا النعمة
بالقيام بحق هذا الضيف الكريم ، وأعنّا على صيامه وقيامه وحُسن الأدب فيه يا رب
العالمين.

*****
---------------------------------
(1) طريق الهجرتين لابن
القيم (ص: 175).

(2) مدارج السالكين لابن القيم
(2/244).

(3) مسند أحمد (4/107 رقم: 16921). والط
(4) متفق عليه ؛ البخاري (2014) ، مسلم
(760)

(5) مسلم (233).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لخضر الجزائري 1
مشرف عام مميّز
مشرف عام مميّز
لخضر الجزائري 1


تاريخ التسجيل : 22/09/2009

رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد    رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty08.08.11 6:50

فَـضْلُ
الصِّيَام

إن الصوم من أفضل العبادات
وأجل الطاعات ، جاءت بفضله وعظيم شأنه نصوص عديدة .
فمن فضائل
الصوم
: أن الله كتبه على جميع الأمم وفرضه عليهم {يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
} [البقرة:183] ، ولولا
أنه عبادة عظيمة لا غنى للخلق عن التعبد بها لله وعمّا يترتب عليها من ثواب ما فرضه
الله على جميع الأمم ، والغاية المرجوة من الصيام تحقق التقوى التي أمر الله ووصَّى
بها جميع الأمم قال تعالى: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ
أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ
}
[النساء:131] .
ومن فضائل الصوم : أن ثوابه لا يتقيد بعدد معيَّن بل يعطى الصائم
أجره بغير حساب ، أخرج الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ
ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ،
وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ
وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ
صَائِمٌ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ
عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ ، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا
إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ
))(1) ، وفي رواية لمسلم : ((كُلُّ عَمَلِ ابْنِ
آدَمَ يُضَاعَفُ ؛ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ،
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ
، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي
))(2)
.
وهذا الحديث الجليل يدل على فضيلة الصوم من وجوه عديدة فصَّلها العلامة الشيخ
محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
الأول : أن الله اختص لنفسه الصوم من بين
سائر الأعمال وذلك لشرفه عنده ومحبته له وظهور الإخلاص له سبحانه فيه ؛ لأنه سِرٌّ
بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلاَّ الله ، فإن الصائم يكون في الموضع الخالي من
الناس متمكِّناً من تناول ما حرَّم الله عليه بالصيام فلا يتناوله لأنه يعلم أن له
رباً يطلع عليه في خلوته ، وقد حرَّم عليه ذلك فيتركه لله خوفاً من عقابه ورغبة في
ثوابه ؛ فمن أجل ذلك شَكَرَ الله له هذا الإخلاص واختص صيامه لنفسه من بين سائر
أعماله ، ولهذا قال : ((يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ
أَجْلِي
)) ، وتظهر فائدة هذا الاختصاص يوم القيامة كما قال سفيان بن عيينة
رحمه الله : ((إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُ اللهُ
عَزَّ وَجَلَّ عَبْدَهُ وَيُؤَدِّي مَا عَلِيهِ مِنَ الْمَظَالِمِ مِنْ سَائِرِ
عَمَلِهِ حَتَّى لاَ يَبْقَى إِلاَّ الصَّوْم ، فَيَتَحَمَّلُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ
مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَظَالِمِ وَيُدْخِلُهُ بِالصَّوْمِ
الْجَنَّةَ
))(2).
الثاني : أن الله قال في الصوم
: (( وَأَنَا أَجْزِي بِهِ )) ؛ فأضاف الجزاء إلى نفسه
الكريمة لأن الأعمال الصالحة يضاعف أجرها بالعدد ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة
ضعف إلى أضعاف كثيرة ، أما الصوم فإن الله أضاف الجزاء عليه إلى نفسه من غير اعتبار
عدد ، وهو سبحانه أكرم الأكرمين وأجود الأجودين ، والعطية بقدر معطيها فيكون أجر
الصائم عظيماً كثيراً بلا حساب ، وفي الصيام اجتمع الصبر بأنواعه كلها فهو صبر على
طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله المؤلمة من الجوع والعطش وضعف
البدن والنفس، فاجتمعت فيه أنواع الصبر الثلاثة وتحقق أن يكون الصائم من الصابرين ،
وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ
أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ
} [الزمر:10] .
الثالث: أن الصوم جُنَّة ؛
أي وقاية وستر يقي الصائم من اللغو والرفث ، ولذلك قال: ((وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا
يَصْخَبْ
)) ، ويقيه أيضاً من النار ، أخرج الإمام أحمد في مسنده عن جابر
بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الصِّيَامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهَا الْعَبْدُ مِنْ
النَّارِ
))(4).
الرابع : أن خلوف فم الصائم أطيب
عند الله من ريح المسك لأنها من آثار الصيام ، فكانت طيِّبة عند الله سبحانه
ومحبوبة له ، وهذا دليل على عظيم شأن الصيام عند الله حتى إن الشيء المكروه
المستخبث عند الناس يكون محبوباً عند الله وطيِّباً لكونه نشأ عن طاعته
بالصيام.
الخامس : أن للصائم فرحتين : فرحة عند فطره ، وفرحة عند لقاء ربه ؛ أما
فرحه عند فطره : فيفرح بما أنعم الله عليه من القيام بعبادة الصيام الذي هو من أفضل
الأعمال الصالحة ، وكم من أناس حرموه فلم يصوموا ، ويفرح بما أباح الله له من
الطعام والشراب والنكاح الذي كان محرماً عليه حال الصوم . وأما فرحه عند لقاء ربه :
فيفرح بصومه حين يجد جزاءه عند الله تعالى موفوراً كاملاً في وقت هو أحوج ما يكون
إليه حين يقال : أين الصائمون ليدخلوا الجنة من باب الريان الذي لا يدخله أحد غيرهم
.
ومن فضائل الصيام : أنه يشفع لصاحبه يوم القيامة ، روى أحمد والطبراني
والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى
الله عليه وسلم قال: ((الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ
لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؛ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ
الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ
مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ ، قَالَ
فَيُشَفَّعَانِ
))(5).
ومنها : أن للصائمين باباً
في الجنة يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد
رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا
يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا
يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا
يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ
مِنْهُ أَحَدٌ
))(6).
ومن فضائل الصيام أن العبد إذا قام
به على الوجه المشروع وأدّاه متحرياً فيه الإخلاص لله والمتابعة لرسوله صلى الله
عليه وسلم فإنه يؤتي كثيراً من الثمرات اليانعة ؛ من الثبات على الحق ، وزيادة
الإيمان ، وقوة اليقين ، والتحلي بالأخلاق الجميلة ، وانكسار الشهوة ، وانبعاث
الأعمال القلبية من خوف ورجاء ومحبة ونحو ذلك . قال ابن القيم رحمه الله تعالى :
"والمقصود : أن مصالحَ الصومِ لمَّا كانت مشهودةً بالعقول السليمةِ والفِطَرِ
المستقيمة شرعه اللَّهُ لعباده رحمة بهم ، وإحساناً إليهم، وحِميةً لهم
وجُنَّةً"(7) اهـ .
اللهم وفِّقنا لما تحب وترضى ، وخذ
بنواصينا للبر والتقوى ، وعلِّمنا ما جهِلنا ، وانفعنا بما علمتنا ، واجعلنا من
العالمين بفضل الصيام والعاملين بمقتضى ذلك من الإخلاص وإتقان الصيام وتكميله على
الوجه الذي يرضيك .


*****
------------------------------
(1) متفق عليه ؛
البخاري(1904) ، مسلم (1150) ، واللفظ للبخاري.
(2) مسلم (1150).
(3) رواه
البيهقي في السنن الكبرى (4/274) .
(4) رواه الإمام أحمد في المسند (3/396، رقم:
15200).
(5) مسند الإمام أحمد (2/174، رقم 6626)، مستدرك الحاكم (1/740)
.
(6) صحيح البخاري (1896) ، ومسلم (1152) واللفظ للبخاري .
(7) زاد المعاد
لابن القيم (2/28).


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لخضر الجزائري 1
مشرف عام مميّز
مشرف عام مميّز
لخضر الجزائري 1


تاريخ التسجيل : 22/09/2009

رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد    رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty08.08.11 6:54

الصِّيَامُ عَـمَّا حَرَّمَ اللهُ

إن من آكد ما ينبغي على الصوَّام لزومُهُ والعنايةُ به
حفظَهم لصيامهم من نواقص قدره ومذهبات أجره .

روى مسلم في صحيحه أن النبي
صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي
يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ
هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا ؛
فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ
حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ
عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ
))(1).

فمع قيام هذا العبد بالصلاة
والصيام والزكاة إلا أنه قد فقَدَ أجرها وخسِر ثوابها بما اقترفت جوارحه من الظلم
والعدوان وبما اكتسب لسانه من الشتم والبهتان فكان من المفلسين
.

ولهذا ؛ فإن مما ينبغي أن يفيده المسلم من صيامه ويجنيه من
طاعته العظيمة هذه أن يعلم أن وجوب الصيام عن الطعام والشراب وسائر المفطرات محله
شهر رمضان من طلوع فجره إلى غروب شمسه ، أما الصيام عن الحرام فمحله طيلة أيام
السنة بل طيلة عمر الإنسان ، فالمسلم يصوم في أيام شهر رمضان عما أحلَّ الله له في
غيره وعمّا حرَّم ، ويصوم طيلة حياته عن الحرام ، وذلك أن الصوم في اللغة : إمساكٌ
وامتناع ، فإمساكُ وامتناع العين واللسان والأذن واليد والرجل والفرج عما مُنِعَت
عنه من الحرام هو صيام من حيث اللغة ، وهو واجب على الإنسان مدة حياته وطول عمره
.

والله سبحانه لما تفضَّل على عباده بهذه النعم العظيمة -
العين واللسان والأذن واليد والرجل والفرج وغيرها - أوجب عليهم استعمالُها فيما
يرضيه ، وحرَّم عليهم استعمالها فيما يسخطه ، ومن تمام شكر الله على هذه النعم
استعمالها فيما أمر الله أن تُستعمل فيه ، وكفُّها ومنعها عما حرَّم الله ،
وإمساكها عن الوقوع في معصيةِ مَنْ تفضَّل بها وهو الله سبحانه .

فالعين - مثلاً - شُرع استعمالها في النظر إلى ما أحلَّ
الله ، ومُنع استعمالها في النظر إلى الحرام كالنظر إلى الأجنبيات ، أو النظر إلى
ما تبثه كثير من الفضائيات والمرئيات من تمثيليات فاضحة وأفلام ساقطة ومناظر هابطة
إلى غير ذلك، وامتناعها عن هذا النظر هو صيامٌ لها ، وحُكْمه مستمرٌّ دائم
.

والأذن شُرع استعمالها في استماع ما أمر الله به وما أباح
لها ، وحُرِّم استعمالها فيما لا يجوز سماعه من لغوٍ أو لهوٍ أو غناءٍ أو كذبٍ أو
غيبة أو غير ذلك مما حرَّم الله ، وامتناعها عن ذلك هو صيامٌ لها ، وحكمه مستمرٌ
دائم .

واليد شُرع استعمالها فيما أمر الله به وفي تعاطي ما هو
مباح ، ومُنِع استعمالها فيما حرَّم الله ، وامتناعها عن ذلك صيامٌ لها ، وحكمه
مستمرٌ دائم.

وكذلك الفرج فقد شُرع الله استعماله في الحلال ، ومُنع من
استعماله في الحرام كالزنا واللواط وغيرهما ، وامتناعه عن ذلك صيامٌ له ، وحكمه
مستمرٌ دائم .

وقد وَعَدَ الله من شكر هذه النعم واستعملها فيما يرضيه
بالثواب الجزيل والأجر العظيم والخير الكثير في الدنيا والآخرة ، وتَوَعَّدَ سبحانه
من لم يحافظ عليها ولم يراعِ الحكمة من خلْقها وما أريد استعمالها فيه بل أطلقها
فيما يسخط الله ويغضبه بالعذاب والعقاب ، وأخبر سبحانه أن هذه الجوارح مسؤولة يوم
القيامة عن صاحبها وهو مسؤول عنها ، قال تعالى: {وَلَا تَقْفُ
مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ
أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا
} [الإسراء:36] ، وقال سبحانه: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ
وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ
} [يس: 65] ، وقال عز
وجل: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ
فَهُمْ يُوزَعُونَ
(19)
حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ
وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
(20) وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ
شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ
وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
} [فصلت:19-21]
.

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى معاذ بن جبل
بحفظ لسانه فقال له معاذ : ((يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! وَإِنَّا
لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ - صلى الله عليه وسلم -
ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى
وُجُوهِهِمْ أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ
أَلْسِنَتِهِمْ
))(2) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ
أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ
))(3)، ورواه الترمذي وحسَّنه من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه ولفظه : ((مَنْ وَقَاهُ اللَّهُ شَرَّ مَا بَيْنَ
لَحْيَيْهِ وَشَرَّ مَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ
))(4)، وفي
الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ
))(5)، وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي
موسى الأشعري رضي الله عنه : ((قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ
وَيَدِهِ
)) (6)

فهذه النصوص وما جاء في معناها قد دلّت على أن الواجب على
العبد أن يصون لسانه وفرجه وسمعه وبصره ويده ورجله عن الحرام ، وهو صيام من حيث
اللغة ، وهذا الصيام لا يختص بوقت دون آخر ، بل يجب الاستمرار عليه حتى الممات
طاعةً لله عز وجل ليفوز برضا الله وثوابه ويسْلَم من سخطه وعقابه ؛ فإذا أدرك
المسلم أنه في شهر الصيام امتنع عما أحلَّ الله له لأن الله حرَّم عليه ذلك في أيام
شهر رمضان فليدرك أيضاً أن الله قد حرَّم عليه الحرام مدّة حياته وطوال عمره ،
وعليه الكفُّ عما حرَّم والامتناع عنه دائماً خوفاً من عقاب الله الذي أعدَّه لمن
خالف أمره وفَعَلَ ما نهى عنه .

ومن حفظ لسانه عن الفحش وقول
الزور ، وفرجه عمّا حرَّم الله عليه ، ويده من تعاطي ما لا يحل تعاطيه ، ورجله عن
المشي إلاَّ فيما يرضيه ، وسمعه عن سماع ما يحرُم سماعه ، وبصره عما حرَّم الله
النظر إليه ، واستعمل هذه الجوارح في طاعة الله وما أحلَّ له وحفظها وحافظ عليها
حتى توفاه الله فإنه يفطر بعد صيامه هذا على ما أعدَّه الله لمن أطاعه من النعيم
المقيم والفضل العظيم مما لا يخطر على بال ولا يحيط به مقال ، وأول ما يلاقيه من
ذلك : ما بيَّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يجري للمؤمن عند الانتقال من هذه
الدار إلى الدار الآخرة حيث يأتيه عند الموت وفي آخر لحظاته من الدنيا ملائكة كأن
وجوههم الشمس معهم كفن من الجنة وحنوط من الجنة يتقدمهم ملك الموت فيقول :
((أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ
مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ ، فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي
السِّقَاءِ فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ
عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ وَفِي ذَلِكَ
الْحَنُوطِ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ
الْأَرْضِ ، قَالَ فَيَصْعَدُونَ بِهَا فَلَا يَمُرُّونَ يَعْنِي بِهَا عَلَى
مَلَإٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ إِلَّا قَالُوا مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ ؟!
فَيَقُولُونَ فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا
يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ
الدُّنْيَا ، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ
سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ
إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ اكْتُبُوا
كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ فَإِنِّي مِنْهَا
خَلَقْتُهُمْ وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى ، قَالَ
فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ
فَيَقُولَانِ لَهُ مَنْ رَبُّكَ ؟ فَيَقُولُ رَبِّيَ اللَّهُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ
مَا دِينُكَ ؟ فَيَقُولُ دِينِيَ الْإِسْلَامُ ، فَيَقُولَانِ لَهُ مَا هَذَا
الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ ؟ فَيَقُولُ هُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولَانِ لَهُ وَمَا عِلْمُكَ ؟ فَيَقُولُ قَرَأْتُ
كِتَابَ اللَّهِ فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ :
أَنْ صَدَقَ عَبْدِي فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ
وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ ، قَالَ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا
وَطِيبِهَا وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ ، قَالَ وَيَأْتِيهِ
رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ حَسَنُ الثِّيَابِ طَيِّبُ الرِّيحِ فَيَقُولُ : أَبْشِرْ
بِالَّذِي يَسُرُّكَ هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ ، فَيَقُولُ لَهُ مَنْ
أَنْتَ ؟! فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ ، فَيَقُولُ أَنَا عَمَلُكَ
الصَّالِحُ ، فَيَقُولُ رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي
وَمَالِي
))(7).

هذا هو ثواب الصائمين عما حرم الله ، الملازمين لطاعة الله
، المحافظين على أوامره ، المجتنبين لنواهيه . جعلنا الله وإياكم منهم ، وهدانا
سلوك سبيلهم .

*****

---------------------
(1) مسلم
(2581).

(2) رواه الترمذي (2616) ، وابن ماجه (3973) ، واللفظ
للترمذي .

(3) رواه البخاري (6474).
(4) س
(5) متفق عليه ؛ البخاري (6135) ، مسلم (47)
.

(6) متفق عليه ؛ البخاري (11) ، مسلم (42).

(7) رواه الإمام أحمد في المسند (18534) .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لخضر الجزائري 1
مشرف عام مميّز
مشرف عام مميّز
لخضر الجزائري 1


تاريخ التسجيل : 22/09/2009

رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد    رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty08.08.11 7:01

حِفـْظُ
الْوَقْتِ فِي رَمَضَان

إن وقت الإنسان هو عمره في
الحقيقة وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم أو العذاب الأليم، وهو يمر مر
السحاب، لم يزل الليل والنهار سريعين في نقص الأعمار، وتقريب الآجال، صحبا قبلنا
نوحاً وعاداً وثمود وقروناً بين ذلك كثيراً فأقدم الجميع على ربهم ووردوا على
أعمالهم وتصرمت أعمارهم، وبقي الليل والنهار غضين جديدين في أمم بعدهم قال تعالى:
{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ
أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا
} [الفرقان:62]
.
فينبغي على المسلم لاسيما في هذا الشهر المبارك والموسم
العظيم والوقت الثمين أن يتخذ من مرور الليالي والأيام عبرة وعظة ، فكم من رمضان
تحريناه فدخل ومضى سريعا ، فالليل والنهار يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد،
ويطويان الأعمار، ويشبان الصغار، ويفنيان الكبار، وهذا كله مشعر بتولي الدنيا
وإدبارها ومجيء الآخرة وإقبالها، قال عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه : ((ارْتَحَلَتْ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتْ الْآخِرَةُ مُقْبِلَةً
وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَنُونَ ؛ فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ
وَلَا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلَا حِسَابَ
وَغَدًا حِسَابٌ وَلَا عَمَلٌ
)
)(1) ، وقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله :
((إِنَّ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارِكُم ، دَارٌ كَتَبَ
اللهُ عَلَيْهَا الْفَنَاءَ ، وَكَتَبَ عَلَى أَهْلِهَا مِنْهَا الظَّعن - أي
الارتحال - ، فَكَمْ عَامِر موثق عَمَّا قَلِيلٍ يَخْرَبُ ، وَكَمْ مُقِيمٍ
مُغْتَبطٍ عَمَّا قَلِيلٍ يَظْعَن ، فَأَحْسِنُوا رَحِمَكُمُ اللهُ مِنْهَا
الرِّحْلَةَ بَأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ النُّقْلَةِ ، وَتَزَوَّدُوا
فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى
)) (2).

إن الإنسان في هدمٍ لعمره
منذ خرج من بطن أمه بل هو - كما قال الحسن البصري - أيام مجموعة ؛ فكلما ذهب يوم
ذهب بعض الإنسان وجزء منه، اليوم منه يهدم الشهر، والشهر يهدم السنة، والسنة تهدم
العمر، وكل ساعة تمضي من العبد فهي مُدْنِيَةٌ له من الأجل ، وقال ابن مسعود رضي
الله عنه : " ما ندمتُ على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه
عمل
ي " وهذا من شدة حرصه على الوقت ، قال الحسن رحمه الله : "أدركت أقواماً كانوا
على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم " .

ولهذا فإن مَنْ أَمْضَى
يَوْمَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ قَضَاهُ ، أَوْ فَرْضٍ أَدَّاهُ ، أَوْ مَجْدٍ أَثَّلَهُ
أَوْ حَمْدٍ حَصَّلَهُ ، أَوْ خَيْرٍ أَسَّسَهُ أَوْ عِلْمٍ اقْتَبَسَهُ ، فَقَدْ
عَقَّ يَوْمَهُ وَظَلَمَ نَفْسَهُ وظلم يومه .

إن الليالي والأيام هي رأس
مال الإنسان في هذه الحياة ؛ رِبْحها الجنة ، وخسرانها النار ، السنة شجرة ،
والشهور فروعها ، والأيام أغصانها ، والساعات أوراقها ، والأنفاس ثمارها ؛ فمن كانت
أنفاسه في طاعة الله فثمرته طيبة مباركة حلوٌ مذاقها ، ومن كانت أنفاسه في معصية
الله فثمرته خبيثة مذاقها مرٌّ وحنظل .

لقد تكاثرت النصوص عن النبي
صلى الله عليه وسلم في بيان أهمية الوقت والحث على اغتنامه وعدم إضاعته وبيان أن
العبد مسؤول عنه يوم القيامة ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم أنه قال: ((اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ : شَبَابَكَ
قَبْلَ هَرَمِكَ ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ ،
وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ
))(3)، وعَنْ
أَبِى بَرْزَةَ الأَسْلَمِىِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
((لاَ تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى
يُسْأَلَ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَا فَعَلَ وَعَنْ
مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا
أَبْلاَهُ
))(4)
، وثبت في الصحيح عنه
صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا
كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ ؛ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ
))(5)
.

فلنغتنم في هذا الشهر
المبارك والموسم العظيم كل ما يمكننا اغتنامه من الطاعات ولنسخره في الإقبال على
الله ، ولنغتم حياتنا كلها قبل أن يباغتنا الموت ، وليغتنم الأصِحَّاء الذين عافاهم
الله من الأمراض والأدواء عافيتهم وصحتهم قبل أن يبتليهم الله بأمراض تعوقهم وتضعف
نشاطهم ، وليغتنم الذين حباهم الله بنعمة الوقت والفراغ وقتهم وفراغهم قبل أن
تداهمهم الأشغال والهموم والصوارف ، وليغتنم الشباب شبابهم وقوتهم قبل أن يصيبهم
داء الكبر والهرم الذي هو مظنة الضعف والفتور والعاهات والأمراض ، وليغتنم الأغنياء
الذين وسَّع الله لهم في أرزاقهم ونالوا حظاً من هذه الأموال التي هي من حطام
الدنيا الفانية أموالهم قبل أن ينزل عليهم الفقر وتُلِمَّ بهم الحاجات ، وليغتنم كل
أولئك وهؤلاء هذا الموسم العظيم ليزدادوا فيه قرباً من الله ويتعرضوا فيه لنفحاته
وبركاته ورحماته بتوبةٍ نصوح وإكثارٍ من فعل الخيرات وإحجامٍ عن اقتراف القبائح
والمنهيات .


قال ابن رجب رحمه الله : ((وما من هذه
المواسم الفاضلة موسم إلا ولله تعالى فيه وظيفة من وظائف طاعته يُتقرب بها إليه،
ولله لطيفة من لطائف نفحاته يصيب بها من يشاء بفضله ورحمته عليه ، فالسعيد من اغتنم
مواسم الشهور والأيام والساعات وتقرب فيها إلى مولاه بما فيها من وظائف الطاعات ،
فعسى أن تصيبه نفحة من تلك النفحات فيسعُد بها سعادة يأمن بعدها من النار وما فيها
من اللفحات
))(6)

اهـ.

ومن ضيَّع فراغه في مثل هذا الموسم العظيم ولم ينتفع من
صحته في مثل هذا الشهر الكريم فمتى عساه أن ينتفع ويستقيم !! قال ابن الجوزي :
((مَنْ اسْتَعْمَلَ فَرَاغه وَصِحَّته فِي طَاعَة اللَّه فَهُوَ
الْمَغْبُوط ، وَمَنْ اِسْتَعْمَلَهُمَا فِي مَعْصِيَة اللَّه فَهُوَ الْمَغْبُون ،
لِأَنَّ الْفَرَاغ يَعْقُبهُ الشُّغْل وَالصِّحَّة يَعْقُبهَا
السَّقَم
))(7)
.
ومما يؤثر عن بعض السلف
قولهم: ((من علامة المقت إضاعة الوقت)) ، قال ابن القيم
رحمه الله : ((إضاعة الوقت أشد من الموت ؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك
عن الله والدار الآخرة ، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها
))(Cool
.
والواجب على المسلم أن لا
يغتر بالدنيا ؛ فإن صحيحها يسقم ، وجديدها يبلى ، ونعيمها يفنى ، وشبابها يهرم ،
وهو فيها في سير إلى الدار الآخرة ، الآجال منقوصة ، والأعمال محفوظة ، والموت يأتي
بغتة ؛ فمن زرع خيراً فيوشك أن يحصد ثوابه وأجره ، ومن زرع شراً فيوشك أن يحصد
ندامة وحسرة ، ولكل زارعٍ ما زرع.

اللهم بارك لنا في أوقاتنا
وأعمارنا وأعمالنا ، وهيئ لنا من أمرنا رشداً ، ووفِّقنا لاغتنام الأوقات في
الباقيات الصالحات ، وحبب لنا فعل الخيرات وبُغض المنكرات ، واجعلنا ممن صام هذا
الشهر صياماً يكون سبباً لنيل رضاك والفوز بجنانك .


*****
-------------------
(1) رواه البخاري في صحيحه
معلقا في كتاب الرقاق ، باب في الأمل وطوله .


(2) رواه أبو نعيم في حلية
الأولياء (5/292).

(3) رواه الحاكم في المستدرك
(7846).

(4) رواه الترمذي (2602).
(5) صحيح البخاري
(6412).

(6) كتاب لطائف المعارف لابن رجب (ص:
6).

(7) نقله ابن حجر في فتح الباري (11 /
230).


(Cool الفوائد لابن القيم (ص:
44).



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لخضر الجزائري 1
مشرف عام مميّز
مشرف عام مميّز
لخضر الجزائري 1


تاريخ التسجيل : 22/09/2009

رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد    رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty08.08.11 7:04

أًهَمِّيَّةُ ذِكْرِ الله
إن ذكر الله - جلّ وعلا - هو
أزكى الأعمال وخيرها وأفضلها عند الله تبارك وتعالى ، ففي المسند للإمام أحمد وجامع
الترمذي وسنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم وغيرها من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ
بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ، وَأَرْفَعِهَا فِي
دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ
لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا
أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا بَلَى ، قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ
تَعَالَى
))(1).

فهذا الحديث العظيم أفاد أفضلية الذكر ، وأنه يعدل عتق
الرقاب ، ونفقة الأموال ، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل ، ويعدل الضرب
بالسيف في سبيل الله تعالى ، قال ابن رجب رحمه الله : " وقد تكاثرت النصوص بتفضيل
الذّكر على الصدقة بالمال وغيره من الأعمال "(2) ثم أورد حديث أبي الدرداء المتقدم
، وجملة من الأحاديث الأخرى الدالة على المعنى نفسه .

وقد روى ابن أبي الدنيا -
كما في الترغيب والترهيب للمنذري وقال إسناده حسن - عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد
قال : قيل لأبي الدرداء إنّ رجلاً أعتق مائة نسمة قال : " إنّ مائة نسمة من مال رجل
كثيرٌ، وأفضلُ من ذلك إيمانٌ ملزومٌ بالليل والنهار وأن لا يزال لسان أحدكم رطباً
من ذكر الله "(3) ، فبيَّن رضي الله عنه فضل عتق الرقاب وأنه مع عظم فضله لا يعدل
ملازمة الذكر والمداومة عليه ، وورد بيان تفضيل الذكر على غيره من الأعمال عن غير
واحد من الصحابة والتابعين كعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص، أورد
بعض هذه الأقوال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم
والحكم.

روى الإمام أحمد والطبراني عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني
عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أَنَّ رَجُلًا
سَأَلَهُ فَقَالَ أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا يَا رَسُولُ اللَّه ؟
قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرًا ، قَالَ فَأَيُّ الصَّائِمِينَ
أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ
الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ كُلُّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ !! ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَجَلْ
))(4).

وهذا الشهر الكريم هو شهر
الذكر والثناء على الله رب العالمين، بل ما شُرع الصيام ولا صام الصائمون إلا
لإقامة ذكر الله ، ولذلك أخبر النبي r - كما تقدم - أن أعلى الناس درجة وأعظمهم
أجراً حين اشتراكهم في قيامهم بطاعة من الطاعات أو قربة من القربات لرب الأرض
والسموات أكثرُهم لله ذكراً ؛ فدلَّ ذلك على أهمية الذكر وأنه هو الغاية المقصودة
من القيام بجميع الطاعات والعبادات ، فأكثر الصائمين أجراً أكثرهم لله ذكراً
.

وذِكر الله أكبر من كل شيء وأفضل كل شيء ، قال تعالى:
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ
} [العنكبوت: 45] " أي: ذِكر الله لكم بالثواب والثناء
عليكم أكبر من ذكركم له في عباداتكم وصلواتكم ، وهو ذاكرٌ من ذكَره ، قال معناه ابن
مسعود وابن عباس وأبو الدرداء وأبو قرَّة وسلمان والحسن وهو اختيار الطبري ، وقيل:
ذكركم الله في صلاتكم وفي قراءة القرآن أفضل من كلِّ شيء ، وقيل المعنى: إن ذكر
الله أكبر مع المداومة من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر ، قال ابن زيد
وقتادة: ولذكر الله أكبر من كلِّ شيء أي أفضل من العبادات كلها بغير ذكر
"(5).

" قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : الصحيح أن معنى
الآية : أن الصلاة فيها مقصودان عظيمان، وأحدهما أعظم من الآخر ؛ فإنها تنهى عن
الفحشاء والمنكر، وهي مشتملة على ذكر الله تعالى، ولما فيها من ذكر الله تعالى أعظم
من نهيها عن الفحشاء والمنكر)) ، وقد سئل سلمان الفارسي رضي الله عنه : ((أيُّ الأعمال أفضل؟ فقال: أما تقرأ القرآن! ولذكر الله
أكبر
))(6)، وذكر ابن أبي الدنيا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه سُئل:
أيّ العمل أفضل ؟ قال: ((ذكر الله أكبر))
"(7).

وقد أمر الله في كتابه عباده المؤمنين بالإكثار من ذكره
قياماً وقعوداً وعلى الجنوب ، بالليل والنهار ، وفي البر والبحر ، وفي السفر والحضر
، وفي الغنى والفقر ، وفي الصحة والسقم ، وفي السر والعلن ، وفي كل حال ، ورتب لهم
على ذلك جزيل الأجر وعظيم الثواب وجميل المآب ، قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا
كَثِيرًا
(41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلًا
(42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ
وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا
(43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ
يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا
}
[الأحزاب:41-44].

ففي هذه الآية الحث على الإكثار من ذكر الله تعالى وبيان
ما يترتب على ذلك من أجر عظيم وخير عميم ، وقوله : {هُوَ الَّذِي
يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ
} فيه أعظم الترغيب في الإكثار من ذكر
الله وأحسن حضٍّ على ذلك ، أي أنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم ، ونظائر هذه الآية
في القرآن كثيرة كقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ
رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ

(151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا
تَكْفُرُونِ
} [البقرة:151ـ152] ، فالجزاء من جنس العمل ؛ فمن ذكر الله في
نفسه ذكره الله في نفسه ، ومن ذكر الله في ملأٍ ذكره الله في ملأٍ خير منهم ، ومن
نسي الله نسيه الله .


والذاكرون الله كثيراً والذاكرات هم المفرِّدون السابقون
إلى الخيرات المحظوظون بأرفع الدرجات وأعلى المقامات، روى مسلم في صحيحه عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ
جُمْدَانُ فَقَالَ : سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ، قَالُوا
وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا
وَالذَّاكِرَاتُ
))(Cool.

ولكن بِمَ ينال العبد ذلك
؟

وهذا سؤال عظيم يجدر بكل مسلم أن يقف عنده ويعرف جوابه ،
ومن أحسن ما روي عن السلف في معنى الذاكرين الله كثيراً والذاكرات : ما جاء عن ابن
عباس رضي الله عنهما أنه قال : (( المراد : يذكرون الله في أدبار الصلوات ، وغدواً
وعشياً ، وفي المضاجع ، وكلما استيقظ من نومه ، وكلما غدا أو راح من منزله ذكر الله
تعالى))(9).

وفي هذا المعنى قول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي رحمه
الله : " وأقل ذلك أن يلازم الإنسان أوراد الصباح والمساء وأدبار الصلوات الخمس
وعند العوارض والأسباب ، وينبغي مداومة ذلك في جميع الأوقات على جميع الأحوال، فإن
ذلك عبادة يسبق بها العامل ، وهو مستريح ، وداع إلى محبة الله ومعرفته، وعون على
الخير وكف اللسان عن الكلام القبيح "(10).

وأسأل الله سبحانه بأسمائه
الحسنى أن يجعلني وإياكم من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات ، من الذين أعد الله
لهم مغفرة وأجراً عظيماً ، إنه على ذلك قدير وبالإجابة
جدير.


*****
----------------------
(1) مسند الإمام أحمد
(21599، 21601) ، سنن الترمذي (3377) واللفظ له .

(2) جامع العلوم والحكم
(الحديث الخامس والعشرون، ص: 66).

(3)قال الألباني في ضعيف
الترغيب والترهيب " ضعيف موقوف "

(4) رواه الإمام أحمد في
المسند (15553) والطبراني في الدعاء (1887 ) واللفظ له
.

(5) تفسير القرطبي (سورة العنكبوت ، آية 45)
.


(6) رواه الطبري في تفسيره
(20/183).

(7) انظر الوابل الصيب لابن القيم (
ص151-152).

(Cool صحيح مسلم (2676).
(9) الأذكار للنووي (ص
10).


(10) تفسير السعدي (الأحزاب آية 41، ص:
667).

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
لخضر الجزائري 1
مشرف عام مميّز
مشرف عام مميّز
لخضر الجزائري 1


تاريخ التسجيل : 22/09/2009

رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty
مُساهمةموضوع: رد: رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد    رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد  Empty08.08.11 7:07

إن ذكر الله - جلّ
وعلا - هو أزكى الأعمال وخيرها وأفضلها عند الله تبارك وتعالى ، ففي المسند للإمام
أحمد وجامع الترمذي وسنن ابن ماجة ومستدرك الحاكم وغيرها من حديث أبي الدرداء رضي
الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أَلَا
أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ ،
وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ
وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا
أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ ؟ قَالُوا بَلَى ، قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ
تَعَالَى
))(1).

فهذا الحديث العظيم أفاد أفضلية الذكر ، وأنه يعدل عتق
الرقاب ، ونفقة الأموال ، والحمل على الخيل في سبيل الله عز وجل ، ويعدل الضرب
بالسيف في سبيل الله تعالى ، قال ابن رجب رحمه الله : " وقد تكاثرت النصوص بتفضيل
الذّكر على الصدقة بالمال وغيره من الأعمال "(2) ثم أورد حديث أبي الدرداء المتقدم
، وجملة من الأحاديث الأخرى الدالة على المعنى نفسه .

وقد روى ابن أبي الدنيا -
كما في الترغيب والترهيب للمنذري وقال إسناده حسن - عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد
قال : قيل لأبي الدرداء إنّ رجلاً أعتق مائة نسمة قال : " إنّ مائة نسمة من مال رجل
كثيرٌ، وأفضلُ من ذلك إيمانٌ ملزومٌ بالليل والنهار وأن لا يزال لسان أحدكم رطباً
من ذكر الله "(3) ، فبيَّن رضي الله عنه فضل عتق الرقاب وأنه مع عظم فضله لا يعدل
ملازمة الذكر والمداومة عليه ، وورد بيان تفضيل الذكر على غيره من الأعمال عن غير
واحد من الصحابة والتابعين كعبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمرو بن العاص، أورد
بعض هذه الأقوال ابن رجب رحمه الله في جامع العلوم
والحكم.

روى الإمام أحمد والطبراني عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني
عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أَنَّ رَجُلًا
سَأَلَهُ فَقَالَ أَيُّ الْمُجَاهِدِينَ أَعْظَمُ أَجْرًا يَا رَسُولُ اللَّه ؟
قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ تَعَالَى ذِكْرًا ، قَالَ فَأَيُّ الصَّائِمِينَ
أَعْظَمُ أَجْرًا ؟ قَالَ أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ، ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ
الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ وَالْحَجَّ وَالصَّدَقَةَ كُلُّ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَكْثَرُهُمْ لِلَّهِ ذِكْرًا ،
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ :
ذَهَبَ الذَّاكِرُونَ بِكُلِّ خَيْرٍ !! ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَجَلْ
))(4).

وهذا الشهر الكريم هو شهر
الذكر والثناء على الله رب العالمين، بل ما شُرع الصيام ولا صام الصائمون إلا
لإقامة ذكر الله ، ولذلك أخبر النبي r - كما تقدم - أن أعلى الناس درجة وأعظمهم
أجراً حين اشتراكهم في قيامهم بطاعة من الطاعات أو قربة من القربات لرب الأرض
والسموات أكثرُهم لله ذكراً ؛ فدلَّ ذلك على أهمية الذكر وأنه هو الغاية المقصودة
من القيام بجميع الطاعات والعبادات ، فأكثر الصائمين أجراً أكثرهم لله ذكراً
.

وذِكر الله أكبر من كل شيء وأفضل كل شيء ، قال تعالى:
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ
الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ
اللَّهِ أَكْبَرُ
}
[العنكبوت: 45] " أي: ذِكر الله لكم بالثواب والثناء
عليكم أكبر من ذكركم له في عباداتكم وصلواتكم ، وهو ذاكرٌ من ذكَره ، قال معناه ابن
مسعود وابن عباس وأبو الدرداء وأبو قرَّة وسلمان والحسن وهو اختيار الطبري ، وقيل:
ذكركم الله في صلاتكم وفي قراءة القرآن أفضل من كلِّ شيء ، وقيل المعنى: إن ذكر
الله أكبر مع المداومة من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر ، قال ابن زيد
وقتادة: ولذكر الله أكبر من كلِّ شيء أي أفضل من العبادات كلها بغير ذكر
"(5).

" قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : الصحيح أن معنى
الآية : أن الصلاة فيها مقصودان عظيمان، وأحدهما أعظم من الآخر ؛ فإنها تنهى عن
الفحشاء والمنكر، وهي مشتملة على ذكر الله تعالى، ولما فيها من ذكر الله تعالى أعظم
من نهيها عن الفحشاء والمنكر)) ، وقد سئل سلمان الفارسي رضي الله عنه : ((أيُّ الأعمال أفضل؟ فقال: أما تقرأ القرآن! ولذكر الله
أكبر
))(6)، وذكر ابن أبي الدنيا عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّه سُئل:
أيّ العمل أفضل ؟ قال: ((ذكر الله أكبر))
"(7).

وقد أمر الله في كتابه عباده المؤمنين بالإكثار من ذكره
قياماً وقعوداً وعلى الجنوب ، بالليل والنهار ، وفي البر والبحر ، وفي السفر والحضر
، وفي الغنى والفقر ، وفي الصحة والسقم ، وفي السر والعلن ، وفي كل حال ، ورتب لهم
على ذلك جزيل الأجر وعظيم الثواب وجميل المآب ، قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا
كَثِيرًا
(41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً
وَأَصِيلًا
(42) هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ
وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ
بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا
(43) تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ
يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا
}
[الأحزاب:41-44].

ففي هذه الآية الحث على الإكثار من ذكر الله تعالى وبيان
ما يترتب على ذلك من أجر عظيم وخير عميم ، وقوله : {هُوَ الَّذِي
يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ
} فيه أعظم الترغيب في الإكثار من ذكر
الله وأحسن حضٍّ على ذلك ، أي أنه سبحانه يذكركم فاذكروه أنتم ، ونظائر هذه الآية
في القرآن كثيرة كقوله تعالى: {كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ
رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ

(151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا
تَكْفُرُونِ
}
[البقرة:151ـ152] ، فالجزاء من جنس العمل ؛ فمن ذكر الله في
نفسه ذكره الله في نفسه ، ومن ذكر الله في ملأٍ ذكره الله في ملأٍ خير منهم ، ومن
نسي الله نسيه الله .

والذاكرون الله كثيراً والذاكرات هم المفرِّدون السابقون
إلى الخيرات المحظوظون بأرفع الدرجات وأعلى المقامات، روى مسلم في صحيحه عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسِيرُ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَمَرَّ عَلَى جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ
جُمْدَانُ فَقَالَ : سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ ، سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ، قَالُوا
وَمَا الْمُفَرِّدُونَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا
وَالذَّاكِرَاتُ
))(Cool.

ولكن ؛ بِمَ ينال العبد ذلك
؟

وهذا سؤال عظيم يجدر بكل مسلم أن يقف عنده ويعرف جوابه ،
ومن أحسن ما روي عن السلف في معنى الذاكرين الله كثيراً والذاكرات : ما جاء عن ابن
عباس رضي الله عنهما أنه قال : (( المراد : يذكرون الله في أدبار الصلوات ، وغدواً
وعشياً ، وفي المضاجع ، وكلما استيقظ من نومه ، وكلما غدا أو راح من منزله ذكر الله
تعالى))(9).

وفي هذا المعنى قول الشيخ العلامة عبد الرحمن بن سعدي رحمه
الله : " وأقل ذلك أن يلازم الإنسان أوراد الصباح والمساء وأدبار الصلوات الخمس
وعند العوارض والأسباب ، وينبغي مداومة ذلك في جميع الأوقات على جميع الأحوال، فإن
ذلك عبادة يسبق بها العامل ، وهو مستريح ، وداع إلى محبة الله ومعرفته، وعون على
الخير وكف اللسان عن الكلام القبيح "(10).

وأسأل الله سبحانه بأسمائه
الحسنى أن يجعلني وإياكم من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات ، من الذين أعد الله
لهم مغفرة وأجراً عظيماً ، إنه على ذلك قدير وبالإجابة
جدير.


*****
----------------------

(1) مسند الإمام أحمد
(21599، 21601) ، سنن الترمذي (3377) واللفظ له .

(2) جامع العلوم والحكم
(الحديث الخامس والعشرون، ص: 66).

(3)قال الألباني في ضعيف
الترغيب والترهيب " ضعيف موقوف "



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
رمضانيات (في كل يوم كلمة) الشيخ عبد الرزاق العباد
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» رمضانيات (في كل يوم كلمة) اليوم الثامن الشيخ عبد الرزاق العباد
» رمضانيات ( كل يوم كلمة ) اليوم الحادي عشر الشيخ عبدالرزاق العباد
» رمضانيات (في كل يوم كلمة) اليوم العاشر الشيخ عبدالرزاق العباد
» رمضانيات (في كل يوم كلمة) اليوم التاسع الشيخ عبدالرزاق العباد
» الحث على اغتنام الأيام الأخيرة من رمضان-لفضيلة الشيخ عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر-حفظه الله-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات عين بسام التربوية  :: إسلاميات :: الخيمة الرمضانيّة-
انتقل الى: