إن الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.
أمابعد :
فإن " القرآن الكريم احتوى على أعلى وأكمل وأنفع المواضيع التي يحتاج الخلق إليها في جميع الأنواع، فقد احتوى على أحسن طرق التعليم، وإيصال المعاني إلى القلوب بأيسر شيء وأوضحه.
فمن أنواع تعاليمه العالية: ضرب الأمثال، وهذا النوع يذكره الباري سبحانه في الأمور المهمة، كالتوحيد وحال الموحد والشرك وحال أهله، والأعمال العامة الجليلة.
ويقصد بذلك كله توضيح المعاني النافعة، وتمثيلها بالأمور المحسوسة، ليصير القلب كأنه يشاهد معانيها رأي العين. وهذا من عناية الباري بعباده ولطفه......
ومن ذلك مثّل الله كلمة التوحيد بالشجرة الطيبة التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها. فكذلك شجرة التوحيد ثابتة بقلب صاحبها معرفة وتصديقا وإيمانا وإرادة لموجبها، وتؤتي أكلها وهو منافعها كل وقت من النيات الطيبة والأخلاق الزكية، والأعمال الصالحة والهدْي المستقيم، ونفع صاحبها وانتفاع الناس به. وهي صاعدة إلى السماء لإخلاص صاحبها وعلمه ويقينه." ( 1 ) ، قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}
قال الإمام الهمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه ( الأمثال في القرآن ص 35)
(( فشبه سبحانه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون: "الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله" فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة والباطنة فكل عمل صالح مرضي لله عز وجل ثمرة هذا الكلمة، وفي تفسير علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " أصلها ثابت قول لا إله إلا الله في قلب المؤمن، وفرعها في السماء يقول: يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء"
وقال الربيع بن أنس : "كلمة طيبة هذا مثل الإيمان، والإيمان الشجرة الطيبة، وأصلها الثابت الذي لا يزول الإخلاص فيه، وفرعه في السماء خشية الله، والتشبيه على هذا القول أصح وأظهر وأحسن" فإنه سبحانه شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علوا التي لا تزال تؤتي ثمرتها كل حين، وإذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء ولا تزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة كل وقت بحسب ثباتها في القلب ومحبة القلب لها وإخلاصه فيها ومعرفته بحقيقتها وقيامه بحقها ومراعاتها حق رعايتها فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها واتصف قلبه بها وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها فيعرف حقيقة الهيئة التي يثبتها قلبه لله ويشهد بها لسانه وتصدقها جوارحه ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله عز وجل وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة سالكة سبل ربه ذللا غير ناكبة عنها ولا باغية سواها بدلا كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا، فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتى ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الرب تعالى وهذه الكلمة الطيبة تثمر كثيرا طيبا كلما يقارنه عمل صالح فيرفع العمل الصالح الكلم الطيب كما قال تعالى: "إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ والعمل الصالح يرفعه" فاطر 10، فأخبر سبحانه أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب وأخبر أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها كل وقت عملا صالحا كل وقت.
والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد المؤمن بها عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا وإثباتا متصفا بموجبها قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته، فهذه الكلمة من هذا الشاهد أصلها ثبات راسخ في قلبه وفروعها متصلة بالسماء وهي مخرجة لثمرتها كل وقت، ومن السلف من قال"إن الشجرة الطيبة هي النخلة" ويدل عليه حديث ابن عمر الصحيح ، ومنهم من قال: هي المؤمن نفسه كما قال محمد بن سعد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله:"أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ" يعني بالشجرة الطيبة المؤمن ويعني بالأصل الثابت في الأرض والفرع في السماء يكون المؤمن يعمل في الأرض ويتكلم فيبلغ قوله وعمله السماء وهو في الأرض ، وقال عطية العوفي في "ضَرَبَ الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة" قال : "ذلك مثل المؤمن لا يزال يخرج منه كلام طيب وعمل صالح يصعد إلى الله".
وقال الربيع بن أنس : "أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ" قال: ذلك المؤمن ضرب مثله في الإخلاص لله وحده وعبادته وحده لا شريك له قال: أَصْلُهَا ثَابِتٌ قال: أصل عمله ثابت في الأرض وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، قال: ذكره في السماء.
ولا اختلاف بين القولين، فالمقصود بالمثل المؤمن والنخلة مشبهة به وهو مشبه بها وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك ومن قال من السلف: إنها شجرة في الجنة فالنخلة من أشرف أشجار الجنة.
وفي هذا المثل من الأسرار والعلوم والمعارف ما يليق ويقتضيه علم الذي تكلم به سبحانه وحكمته، فمن ذلك أن الشجرة لا بد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر فكذلك شجرة الإيمان والإسلام ليطابق المشبه المشبه به فعروقها العلم والمعرفة واليقين وساقها الإخلاص وفروعها
الأعمال وثمرتها ما توجبه الأعمال الصالحة من الآثار الحميدة والصفات الممدوحة والأخلاق الزكية والسمت الصالح والهدى والدل المرضى فيستدل على غرس هذه الشجرة في القلب وثبوتها فيه بهذه الأمور فإذا كان العلم صحيحا مطابقا لمعلومه الذي أنزل الله كتابه به، والاعتقاد مطابقا لما أخبر به عن نفسه وأخبرت به عنه رسله صلوات الله وسلامه عليهم والإخلاص قائم في القلب والأعمال موافقة للأمر والهدى والدل والسمت مشابه لهذه الأصول مناسب لها علم أن شجرة الإيمان في القلب أصلها ثابت وفرعها في السماء وإذا كان الأمر بالعكس علم أن القائم بالقلب إنما هو الشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار.
ومنها: أن الشجرة لا تبقى حية إلا بمادة تسقيها وتنميها فإذا انقطع عنها السقي أوشك أن تيبس فهكذا شجرة الإسلام في القلب إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها كل وقت بالعمل النافع والعمل الصالح والعود بالتذكر على التفكر والتفكر على التذكر وإلا أوشك أن تيبس.....
وبالجملة فالغرس إن لم يتعاهده صاحبه أوشك أن يهلك، ومن هنا يعلم شدة حاجة العباد إلى ما أمر الله به من العبادات على تعاقب الأوقات وعظيم رحمته وتمام نعمته وإحسانه إلى عباده بأن وضعها عليهم وجعلها مادة لسقي غراس التوحيد الذي غرسه في قلوبهم.
ومنها: إن الغرس والزرع النافع قد أجرى الله سبحانه العادة أنه لا بد أن يخالطه دغل ونبت غريب ليس من جنسه فإن تعاهده ربه ونقاه وقلمه كمل الغرس والزرع واستوى وتم نباته وكان أوفر لثمرته وأطيب وأزكى وإن تركه أوشك أن يغلب على الغرس والزرع ويكون الحكم له أو يضعف الأصل ويجعل الثمرة ذميمة ناقصة بحسب كثرته وقلته ومن لم يكن له فقه يقيس في هذا ومعرفته به فإنه يفوته ربح كثير وهو لا يشعر فالمؤمن دائم سعيه في شيئين : سقي هذه الشجرة وتنقية ما حولها فبسقيها تبقى وتدوم وبتنقية ما حولها تكمل وتتم )) انتهى
وقد حاز السبق والدرجات العلى في هذا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومن بعدهم الصديقين والشهداء والصالحين ، قد علموا وأيقنوا بأن الفوز والنجاح والفلاح لا يتم ويكمل إلا بهذين الشيئين أي : بسقي هذه الشجرة الطيبة وتنقية ما حولها مما يفسدها ويفسد ثمرتها الطيبة ، ولهذا شمروا عن ساعد الجد لسقي هذه الشجرة وتنميتها وتعاهدها كل اللحظة بالأعمال الصالحة الزكية ، وما أثنى الله عز وجل على أنبيائه وعباده الصالحين إلا لأنهم وفّوا بهذا المقام حق الوفاء فقد قال جل في علاه في محكم تنزيله مثنيا على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ } 02 الفتح
" وذلك -والله أعلم- بسبب ما حصل بسببه من الطاعات الكثيرة، والدخول في الدين بكثرة، وبما تحمل صلى الله عليه وسلم من تلك الشروط التي لا يصبر عليها إلا أولو العزم من المرسلين، وهذا من أعظم مناقبه وكراماته صلى الله عليه وسلم، أن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر." ( 2 ) ، ومع ذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام يقوم في الليل حتى تتورّم قدماه، فقيل له في ذلك: إنه قد غفر الله له ماتقدّم من ذنبه وما تأخّر. فقال: "أَفَلا أَكُوْنُ عَبْدَاً شَكُوْرَاً" (متفق عليه) صلوات الله وسلامه عليه .
ومن ذلك ماثبت في فضائل الصحابة رضي الله عنهم وثناء الله عليهم (( قال الله عز وجل : { مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا } الفتح 29 وقال تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ } الأنفال 74، وقال تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } التوبة 100، وقال تعالى : { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ } التوبة 117 ، وقال تعالى : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } الحشر 8 ـ 9 ، وغيرها كثير . ونعلم ونعتقد أن الله تعالى اطلع على أهل بدر فقال : " « اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم » رواه البخاري ، ومسلم ، وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر ، وبأنه « لا يدخل النار ممن بايع تحت الشجرة » رواه مسلم ، بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه ، وكانوا ألفا وأربعمائة وقيل : خمسمائة ، قال الله تعالى : { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } الفتح 18 )) ( 3 ) ومع هذا كله ما زال سبحانه وتعالى يخاطب أهل بدر وبيعة الرضوان بالأمر والنهي والوعد والوعيد ويذكر أنه يتوب عليهم كما قال تعالى: { لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }الأية
بل "كَانَ هَؤُلَاءِ ـ الصحابة رضي الله عنهم ـ أَشد اجْتِهَادًا وحذرا وخوفا بعد الْبشَارَة مِنْهُم قبلهَا كالعشرة الْمَشْهُود لَهُم بِالْجنَّةِ وَقد كَانَ الصديّق شَدِيد الحذر والمخافة وَكَذَلِكَ عمر فإنهم علمُوا أَن الْبشَارَة الْمُطلقَة مقيّدة بشروطها والاستمرار عَلَيْهَا إِلَى الْمَوْت ومقيدة بانتقاء موانعها وَلم يفهم أحد مِنْهُم من ذَلِك الْإِطْلَاق الْإِذْن فِيمَا شاؤا من الْأَعْمَال " ( 4 )
وعلى هذا المنهج القويم والتربية الصحابية سار أئمة الهدى ومصابيح الدجى من أئمة الحديث يقتفون أثار الصحابة رضي الله عنهم ويتبعون خطاهم ويستمسكون بهديهم ودلهم وسمتهم ، فلم يغتروا لا بأعمالهم ولا بجهادهم وقد "حقق الله على أيديهم من الكفاءات العلمية المدهشة ما لا يلحقهم ولا يدانيهم فيها أهل أيّ علم من العلوم.
وبرهنت أعمالهم وجهودهم وما خلفوه من تراث عظيم على عبقريات عظيمة، وقرائح متوقدة، وعقول خصبة قادرة على تشقيق علوم الحديث وتنويعها إلى حدّ تحار فيه الألباب" ( 5 )
نعم إذا رجعت يا أيها المسلم الصالح إلى سيرهم وتراجمهم لرأيت ما يبهر العقول وتعجز انفسنا لمنافستهم وبلوغ درجاتهم الشريفة الفاضلة ، فكانوا أهل العلم والعبادة وأشدهم خوفا من الشهرة والرياء والسمعة والتزكيات ، وما ذاك إلا أنهم طابت قلوبهم بالإخلاص وكمال معرفتهم بالله ، وزكت بالأعمال الصالحة الصادقة فأثمرة أخلاق طيبة وعلم نافع وجعل الله لهم القبول في الأرض
جاء في سير أعلام النبلاء ط الحديث (13/ 378) للحافظ الذهبي رحمه الله
(( فَمَنْ طَلَبَ العِلْمَ لِلعمل كَسره العِلْمُ وَبَكَى عَلَى نَفْسِهِ وَمِنْ طلب العِلْم لِلمدَارس وَالإِفتَاء وَالفخر وَالرِّيَاء تحَامقَ وَاختَال وَازدرَى بِالنَّاسِ وَأَهْلكه العُجْبُ وَمَقَتَتْهُ الأَنْفُس
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاها} [الشَّمْس: 9، 10] أي: دسسها بالفجور والمعصية.)) انتهى
وقال أبوالفرج عبدالرحمن بن الجوزي رحمه الله في ( صيد الخاطر ص 09 )
(( أن علماء الدنيا، ينظرون إلى الرياسة فيها، ويحبون كثرة الجمع والثناء.
وعلماء الآخرة، بمعزل من إيثار ذلك، وقد كانوا يتخوفونه، ويرحمون من بلي به.
وكان النخعي: لا يستند إلى سارية ، وقال علقمة: "أكره أن يوطأ عقبي" ، و"كان بعضهم إذا جلس إليه أكثر من أربعة قام عنهم" ، وكانوا يتدافعون الفتوى، ويحبون الخمول، مثل القوم، كمثل راكب البحر، وقد خب، فعنده إلى أن يوقن بالنجاة.
وإنما كان بعضهم يدعو لبعض، ويستفيد منه لأنهم ركب تصاحبوا فتوادوا، فالأيام والليالي مراحلهم إلى سفر الجنة.)) انتهى
" كذا كان والله أهل الحديث ، العلم والعبادة ، واليوم فلا علم ولا عبادة " ( 6 )
بل بالأمس كان يقول ويتعجب الواعظ الحافظ ابن الجوزي رحمه الله كما في صيد الخاطر ص 230 من أولئك الناس الذين كانوا يتصنعون للناس بالزهد يرجون بذلك قربهم من قلوب الناس ، أما الآن وفي يومنا هذا ، فتجد أحدهم يتصنع لعلمائنا بالصلاح والإستقامة والتمسك بالسنة ليظفر بالتزكيات منهم التي يرجو بها أن يتقرب بها إلى قلوب الخلق
"وينسى أن قلوبهم بيد من يعمل له ، فإن رضي عمله ورآه خالصاً لفت القلوب إليه، وإن لم يره خالصاً أعرض بها عنه.
ومتى نظر العامل إلى التفات القلوب إليه فقد زاحم الشرك نيته، لأنه ينبغي أن يقنع بنظر من يعمل له.
ومن ضرورة الإخلاص ألا يقصد التفات القلوب إليه، فذاك يحصل لا بقصده بل بكراهته لذلك.
وليعلم الإنسان أن أعماله كلها يعلمها الخلق جملة، وإن لم يطلعوا عليها ،فالقلوب تشهد للصالح بالصلاح وإن لم يشاهد منه ذلك.
فأما من يقصد رؤية الخلق بعمله فقد مضى العمل ضائعاً، لأنه غير مقبول عند الخالق ولا عند الخلق، لأن قلوبهم قد ألفتت عنه، فقد ضاع العمل، وذهب العمر" ( 7)
وعليه فليحذر طلبة العلم والدعاة إلى الله من هذا المنزلق الخطير الخفي شره ، صعب العلاج ، كثير المضار ، محبط الأعمال
ـ قال العلامة القاضي أبو بكر بن العربي-رحمه الله- :
((قد يكون العلم هلاكاً على صاحبه إذا طلبه لغير وجه الله، والمعنى في الحديث-أن النية هي ركن العمل أو شرطه الذي لا يعتد به إلاَّ بها، فإذا عدمت لم يكن شيئاً فإذا فسدت فسد الهوى، ويكون فساده على قدر مفسده، فإن أراد مجاراة العلماء دخل في باب الحسد للظهور والمباهاة على الأقران فقلب ما للآخرة للدنيا، وإن أراد مماراة السفهاء فهو مثلهم، وإن أراد صرف وجوه النَّاس ليكتسب الحطام فقد باع دينه بـعرض من الدنيا، فهو عاص فاسقُ تحت رجاء الخاتمة في الموت على الشهادة، فيكون في المشيئة، أو في تزعزع العقيدة يضعفها عند الموت وقوَّة الفتنة، أو: ذهابها فيكون من أصحاب النار)) ( نقلا من كتاب ( آفات العلم لفضيلة الشيخ محمد رسلان ص 16 )
ثم في مقامنا هذا نذكر أمر مهم في غاية الأهمية ـ ولابد ـ فيما يخص موضوعنا هذا لكي ننبه عليه لعل ينتفع به ممن وقع فيه ، ألا وهو حب الثناء والشهرة والتزكيات والسعي لتحصيلها ، حيث أصبحت هذه في زماننا هذا بضاعة يستجلب بها الشباب وأصبحت معيار شرف الرجل وإن كان هو ليس بذاك عند التحقيق و التمحيص ، وهذا بالطبع خدش في التوحيد ودليل على سوء السيرة والسريرة
بل أصبح طلب التزكيات والحصول عليها من أبرز أساليب وطرق الأدعياء السلفية بحيث أنهم يسعون للظفر على التزكية لهم من إمام من أئمة السنة والجماعة ليكتسبوا بها ثقة الشباب بهم والتحسين الظن فيهم، ولهذا تجدهم يبذلون الجهد ويتحملون المشاق لهذا الغرض ، ويسعون للمحافظة على هذه التزكية ولو فترة ما ريثما يكتسبون عددا هائلا من الشباب السلفي ليكونوا لهم أتباعا وأنصارا لأغراضهم ومأربهم الخبيثة التي أردوها بهذه التزكية ، وما إن يظفروا بثقة الشباب السلفي لهم التام ويفوزوا بتحسين الظن فيهم الزائد، فحينها يباشرونهم بإلقاء على مسامعهم بأنهم أهل الفتوى والاجتهاد والمرجعية والاستقلالية في أمصارهم ،وأنهم ما زكاهم العلماء إلا لثقة بهم للقيام بهذا العمل ، ولهذا تجدهم حينئذ يسعون لربط الشباب بهم ، وأن الشباب ليسوا بحاجة إلى غيرهم ماداموا بين أظهرهم وأقرب منهم ؟! وأعلم بحالكم وما هو واقع في محيطكم و(( والحكم على الشيء فرع عن تصوره )) ، أما أولئك العلماء فليسوا بأدرى وأعرف بأحوالكم منا ،فإذا فأنتم في غنية عنهم ، فبهذه الشنشنة والثرثرة وزخرفة الباطل يتلاعبون على عقول الشباب الذي وثق بهم وأحسن فيهم الظن وبهذا قد قطعوا صلتهم بأئمتهم الكبار الجهابذة أهل الفتوى والمرجعية ، واشغلوهم بأنفسهم ولوثوا عقولهم وضيعوا مفاهيمهم بقواعدهم المخترعة الفاسدة الكاسدة ، وجعلوا هذه القواعد المخترعة الداخلة على المنهج السلفي المخالفة لأصول السلف المجمع عليها والتي لا اجتهاد فيها ، من موارد الاجتهاد والنظر والراجح والمرجوح ، والحكم عن الشيء فرع عن تصوره ، وله أن يخالف بتنظيره المشين أئمة السنة ، وبهذه الحيلة الخبيثة فتحوا بابا من الفتن والمحن وزجوا الشباب الذي يثق بهم في دوامة من المشاكل وضيعوهم وخربوا معتقدهم السني السلفي وأصبحوا في أيديهم كالميت بين يدي المغسل ،وكالريشة في مهب الريح ، وكالمريد بين يدي شيخه الصوفي لا يخرج عنه قدر أنملة حتى لو خالف أصل من أصول أهل السنة المجمع عليه وعليه الأدلة من الكتاب والسنة وكلام الأئمة كالشمس وقت الظهيرة ليس دونها سحاب ، كما هو حال أتباع رؤوس الجماعات الحزبية ، وكما هو تصرف ذاك الذي نشر تلك الفضيحة التي فيها ذكر مساوئ حكامه على منابر الانترنت فلما نصح تمادى في باطله وجند أتباعه وأسمائه المستعارة لحرب وهتك عرض الشباب الناصح الذي نصحه وأراد به خيرا ونصرة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وغلق باب الفتن الذي يترتب من جراء هذه الفضيحة ، فهذا الصنف يحتاط منه أشد وأشد احتياطا ويراقب أشد مراقبة ويخاف على السنة وأهلها منه لأن لا نعرف ماذا يريد من جراء هذه التصرفات والأفاعيل التي يفعل فيها ، لأن أفاعيله التي يتصرف فيها ليست عنوان على الصدق صاحبها ، ولأن الناظر والمتأمل فيها يجدها ما هي إلا من نوع وطرز تصرفات المأربي والحلبي بل أشد ولا حول ولا قوة إلا بالله
وهذا يا إخوتاه لا يفهم منا أننا نمنع التزكية مطلقا كلا وربي ، ونعوذ بالله أن نسفه أعمال أئمتنا ونخرج عليهم ،ونجانب منهجهم الصافي النقي المتين
نعم يا إخوتاه لو حاز طالب العلم على تزكية من شيخه الذي جلس بين يديه ، أو من إمام من أئمة السنة ، و قد تكون هذه التزكية دفاعا عنه لما طعن فيه أهل البدع أو لبيان منزلته في طلب العلم ، وتعريف الشباب السني السلفي بقدرته وأهليته العلمية التي يستفيدون منها ويتعاونون معه في الدعوة إلى الله في مصره ويستفيدون منه ويستفد منهم فهذا شيء طيب ومليح ولا غضاضة فيه ولا أحد من أهل السنة والجماعة ينكر هذا ويشنع من أجله ، ولو تتبعت كتب التراجم والسير لجمعت في هذا المجلدات ممن زكاه أهل العلم ليؤخذ عنه في الفن الذي هو يتقنه ويحسنه ويجوده ، لأن ليس كل الأئمة جمعوا العلوم فهذا تجده في العلماء نادرا وقليلا ممن جمع العلوم شتى ولكن أكثر ما هم عليه في هذا الميدان قد تجد أحدهم ربما يجود النحو ولا يحسن علم الحديث ورجاله وبالعكس وإلى غير ذلك من علوم السنة
تنبيه :إن أئمة السنة قد يزكون الرجل على ما يظهر لهم من حاله ومظهره وبأنه على السنة والاستقامة وإن كان قد يخفى عليهم أمره ولم يخبروا خبثه وانه على غير ما أظهره لهم وأنه خسيس دسيس في وسط صفوف أهل السنة ولهذا كان من قواعد أهل السنة والجماعة أن الحكم يكون على الظاهر أما البواطن وما في الصدور فأمرها إلى الله العليم الخبير ما في الصدور
قال العلامة ربيع في كشف زيف التصوف وبيان حقيقته وحال حملته
((كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يَأخذُون ويُؤخَذُون بظاهر أقوالهم وأعمالهم ؟ وكذلك التابعون وتابعوهم بإحسان .
فمن حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال صلى الله عليه وسلَّم :
( إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم ) رواه البخاري (4/1581)
وعن أم سلمة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو مما أسمع فمن قطعت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له به قطعة من النار فلا يأخذها ) رواه البخاري (2/952) ومسلم (3/1337) واللفظ له .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " إنَّ أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه وليس إلينا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته ومن أظهر لنا سوءا لم نأمنه ولم نصدقه وإن قال إن سريرته حسنة " رواه البخاري (2/934) .)) انتهى
وأيضا شيء أخر مفيد مهم نذكره فيما يخص موضوعنا لكي لا يتلاعب بنا من أراد أن يتلاعب يامعشر أهل السنة والجماعة : لا يعني بأن هذه التزكية لهذا الرجل التي حازها من طرف الأئمة بأنها عصمة قدمت له وأنها بطاقة النجاة والضمان وأنها سيف مسلط على أهل السنة وللتخريب أصولها والسعي إلى تفريق المسلمين بها والتحريش بين الشباب السلفي مستغلها ومستخدمها في أغراضه الشخصية الدنيئة ، ما يكون هذا أبدا بين أهل السنة مادام خلف لنا السلف الصالح أصول وقواعد سنية سلفية يحمى بها الدين وأهله الصادقين المخلصين ومن ذلك تنقيب وتمحيص واختبار حملة الأخبار ومتابعتهم ليلا ونهارا ، سفرا وحضرا إلى أن يتوفاهم الله ماداموا حاملين لهذا الدين ودعاة إليه مخافة أن يدخلوا في الدين ما ليس منه
ولهذا على الشاب السلفي الحصيف أن يكون يقظ ومحتاط في دينه عمن يأخذ ، وليعلم أن الحي لا تؤمن عليه الفتنة ومن كان مستنا فليستن بمن قد مات كما قال الصحابي الجليل ابن مسعود رضي الله عنه ، وأن قلوب عباد الله بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ولا يدري العبد بأي شيء يختم له ، وأي نهاية تكون له ـ لطفك يارب ورحمتك وعفوك ـ فلا نغتر بارك الله فيكم بتلك الشعارات الرنانة والتزكيات المتلاعب بها فلابد من الاحتياط في هذا الباب ، لأنه قد تجد بعض المتسلفيين المشغبة في أصول السنة عدوا لأهلها ، الذي حاز على التزكية من شيخه السني الذي جلس بين يديه فترة ما ، وحضر دروسه فبناءا على هذا الجلوس ظفر بتلك التزكية من شيخه كغيره من زملائه الذين معه ، تجده يسعى للمحافظة عليها ويخاف أن يخدشها شيء من مخالفات التي يرتكبها بتعقيداته الفاسدة الكاسدة المخالفة لما كان عليه السلف الصالح من أصول الدين المجمع عليها والتي من أجلها بدعوا من خالفها ، نعم ذاك المشغب الملبس المتلاعب تجده يجد ويجتهد للمحافظة علي هذه التزكية مادام شيخه الذي زكاه وأثنى عليه على قيد الحياة خوفا منه لأن يطعن فيه ، ويحذر منه وينقض تلك التزكية ، و ما إن شيخه يموت ويتوفاه الله عز وجل ، فحينها ترى من الرجل ما تنكر وتعرف من التقلب والتلون والتذبذب وتراه يميل يمينا وشمالا يعلن في عداوته لأهل السنة وتشغيب في أصولها مخالفا لأئمة السنة في عصره مستقلا عنهم بتعقيداته الفاسدة المظلمة ، وهذا الذي وقع للمأربي وشقرة والحلبي وجماعته فلما كان أئمة السنة ابن باز والألباني وابن عثيمين ومقبل رحمهم الله على قيد الحياة كان لا أحد منه يتقدم أو يتأخر عنهم أو يخالفهم فيما هم فيه من أصول الدين ، فلما مات الأئمة رحمهم الله واجهوا أهل السنة بالعداوة وظهر منهم إحداث القواعد الفاسدة التي كانوا من السنين يخططون من أجلها
قال العلامة المجاهد ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في ( التنكيل بما في لجاج أبي الحسن من الأباطيل ص 6 ط مجالس الهدى )
((أبو الحسن بيت الشر والمكايد منذ زمن طويل فحاله تشبه حال المنافقين الذين قال الله فيهم : (أشحة عليكم فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت ، فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحة على الخير) .
لقد كان في زمن الأئمة الكبار ابن باز والألباني وابن عثيمين خائفاً قلقاً لا يستطيع إعلان ثورته على السلفيين ومنهجهم وأصولهم ، ما كان يستطيع ذلك ولا يستطيع أن يعلن عن أصل واحد من أصول المنهج السلفي بأنه أصل فاسد فضلاً عن كل الأصول .
لماذا ؟ لأنها كلها أصول سلفية يؤيدها الكتاب والسنة ومنهج السلف من عهد الرسول والصحابة إلى يومنا هذا ومنهج الأئمة الذين كان يرتعد منهم خوفاً فلما ذهبوا ذهب خوفه وقوي دعم أهل الأهواء أعداء المنهج السلفي لهذه المعركة الحاسمة في نظر هؤلاء الأعداء ، المعركة الطويلة الأمد البعيدة الغور .
لقد ذهب الخوف في نظر أبي الحسن -كما صرح بذلك- ، فسلقونا هو وأعوانه ومن وراءهم بألسنة حداد وهم أشحة على الخير .
وما دروا أن الله ينصر دينه وأبقى لحمايته رجالاً وأي رجال ؟)) انتهى
وقال الشيخ الدكتور محمد بن هادي حفظه الله في شريط بعنوان القنبلة في الرد على أبي الحسن المأربي
((وأنا أقول : إثنان كانا يخافان من اثنين في بلدين اثنين : شقرة في الأردن من الألباني يخاف منه ويستفيد بالتملق إليه ومقاربته للشيخ ناصر في حياته رحمة الله عليه , فلما مات الشيخ ناصر رأيتم شقرة ماذا عمل ! ومقبل في اليمن كان يخشاه أبو الحسن وأظن لو أن أبا عبد الرحمان الشيخ مقبل رحمه الله أدرك فتنته هذه لما احتجنا فيها إلى كلام ولأطفئها بأمر الله جل وعلا بكلمة واحدة ؛ فكم قد قمع الله به من أهل الأهواء في تلك البلاد وكم قد نفع الله به , وقد حدثني في ذلك الأخ علي العفيفي وكلكم تعرفونه ؛ حدثني بما سمع من الشيخ مقبل لما كان عندكم هنا يعالج واتصلوا به من اليمن يشتكون عليه صنيع أبي الحسن , فقال لهم : دعوا عنكم أبا الحسن فو الله لو اشتد ساعده ما بالى بأحد ولو خالف أهل السنة جميعا , فدعوه عنكم , فلن يضر الدعوة ولن يضر الله شيئا , وفعلا كأنه ظن أنه بوفاة مقبل قد اشتد ساعده ! ولكن ثَمَّ مقبلون غير مقبل ؛ فإن ذهب مقبل فثم من يخلفه , لا في اليمن فحسب ولكن في بلاد الإسلام كلها , فصدق والله رحمه الله ؛ ما بالى بأحد )) انتهى
وبالمناسبة و الشيء بالشيء يذكر ألقي على مسامع صاحب تلك الفضيحة القبيحة التي نشرها ونشرت في منتديات السلفية مشهرا فيها مساوئ حكامه على الملأ في منابر الإنترنت ، فلا داعي لكي تترنح وتتبجح بتزكية بعض مشايخنا الفضلاء الكرام لك وتجعلها سيفا مسلطا في وجوه طلبة العلم لرد عليهم ورد الحق الذي معهم وتتكبر وتتعالم بمالم تعط والميدان شاهد على ذلك بأنك ما تستطيع أن تواجه وإنما الذي هو منك والذي استطعت أن تفعله وسعيت إليه إلا أن تحرش بين الشباب السلفي وإشعال الفتن بينهم ، وزجهم في معارك لا قبل لهم بها وإنما الذي هو منهم إلا السباب والشتائم والطعون وأنت تتفرج فيهم وتتلذذ بما سيقع بهم من الدمار والخراب ،فمشايخنا الذين زكوك حاشاهم من تلاعبك وكذبك وتلبيسك على الشباب الضعيف الذي ما عرف حقيقتك ؟! وما أنت عليه من الكذب الصراح ؟!
أما من تعصب لك فهو على طريقة (( معز ولو طارت )) يمشي أعمى البصر والبصيرة على طريقة أغمض عينيك وردد :
وما أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد
أو قل رغم أنفك :
إذا قالت حذام فصدقوها ... فإن القولَ ما قالت حذام
فهؤلاء لا حلتنا معهم إلا أن ندعو الله أن يردهم إلى الحق ردا جميلا ويبصرهم بعيوب الرجل على ميزان الكتاب والسنة وما كان عليه أهل الحديث من الأخلاق ، فمشايخنا حشاهم من الأسماء المستعارة الكاذبة التي تستخدمها في باطلك والدفاع عنه ، إنما دروس مشايخنا تنضح بالصدق والعلم السني السلفي مع ما يقدمونه لشباب الأمة من النصائح الأبوية والتوجيهات السنية الدالة على الاجتماع والائتلاف والمحبة ، بخلاف مجالسك ما هي إلا التحريش بين الشباب والغيبة والنميمة في طلبة العلم والوقيعة فيهم .
نقول يا هذا الرجل تزكيه أعماله وأخلاقه ومواقفه الحسنة ومن ذلك الرجوع إلى الحق وعدم التمادي في الباطل إذا أخطأ ، فأين أنت من الأخلاق السنية السلفية التي كان عليها النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع ومحبة الخير للأمة وسعيه في اجتماع كلمة الأمة وقطع بذور الفتنة لا كما أنت تفعل تسعى في الفتن بين الشباب السلفي على قلتهم وخاصة في مصرك