الديمقــراطية
حقيقتها. وصورها. وآثارها.
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وبعد:
ففي الوقت الذي ابتعد فيه كثير من المسلمين عن دينهم، تسللت الكثير من الشعارات إليهم دون أن يتفطن لها كثير من المسلمين.
فهذه مصيبة عظيمة، والأعظم من هذه المصيبة أن تأتي شرذمة قليلة صُنعت على أيادي الغرب وثقافته، المصيبة أن تأتي هذه الشرذمة بزبالة المجتمعات الغربية إلى مجتمعات مسلمة لتخدع بها شعوبا مسلمة بأكملها، وتمرر عليها مناهج لا ترضاها هذه الشعوب ولا تريدها، وإنما تفرضها عليها فرضا.
والأعظم من ذلك كله أن لهذه الشعارات تيارات تنتسب إلى الإسلام تدافع عنها وتتبنى أفكارها، ألبستها اللباس الإسلامي الجميل ليزداد انخداع الناس بها، فلهذا كان الوقوف أمام هذه التيارات يعتبر من أعظم أنواع الجهاد في سبيل الله.
وهذا بحث متواضع استخلصته من رسالة متواضعة بينت فيها أن الديمقراطية ليس لها في الإسلام نسب صحيح كما سيأتي إن شاء الله، وإن استلحقها بعضهم على حساب الإسلام، وزينوها بثياب من الزور حتى اغتر بها أصحاب العقول الضعيفة.
الفصل الأول:
حقيقة الديمقراطية:
المبحث الأول: تعريف الديمقراطية:
الديمقراطية:
هي في الأصل كلمة يونانية مكونة من كلمتين إحداهما: ديموس وتعني الشعب، والثانية: كراتوس وتعني حكم.
فالديمقراطية Democracy كلمة مشتقة من لفظتين يونانيتين Demos الشعب و Kratos سلطة) ومعناها الحكم الذي تكون فيه السلطة للشعب، وتطلق علي نظام الحكم الذي يكون الشعب فيه رقيبا علي أعمال الحكومة بواسطة المجالس النيابية، ويكون لنواب الأمة سلطة إصدار القوانين.
نستطيع أن نستخلص من هذا التوضيح أن المعنى الحقيقي للديمقراطية هو أنها "حكم الشعب نفسه بنفسه"، فهذا الذي تعنيه هذه الكلمة عند اليونانيين ومن سار على طريقهم، وهي كذلك عند العصريين ممن تبنى المنهج الديمقراطي.
وسيأتي معنا أن الديمقراطية ليست محصورة في السياسة فقط دون غيرها، بل تشمل جميع نواحي الحياة كالحياة الاجتماعية والحياة الاقتصادية والحياة العسكرية بل والحياة الأخلاقية والعقائدية وغيرها.
وأول من مارس الديمقراطية هم الإغريق في مدينتي أثينا وإسبرطه، حيث كانت تقوم في كل من المدينتين حكومة يطلق عليها إصطلاحا اسم "حكومة المدينة" أي الحكومة التي تقوم في مدينة واحدة مفردة، وكان كل أفراد الشعب من الرجال في كل من المدينتين يشاركون في حكم المدينة، فيجتمعون في هيئة "جمعية عمومية" فيتشاورون في كل أمور الحكم، فينتخبون الحاكم ويصدرون القوانين ويشرفون علي تنفيذها ويضعون العقوبات علي المخالفين فكان" حكم الشعب مطبقا بصورة مباشرة في كل من المدينتين، وكانت التسمية منطبقة علي الواقع انطبقا كاملا.
والخلاصة أن الديمقراطية كلمة ليست عربية ولا يوجد لها في قواميس اللغة العربية أي أصل، وإنما هي كلمة يونانية معناها تنحية الشريعة بعيدا وحكم الشعب لنفسه بما يشتهيه ويختاره، لأن هذه الكلمة – الديمقراطية - تعني حكم الشعب نفسه بنفسه فهو الذي يقرر ما يصلح له مما لا يصلح، والذي يحرم ويحلل، وهو الذي يحدد علاقته بمن يريد، وهو الذي يختار الطريق الذي يريده وفي الوقت الذي يريده.
المبحث الثاني:
حكم الديمقراطية:
والديمقراطية بالمعنى المتقدم مصادم تماماً لحكم الله رب العالمين لأن الله أنزل شرعا عاما لجميع نواحي الحياة يجب على المسلمين أن يتحاكموا إليه وأن ينقادوا له، وهذا الانقياد هو علامة الإيمان الصحيح والاتباع الصادق.
ومما يدل على ذلك قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) وقوله تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون) وقوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) وقوله تعالى: (إن الحكم لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه) وقوله تعالى: (ولا يشرك في حكمه أحدا) وقوله تعالى: (والله يحكم لا معقب لحكمه) ونحوها من الآيات.
فمسألة التحاكم إلى غير الشريعة أو الحكم بغير الشريعة مسألة عظيمة تتعلق بصميم التوحيد، ويلامس أساس العقيدة، ولذلك أوردها العلماء في كتب العقيدة والتوحيد.
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في "كتاب التوحيد": (باب: قول الله عز وجل: "ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيداً").
وعلى هذا فإنه لا يجوز نسبة الديمقراطية إلى الإسلام لا من بعيد ولا من قريب لأنها من الكفر بالله، فلا يقال عنها إنها من الإسلام أو إنها إسلامية أو أن هناك ديمقراطية إسلامية، أو يقال: إنها موافقة للإسلام، ولا يحل صبغها بصابغ الإسلام أو نحو ذلك، لأن الكلمة لا علاقة لها بالإسلام كما رأيت، بل ليس لها علاقة بالعربية أصلا.
والديمقراطية بهذا المعنى الغربي هي نفسها موجودة في مجتمعاتنا، فليس كما يقول بعضهم: "إنما أخذنا منها ما يوافق الشريعة وتركنا سائرها".
وإن قيل: إن النظر لا يكون إلى الألفاظ فقط وإنما يكون إلى المعاني فالعبرة بها وبموافقتها للشريعة لا بالألفاظ.
قيل: الجواب عن ذلك أن الديمقراطية كما أنها لا علاقة لها بالشريعة من جهة اللفظ لا من قريب ولا من بعيد، فإنها كذلك لا علاقة لها بالشريعة من جهة المعنى.
وإن قيل: فالديمقراطية وإن كان معناها من حيث الأصل مخالف للشريعة لكن الحقيقة العملية للديمقراطية مرادف للشورى، حيث يمكن تكييف الديمقراطية واقعيا بما يناسب الشرع الإسلامي.
قيل الجواب أن الديمقراطية كما أنها لا علاقة لها بالشريعة من جهة اللفظ والمعنى، فإنها كذلك من جهة الناحية العملية، فالواقع العملي أيضاً يدل على أنها تختلف عن الشورى اختلافا جذريا وما دام الأمر كذلك فالعبرة بالحقائق لا بالأسماء، كما سيأتي إن شاء الله.
المبحث الثالث:
أسباب ولادة الديمقراطية في المجتمع الغربي:
من المهم أن يعرف المسلم لماذا برزت الديمقراطية إلى سطح في الواقع الأوروبي أو غيره، لأن هذا يساعده على فهم أشياء كثيرة، منها عقد مقارنة ولو سريعة بين المجتمعات الغربية والمجتمعات العربية في أمور كثيرة.
والسبب في بروز الديمقراطية إلى سطح الواقع هو أمران:
الأول: أن الدين كان غائبا في المجتمعات الأوروبية في كثير من الأحيان، وليس له حضور إلا في واقع الكنيسة فقط دون أن يكون له أثر الحياة العامة.
الثاني: أن الناس أصبحوا لا يثقون بالدين، ولاسيما وقد ظهر استبداد الكنيسة والقائمين عليها بأموال الناس وآراءهم.
وباختصار فإن الفراغ الديني والنفسي في المجتمعات الغربية هو سبب لجوء الغربيين إلى الديمقراطية، وإذا كان ذلك كذلك فمن الغلط العظيم أن يقاس المجتمع الإسلامي الذي أكرمه الله بشريعة الإسلام على غيره من المجتمعات التائهة.
على أن لجوء الدول الغربية إلى الديمقراطية لهذه الأسباب ليس مبررا شرعيا ولا سببا مقنعا، لكننا أردنا أن نبين الفارق الكبير بيننا وبينهم، فلا حاجة لنا إذا بالديمقراطية والحمد لله.
الفصل الثاني:
الفرق بينها وبين الشورى:
المبحث الأول: الفروق بين الديمقراطية والشورى:
المطلب الأول: تمهيد:
قال رئيس البرلمان المصري الأسبق وأستاذ الشريعة الاسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة،
الدكتور صوفي أبوطالب:
(إن أوجه الشبه والتلاقي بين الشورى الاسلامية والديمقراطية أكثر من أوجه الاختلاف، وأن هذا يختلف عن تلك التي تقوم عليها الحضارة الغربية، كما أنه لكل منها غايات وأهداف قد تتطابق وقد تختلف. ونتيجة لذلك اختلفت الأدوات والآليات ومعاني المصطلحات).
"الديمقراطية الغربية تختلف في أصولها ومبادئها عن الديمقراطية في الفكر الإسلامي" من مقال للكاتب محمد خليل نشره موقع "الشرق الأوسط".
أقول: وهذا غلط فاحش، والذين يقولون بنحوه من المغترين بالديمقراطية كثير، فلابد من ذكر بعض الأمور التي تبين الفروق بين الشورى والديمقراطية، حتى يعرف هؤلاء الفرق الواسع والبون الشاسع بين الأمرين،
فالشورى كلمة عربية قرآنية جاء الأمر بها في القرآن الكريم في أكثر من موضع، أما الديمقراطية فهي كلمة أعجمية ليس لها مصدر في اللغة ولا أصل صحيح.
فمن أراد أن يفهمها فعليه أن يفهمها على لغة أهلها، وعليه أن يبحث عن مقصودهم من مثل هذه الكلمة في اصطلاحاتهم لأنهم هم الذي اصطلحوا عليها، ولا يفهم مصطلح أمة من الأمم بما يعرفه من لغته هو، فهذا قبيح كما لا يخفى على العقلاء.
فمن الخطأ أن تأتينا كلمة أعجمية بمعنى خاص تكون عند أهلها، ثم نسبغها بالمعاني الشرعية القرآنية فهذا اصطلاح مرفوض بكل المقاييس، لأنه لا يعتمد على موازين صحيحة مقبولة، وإنما يعتمد على خلط في المفاهيم بقصد إرضاء شخص أو جهة.
المطلب الثاني:
بيان الفروق بين الديمقراطية والشورى:
فالفروق هي:
أن الشورى كلمة عربية قرآنية جاء الأمر بها في القرآن الكريم في أكثر من موضع، تعني هذه الكلمة: تشاور أهل الحل والعقد من أولياء الأمور وأهل الاختصاصات، في أمور خاصة قليلة لم تفصل فيها النصوص، تكون مرجعها إلى اجتهاد أهل الخبرة والمعرفة.
أما الديمقراطية فهي كلمة أعجمية ليس لها مصدر في اللغة ولا أصل صحيح، وقد رجعنا إلى معنى الديمقراطية فوجدناه بمعنى حكم الشعب لنفسه، فظهر لنا من ذلك أن الفروق هي ما يلي:
الفرق الأول:
الأول: تخضع الشورى لأهل الحل والعقد وأهل الاختصاص والخبرة والاجتهاد، بينما الديمقراطية تخضع لجميع طبقات وأصناف الناس الكافر منهم والمؤمن، والجاهل منهم والعالم، والرجل والمرأة والصالح والمنحرف.
الفرق الثاني:
الشورى تكون في مواضع الاجتهاد وفيما لا نص فيه، أما الديمقراطية فإنها تفتح الباب لإبداء الرأي في كل شيء وإن فصلت في المسألة نصوص شرعية متواترة متكاثرة.
الفرق الثالث:
الترجيح يكون في الشورى بالأقرب إلى الحق والأحوط للدين والأنفع للمسلمين والأولى من جهة الشريعة، وأما الديمقراطية فالترجيح يكون عندهم بالأكثرية.
فظهر لنا من هذه المقارنة السريعة أن الشورى حكم الله تعالى، أما الديمقراطية فهي حكم الشعب، فاختلف الحكمان اختلافا كبيرا، لأن الشورى تقرر أن الحاكمية لله تعالى وحده، أما الديمقراطية فتقرر أن الحاكمية للشعب، وما يختاره الشعب.
المبحث الثاني:
أسباب اشتباه الأمر على كثير من الناس:
هناك عوامل كثيرة كانت سبباً في ترويج هذه الأفكار في مجتمعات المسلمين، ونحن سنذكر بعض هذه الأسباب:
السبب الأول:
ترويج بعض الدعاة لهذه الديمقراطية بحيث أصبغوا عليها الشرعية، وألبسوها ثوب الشورى، وجاءوا لها بنصوص وأنزلوها عليها، ومنهم من ألف رسالات وكتبا انتصارا لهذه الديمقراطية ولاسيما مع ظهور الديمقراطية إلى سطح العمل السياسي، شأنهم في ذلك شأن من انتصر للاشتراكية من بعض الدعاة، ومن هؤلاء الدكتور مصطفى السباعي مراقب جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا حيث ألف رسالة: (اشتراكية الإسلام) والذي نشر منه جمال عبد الناصر آلاف النسخ في مصر لتبرير ميله إلى الاتجاه الاشتراكي.
بل ألف محمد الغزالي عدة كتب في تبرير منهج الاشتراكية، فقد قال في كتابه: "من هنا نعلم":
(وقد بسطنا فلسفة الاشتراكية الإسلامية وذكرنا أطرافا من برنامجها الضخم في عدد كتب صدرت ونشرت فصولا منذ سنين - الإسلام والأوضاع الاقتصادية - الإسلام والمناهج الاشتراكية - الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين) أ.هـ
بل قال في كتاب "الإسلام والمناهج الاشتراكية":
(أما الفكرة الشيوعية في طورها الأخير فتقدم أساسا للتنظيم الاقتصادي يعتبر مغريا للطبقات الضائعة من الناحية النظرية أما الناحية التطبيقية فلم تتح لنا أسباب دراستها حتى يتيسر الحكم عليها).
وكلنا نعرف أن النظرية الاشتراكية إنما اتخذت من النظرية الاقتصادية ستارا لهدم الدين والأخلاق ليس غير، وإلا فباطنها إلحاد محض.
ولقد حصل من هذا التأييد للديمقراطية والاشتراكية جناية عظيمة على أمور كثيرة منها: ما جناه على الأنظمة التي تحكم بالشريعة الإسلامية - ولو بالجملة - في ذلك الوقت، والتي كانت أفضل بكثير من هذه الأنظمة الديمقراطية.
بل وصل الأمر بتأييد هؤلاء الدعاة لمثل هذه الأفكار أن قام بعض دعاتهم بتسويغ الديمقراطية في خطب الجمعة، بل تكلفوا في الاستدلال لهذه الانتخابات ودعوا إلى المشاركة في مثلها، حتى وصل بهم الأمر إلى أن قال بعضهم: "إن الله سيسألك عن صوتك"، وهذا من العجائب.
بل أخرجوا نسائهم لتحقيق هذه الديمقراطية، فعندنا في اليمن أخرجوا النساء من خدورهن وتم تصويرهن – حتى في الأرياف – في الوقت الذي ربما لا يخرجن لصلاة العيد أو لحضور محاضرة في المسجد بجانب البيت.
السبب الثاني:
ابتعاد المسلمين عن دينهم، فبعدهم عن دينهم سبب لهم الفراغ الذي دفعهم إلى استيراد هذه الأفكار والمبادئ من الغرب والشرق.
[size=25]المبحث الثالث:
سراب الديمقراطية:
لقد انخدع "الإخوان المسلمون" بسراب الديمقراطية وساروا خلفها سنين طويلة منتصرين لها، وقد صدرت منهم من العبارات ما لم تصدر من أهلها أنفسهم، من الاستدلال لها وتبرير طريقتها حتى قال بعضهم وهو أحد أقطاب هذه مدرسة الإخوان الديمقراطيين: (الديمقراطية بضاعتنا ردت إلينا). أي: عادت الشورى إلينا والتي قد حرمنا منها في القرون الأخيرة.
وقال آخر: (الديمقراطية هي الشورى الملزمة).
وأما محفوظ النحناح وهو من إخوان الجزائر - وقد مات عفى الله عنا وعنه - فقد اقترح أن يدعو "الإخوان المسلمون" منهجهم بـاسم: (الشورقراطية).
قال المرشد العام الرابع لـ"لإخوان المسلمين" محمد حامد أبو النصر عندما سئل: (البعض يتهم الإخوان بأنهم أعداء للديمقراطية، ويعادون التعدد الحزبي، فما هي وجهة نظركم في هذا الاتهام ؟
الجواب: الذي يقول ذلك لا يعرف الإخوان إنما يلقي التهم عليهم من بعيد، نحن مع الديمقراطية بكل أبعادها وبمعناها الكامل والشامل، ولا نعترض على تعدد الأحزاب، فالشعب هو الذي يحكم على الأفكار والأشخاص) "مجلة العالم" العدد (123) حزيران عام 1986م.
وللغنوشي- وهو من إخوان تونس وأحد منظري هذه المدرسة - كتاب اسمه: (الحريات السياسية في الإسلام) ينتصر فيه لهذا الاتجاه، وله مقالات كثيرة في هذا المضمار، بل إن راشد الغنوشي يتحدى أن يوجد في برنامجه السياسي بند تطبيق الشريعة الإسلامية.
وفي اليمن قالوا: الديمقراطية والشورى هما بمعنى واحد أو يصبان في مصب واحد.
و"الإخوان المسلمون" في الحقيقة متناقضون في هذا الباب، فتارة تسمعهم يبررون دخولهم هذا بأنه نظام إسلامي من نوع الشورى كما تقدم، وتارة يصرحون عند أهل السنة أنها أنظمة ظالمة علمانية لكنهم يدخلونها ليغيروا.
الفصل الثالث:
مفاسد الديمقراطية:
المبحث الأول: مفاسد الديمقراطية:
المفاسد الظاهرة للديمقراطية، لا يمكن أن تحصى كثرة، فكيف بالباطنة التي لا نشعر بها، ونحن هنا في هذا المقام نذكر ما تيسر من مفاسد الديمقراطية التي نستحضرها:
المفسدة الأولى:
تعطي الديمقراطية الحق لكل مواطن حرية الاعتقاد والتفكير وحرية الرأي والتعبير، فله أن يعتقد بما شاء ويكفر بما شاء، ويؤمن بما شاء، وأن يبدل معتقده وقناعاته بحسب هواه وآرائه الشخصية، وهذا في حد ذاته مفسدة عظيمة إذ هو مناف للعبودية التي خلقنا الله من أجلها، وهو مناف للدين الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم من عند الله.
وما ندري فلعل ما يذكرونه في الدساتير العربية من قولهم: (دين الدولة هو الإسلام) لعل ذلك إنما في بداية الأمور، ثم يغيب هذا التنصيص تلقائيا مع مرور الأيام والليالي، فهذا كاتب يقول في مقال له بعنوان: (لماذا ننادي بالدولة العلمانية؟): (ومن هنا حرصت البلاد التي انتهجت الديمقراطية الليبرالية الحقة، وأقامت الدولة المدنية الحديثة على عدم تضمين دساتيرها ما يفيد بديانة الدولة).
الكاتب وحيد عبد المجيد "موقع جريدة الغد".
المفسدة الثانية:
وهو ناشئ من الأول أن هذا يؤدي إلى إسقاط حد الردة، وإن كان يشتمل على الدعوة إلى الانسلاخ من الدين جملة وتفصيلاً.
ولعل القارئ لا يصدق إذا قلت له: إنه ليس في القانون اليمني ما يجيز قتل الحكم لمن سب الله أو سب رسوله أو سبه دين الإسلام، ولا قانون يجيز تأديب من تطاول على الصحابة أو زوجات النبي صلى الله عليه وسلم.
وأقصى ما هنالك أن من سب الله يحبس ستة أشهر فقط، هذا إذا أصر على عدم التوبة، أما إذا تاب ونطق بالشهادتين في مجلس الشرطة فتقبل توبته، وإن كان ممن يكرر هذا النوع من الردة، أو ممن تعظم ردته.
وإلى الآن لا نعرف رجلا سب الله تعالى فقرص في أذنه قرصة تأديب، فضلا عن الحكم بهذه الستة الأشهر التي هي أشبه ما تكون بالحكم النظري، وأما الحكم عليه بالقتل لأنه فهذا مما ينبغي اليأس منه، رغم أنني سمعت بعشرات القضايا، فضلا عما لم أسمعه.
ولم أنقل هذا إلا بعد مساءلة بعض من له معرفة تامة بالقانون اليمني، وهذا يدل على أن الديمقراطية الموجودة هي الديمقراطية بالمعنى المذموم لا التي هي بمعنى حرية الفرد ونظام الشورى ونحو ذلك كما يصورها المغالطون.
المفسدة الثالثة:
إسقاط الفوارق بين المسلم والكافر والعالم والجاهل والمؤمن الإيمان الفاسق والمؤمن الكامل، فالديمقراطية ترى زواج المسلمة بالكافر، وتسقط الجزية عن الذمي، بل وتقتص له من المسلم كما سيأتي، بل ليس في مجتمعات الديمقراطية ذمي فلا يدفع اليهود الجزية ولا النصارى ولا غيرهم لأن الجميع يستظلون بحق المواطنة كما يقولون، وهذا يعني أنه بعد أن كانت الأرض للمسلمين، فإنها تكون الأرض لهم ولغيرهم ولو من اليهود والنصارى.
المفسدة الرابعة:
غياب الحدود الشرعية والتي تزجر المجرمين عن الوقوع في انتهاك الضروريات الخمس وهي الدين والنفس والعرض والمال والعقل.
المفسدة الخامسة:
الإعراض عن الكتاب والسنة وإجماع الأمة، وترك العمل بهذه المصادر والتي لها مكانة عظيمة في شريعتنا، لأن الديمقراطية تسير بالاتجاه المعاكس للإسلام.
المفسدة السادسة:
انتشار المنكرات والفواحش وتفسخ الأخلاق باسم الحريات الشخصية، وباسم عدم مضايقة الناس.
المفسدة السابعة:
سقوط مكانة العلماء في المجتمع، ولذا فإننا نجد تهميشا ظاهرا لأهل العلم فلا قيمة في المجتمع الديمقراطي لفتوى العالم ولا لنصيحته ولا رأيه ولا لفراسته، إلا إذا وثق فيه بعض الناس من تلقاء أنفسهم فهذا شيء خاص بهؤلاء الناس لا يلزمون الآخرين به، أما كمكانة رسمية في هذا المجتمع فلا.
بل وصل الأمر إلى أوقح من هذا بكثير فأعراض العلماء في المجتمعات الديمقراطية مرتعا للأقلام الحاقدة، وفتاوى العلماء موضع الاستهزاء في الصحف المستأجرة وغيرها، ومحلا لغثاثة التعقبات من أشباه المثقفين من الذين لا علم بهم بالشريعة، فهذا كله من بركات الديمقراطية.
وليس الأمر محصورا بسقوط مكانة العلماء في المجتمع، بل وسقوط قوامة الرجل على المرأة، وسقوط فضل أهل الطاعات على أهل المعاصي، وسقوط فضل أهل الإيمان على أهل الكفر، باسم أن الجميع تحت ظلال المساواة، وسيأتي من هذه المساواة من باطل.
المفسدة الثامنة:
فتح الباب على مصراعيه لتسرب أفكار الأمم الهالكة من اليهود والنصارى وغيرهم من الوثنيين إلى مجتمعاتنا الإسلامية عبر وسائل الإعلام مثل الصحف والقنوات ومواقع النت دون أن يكون هناك مكافح لها ولا رقابة تفتش فيها.
المفسدة التاسعة:
فتح باب الاختلاف والتناحر وتمزق الأمة باسم التعددية السياسية الكاذبة والتي جنت على أمتنا ومجتمعاتنا، فضاعت الأموال وتبعثرت الجهود واختلفت الكلمة وتفرق الصف وتناحر المسلمون ليصلوا إلى سراب السعادة الديمقراطية.
المفسدة العاشرة:
فتح الباب لتطاول السفلة وأمثالهم من الفاشلين ممن وجد بغيته في هذه الفوضى والتي هي باسم حرية الرأي.
المفسدة الحادية عشر:
القضاء على عقيدة الولاء والبراء.
المفسدة الثانية عشرة:
من المعلوم أن قوة الأمة باجتماعها على قول واحد، فمتى تجتمع الأمة على قول واحد وهم متنازعون ومتفرقون إلى أحزاب، فـ(كيف يوفق دعاة الديمقراطية الأوروبية بين حرية الفكر وحرية تشكيل الأحزاب الأوروبية الفكر من جهة، وجمع كلمة الأمة التي يؤكد عليها الجميع من جهة أخرى؟ كيف تجتمع كلمة الأمة على قرار، أي قرار، من خلال الأحزاب المتضادة الانتماءات المتعارضة الفلسفات؟ كيف تتفق كلمة الماركسي الشيوعي الذي يعتمد فلسفة مادية ملحدة مع كلمة الليبرالي العلماني المادي الفلسفة، والذي يتجه بعقله وقلبه إلى غرب أوروبا وأمريكا يستلهم منها الفكر والهداية، مع كلمة المؤمن، والذي يتجه بعقله وقلبه إلى أعلى، إلى الله يستلهم منه العون والهداية ؟) أ.هـ
"الديمقراطية: تأملات وطموحات" مفيدة محمد إبراهيم، إعداد وانتقاء سليمان الخراشي.
المفسدة الثالثة عشر:
الجناية العظيمة على الإسلام والمسلمين، من جهة التشبه بالكفار والعمل بعملهم والسير على طريقهم.
المفسدة الرابعة عشر:
تعطي الديمقراطية لنواب الأمة في البرلمان حقا زائدا من الحصانة في التعبير والإدلاء بآرائهم وتعفيهم من المتابعة والمقاضاة تبعا لما يصرحون به من آراء، ومن هنا يحق لكل شخص, ما دام عضوا في البرلمان أن يتفوه بما يريد.
المفسدة الخامسة عشر:
يتعطل دور المساجد، بل يتعطل دور الدولة ذات النظام الديمقراطي في بناء المساجد، لأن الميزانية المرصودة للمساجد هي كالميزانية المرصودة للملاعب والمنتزهات والفنادق ونحوها، ولا أكون مبالغا إذا قلت: "إن المساجد في الدول الديمقراطية لا تبنيها الدولة وإنما يتبرع بها التجار وأصحاب رؤوس الأموال ممن لا زال الإيمان ينبض في قلوبهم"، فمن يعرف مسجدا بنته دولة ديمقراطية ؟!
وبالجملة ففي الديمقراطية فساد الدين على الناس وفساد معاشهم ومعادهم، ومن تأمل بعين البصيرة علم أن أزمات واضطرابات المجتمعات التي تسير على نظام غير ديمقراطي أقل بكثير من أزمات واضطرابات المجتمعات الديمقراطية.
المبحث الثاني:
مفاسد مشاركة الدعاة في لعبة الديمقراطية:
والمشاركة في لعبة الديمقراطية لها مفاسد عظيمة وكبيرة تهون عندها كل مصلحة من المصالح المزعومة، وإليك بعض هذه المفاسد:
فمن هذه المفاسد:
تثبيت الديمقراطية وترسيخها على أنها حق وقانون شرعي متفق عليه من الجميع، في الوقت التي هي من أردأ صور الباطل وأسوأه، ولا يخفى ما في هذا من جناية على الشريعة وعلى المسلمين، فمن أراد أن يخالف الديمقراطية أو أراد التحاكم إلى الشريعة فأنى له الوصول إلى ذلك وقد أصبحت الديمقراطية هي القانون المتحاكم إليه ؟
ومنها:
إيهام الناس المساكين من العوام وأشباههم أن هذه الديمقراطية من الإسلام وأنها تحمل معنى الشورى، وأنهما لفظان مترادفان اختلفا في اللفظ واتفقا في المعنى، وهذا في حد ذاته خلط في المفاهيم ولبس الحق بالباطل.
ومنها:
افتراق الدعاة فيما بينهم وتراشخهم بالردود والتهم، ما بين ناقد للديمقراطية ومؤيد لها، وما بين طاعن فيها ومنتصر لها.
ومنها:
أن تراشخ الدعاة وافتراقهم سبب عظيم لحيرة الناس وتخبطهم واضطرابهم وترددهم، وتشككهم ونفرتهم من الدعوة جملة وتفصيلا.
ومنها:
أن مشاركة الدعاة إلى الله في البرلمانات هي من أعظم أسباب سوء ظن العوام بالدعاة إلى الله واتهامهم بالجري وراء الدنيا واللهث وراءها، بل وصل الأمر بكثير من العوام أنه يتهم جميع الدعاة إلى الله بدون تفصيل لأنه رأى بعض الدعاة على هذه الطريقة.
ومنها:
أن إقبال الدعاة على تعليم الناس وتربيتهم على الكتاب والسنة وتعليمهم العقيدة الصحيحة وتفقيههم في الدين هو من أعظم أسباب بقاء المجتمعات نقية وصافية، ومن أعظم أسباب سحب البساط على العلمانيين والليبراليين ومن كان على شاكلتهم ممن لا يريد الحكم بالشريعة، لأن العوام هم رأس مال هؤلاء المنحرفين، وإن في الاتجاه إلى البرلمانات تسليم رأس المال إلى هؤلاء المنحرفين ليزرعوا فيهم من المبادئ والأفكار ما يريدون، ولذلك نجد أن أبعد الناس عن السقوط في حضيض الليبراليين هم أهل السنة الذي لا يعرفون هذه المجالس.
ومنها:
الانشغال عن الوظيفة الحقيقية والمؤثرة وهي الدعوة إلى الله في المساجد والمجالس وغيرها.
[size=25]الفصل الرابع:
شيء من تاريخ التجربة الديمقراطية في العالم الإسلامي:
المبحث الأول: تمهيد:
ومشاركة "الإخوان المسلمين" في الإنتخابات والمجالس النيابية قديم جداً فهو من السبعينات في القرن الماضي، أي لهم ما يزيد على ثلاثين عاماً، بل وذكر بعضهم أنهم في بعض البلدان من قبل هذا التاريخ بكثير، وهم مع هذا لم يحصلوا على شيء يذكر سوى فتات من المصالح التي تنغمر ببحار المفاسد، حتى إذا أوشكوا أن يصلوا إلى منصة الحكم استعمل معهم الحكام السلاح والعنف تارة كما حصل في الجزائر، أو يستعملون معهم التزوير ونحوه تارة أخرى.
ونحن هنا سنسوق شيئاً من التجارب المهمة خلال هذه الفترة في العالم العربي معتمدين على مصادر ذكرها غيرنا وفيها بيان شيء من تجربة "الإخوان المسلمين" في مصر, والتي بدأ مسارها تقريبا أواخر عهد السادات أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات، ثم تجربة الإخوان المسلمين في الأردن أواخر الثمانينيات، وكذلك تجربتهم في تونس، والذي تحول إلى حزب النهضة، ثم تجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ أواخر الثمانينيات ومطلع التسعينيات، وتجربة الإخوان المسلمين في اليمن مطلع التسعينيات، بالإضافة للتجارب أخرى.
المبحث الثاني:
تجربة "الإخوان المسلمين" في مصر منذ عهد السادات:
دخل الإخوان المسلمون البرلمان على عهد السادات، وكان أقصى ما حصلوا عليه 8 مقاعد ضمن 52 مقعداً للمعارضة فيما كانت بقية مقاعد البرلمان البالغة أكثر من 460 مقعدا الحزب السادات الحاكم، ولم يتجاوزا حجم الأقلية المسحوقة ضمن أقلية معارضه غير فاعلة.
وفي عهد الرئيس حسني مبارك منع دخولهم بصفة مستقلة على أنهم حزب ديني - أي: بقصر عضويته على أتباع دين معين - فدخلوا من خلال التحالف مع الأحزاب العلمانية الأخرى.
وخرج فريق من شباب الإخوان المسلمين – ومنهم: عبد الوهاب المسيري - فشكل "حزب الوسط" على أنه حزب غير ديني وأدخل فيه بعض النصارى وبعض النساء.
ووصل بهم المقام إلى أن رشحوا امرأة من "الإخوان المسلمين" على قوائم تحالفاتهم في الإسكندرية.
وقد صدر من كبراء "الإخوان المسلمين" في مصر من التصريحات ما يشتمل على التعددية السياسية بأسوأ صورها.
يقول المرشد العام لـ"لإخوان المسلمين" السابق محمد حامد أبو النصر:
(نحن نعتقد أن الحكم الإسلامي لا بد أن يسمح بتعدد الأحزاب السياسة، لأنه كلما كثرت الآراء وتنوعت كلما كثرت الفائدة، ونحن نعتقد أيضا أنه لا بد من أن يمنح الحكم الإسلامي حرية تشكيل الأحزاب حتى للتيارات التي قلت عنها إنها تصطدم بالإسلام كالشيوعية والعلمانية، وذلك حتى يكون من المتاح مواجهتها بالحجة والبرهان، وهذا أفضل من أن تنقلب هذه التيارات إلى مذاهب سرية، وعلى ذلك فلا مانع عندنا من إنشاء حزب شيوعي في دولة إسلامية) أ.هـ
"مجلة المجتمع الكويتية" العدد (777) 22 ذي القعدة 1406 هـ
فلا أدري لماذا تنافسون على الحكم ؟ فهل ستغيرون من الواقع اليوم ؟!
المبحث الثالث:
من تجربة الإخوان المسلمين في الأردن:
"الإخوان المسلمون" في الأردن حزب رسمي مرخص له، ويعمل بصورة رسمية وقانونية، والغالب على من كان هذا حاله أن يتنازل عن كثير من الأشياء، وأول هذه التنازلات هي الاعتراف بأنظمة الحكم التي يرونها في نظرهم كافرة خارجة عن الدين، ويحرصون على الوصول إلى السلطة لتغييرها.
وقد قرر الإخوان دخول الإنتخابات وخوض التجربة منذ أواخر الثمانينيات، وكانت سياسة الملك حسين هي إفساح المجال لهم كلما أحاطت به الأزمات.
وخاض "الإخوان المسلمون" الإنتخابات البرلمانية وحازوا كتلة برلمانية كبيرة وأصبح رئيس البرلمان عضو الإخوان المسلمين" وهو عبد اللطيف عربيات، والذي افتتح أولى جلساته بقوله: (مولاي الملك حسين المعظم .. لقد أثبتّ أنك هاشمي أصيل كما كنت دائما يعربيا أصيلا).
وشكل الملك حسين حكومة من "الإخوان المسلمين" فيها خمس وزراء، منهم يوسف العظم وزيرا للشؤون الاجتماعية، وابن عبد الرحمن خليفة المراقب العام "للإخوان المسلمين" وهو الدكتور ماجد الذي استلم وزارة العدل.
وانجلت الأزمة فقام الملك فأغلق المجال وعاد الإخوان لحجمهم المعهود، ودخلوا في تحالفات عريضة، ومنذ ذلك الحين مازالت الجبهة تدخل المحاولات البرلمانية وكان آخرها الإنتخابات التي حصلت أواسط 2003 حيث شرعت الدولة للإنتخابات طريقة الصوت الواحد للدائرة الإنتخابية فخرجت الأغلبية من المؤيدين للملك ولم تحصل الجبهة إلا على 15 مقعد وطعنت في مشروعية الإنتخابات ولكن بقيت في المجلس المطعون فيه.
ويقول يوسف العظم وهو من كبراء "الإخوان المسلمين" في الأردن:
(أنا من أنصار أن يقف المسلم الشيوعي في المدرج الروماني - وسط عمان - ليشرح الماركسي فكره، والمسلم معتقداته، والبقاء للأفضل، وإن الإسلام هو الذي سيبقى لأنه الأفضل).
"مجلة المجتمع الكويتية" العدد (956،ص25).
المبحث الرابع:
تجربة "الإخوان المسلمين"
في اليمن باسم حزب التجمع اليمني للإصلاح:
في بداية أمرهم اعترضوا على الوحدة لأن الوحدة مع الشيوعيين غير مشروعة، ثم وافقوا عليها لكنهم اعترضوا على الدستور فقط، وخرجوا مظاهرات كبيرة من أجل وضع كلمة: (الشريعة هي المصدر الوحيد للتشريع) في مقدمة الدستور بدلاً من كلمة: (هي المصدر الأساسي)، وبعد أن خرج أكثر من مليون مسلح في تظاهرات تحتج على الدستور وساروا إلى القصر الرئاسي، خرج لفيف من قيادات ومشايخ "الإخوان المسلمين" وأعادوا الناس إلى بيوتهم درءا (للفتنة) كما يقولون.
ثم خاضوا أول انتخابات قامت بعد الوحدة سنة 1993م وكانت سياسة الدولة تقريب "الإخوان المسلمين" من أجل كسر شوكة رؤوس الاشتراكية الذين قدموا مع الوحدة من الجنوب، ففتحت الباب للإخوان المسلمين وصار "التجمع اليمني للإصلاح" ثاني حزب في البلاد من حيث القوة والتمكين، ولا أنسى أنه في ذلك الوقت كان "الإخوان المسلمون" يشنون هجوماً على رؤوس الاشتراكية في اليمن في محاضراتهم وصحفهم ولاسيما "صحيفة الصحوة" بل هم الشغل الشاغل عند "الإخوان المسلمين" في ذلك الوقت، ويطلقون عليهم أوصاف الكفر خفية لأن لعبة الديمقراطية تمنعهم من إطلاق مثل هذه الأحكام على الملأ، وحاولوا اغتيال بعض رؤوسهم على يد جناحهم العكسري وهو جماعة الجهاد في اليمن، وقد قتلوا بعضهم.
وكانت الدولة قد وضعت نظاما لحكم اليمن الموحد بصورة مجلس رئاسي مكون من خمسة أعضاء، يرأسهم الرئيس علي عبد الله صالح ويشاركه في العضوية كل من علي سالم البيض وعبد المجيد الزنداني.
وأدت سيطرة الإصلاح لحصار الاشتراكيين في البرلمان والذي كان يرأسه كبير حزب الإصلاح في اليمن في وقته وهو عبد الله بن حسين الأحمر، ولما شعروا بهذه المضايقة بدؤوا يعدون للانفصال بدعم من دول أخرى، مما أدى إلى الحرب المعروفة والتي تسمى بالحرب الانفصالية، والتي أدت إلى خروج الاشتراكيين من الحكم واعتبارهم حزب معارضة من تلك الأيام، فلما استغنت الدولة عن خدمات "الإخوان المسلمين" أعادت السياسة إلى تقليص دورهم، وعاد "الإخوان المسلمون" كتلة برلمانية محدودة فذهبوا إلى الاشتراكيين لوضع أيديهم في أياديهم مرة أخرى، ولكن عذرهم في هذه التحالفات في هذه المرة أن الاشتراكي تاب إلى الله، وأن الاشتراكي اليوم غير الاشتراكي أمس وهذا ما قاله اليدومي في مقابلة له في "قناة الجزيرة" قبل عدة سنوات، وجهل اليدومي أو تجاهل أن من شروط توبة الشيوعيين والاشتراكيين أن يكفروا بالطاغوت الذي آمنوا به واعتقدوه مدة من الزمن، وانتصروا له، لأن الله يقول: (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى).
وبسبب تحامل "الإخوان المسلمين" على الدولة وسياستها أيدوا الرافضة في شمال اليمن والحراك الاشتراكي في جنوبه لأنهم لا يسيرون على نصوص شرعية وإنما يسيرون على ما تمليه عليهم السياسات.
على أني لا أنسى إلى يومي هذا ما كانت تفعله الدولة بـ"الإخوان المسلمين" بعد توليتهم، فإذا تولوا بعض المناصب غيرت الدولة سياستها في هذا المرفق الحكومي حتى يسخط الناس على "الإخوان المسلمين"، وأذكر من ذلك أنهم عندما تولوا وزارة العدل والأوقاف وجلسوا على كرسيهما ليغيروا كما يزعمون رفعت الدولة أسعار تكاليف الحج فصب الناس سخطهم على "الإخوان المسلمين".
وصنف آخر من "الإخوان المسلمون" لما دخلوا اللعبة الديمقراطية مع ضعف نفوسهم وقلة صبرهم على الدنيا استسلموا للدنيا وباعوا المبادئ التي كانوا يدعون لها وانتقلوا إلى صف الإحزاب الغالبة، فكانوا ضحية لـ"الإخوان المسلمين" الذين قذفوا بمثل هذا الصنف في حمئة هذه السياسة.
واستمر "الإخوان المسلمون" غارقين في لعبة الديمقراطية، وكلما خرج على الناس شيء من عجائب الديمقراطية تصدى "الإخوان المسلمون" لها بالانتصار والتأييد ليعلم الناس أنهم مرنون في الدين وليسوا متشددين، وأنهم متفهمون لواقعهم !!
ومن هذه العجائب ما صدر من بعضهم من الانتصار لمجلس الشيخات اليمنيات، وهو عبد المجيد الزنداني.
قال عبد المجيد الزنداني:
(ففي العالم غيرنا من الدول فيها مجلسان لتمثيل الأمة:
مجلس يسمى بالمجلس النيابي، وهذا المجلس النيابي له ثلاثة حقوق:
الحق الأول: التشريع، والثاني: الرقابة، والثالث: التولية للحكام والعزل.
وجلس آخر هو مجلس الشيوخ، وهذا مجلس الشيوخ له حقان، وليس الحق الثالث، ليس له حق التولية والعزل، بل له حق إبداء الرأي في التشريع والسياسة، وله حق لإبداء الرأي في مراقبة سلوك بعض الحكام والمسئولين يسمى بمجلس الشيوخ وليس له حق العزل والتولية.
فلماذا لا يكون هذا المجلس الثاني مجلس الشيوخ شيخات لماذا لا يكون مجلس المرأة اليمنية) شريط عبد المجيد الزنداني.
وقد نقله شيخنا مقبل رحمه الله في كتابه: "تحفة المجيب" (ص423-424).
المبحث الخامس: في تونس:
فقد أدى نجاح "حزب النهضة" بأكثر من 86% من مقاعد الانتخابات التمهيدية أواخر الثمانينيات، إلى حل الحزب ومطاردة شيخه الغنوشي ونفيه إلى خارج البلاد، وتحول "الإخوان المسلمون" إلى مجموعة مطاردين في المهجر، ولكن بعد أن برروا للحكم بغير ما أنزل الله فأي إنكار يكون بعد هذا على من حكم بغير ما أنزل الله ؟
المبحث السادس:
التجربة الديمقراطية في تركيا:
إلا أن أبلغ العبر كانت في المثال التركي والجزائري الذي كان يجب أن يشكل نهاية للآمال الديمقراطية لدى الإسلاميين ونقطة لإعادة تفكير قيادات الصحوة الإسلامية في جدوى الطريق البرلماني كسبيل لإعادة حكم الشرعية بما أنزل الله ولوضع حلول لمشاركة الأمة وقد عايشت هاتين التجربتين عن قرب وعن كثب ولاسيما في الجزائرية.
تمكن حزب السلامة الإسلامي التركي بزعامة نجم الدين أربكان من الفوز عبر الانتخابات والوصول إلى منصب نائب رئيس حكومة، وقد أدى ذلك إلى انقلاب عسكري أطاح بالتجربة الديمقراطية في تركيا وعاد بالبلاد إلى حكم العسكر.
وبعد مد وج