تعريف النادرة
النادرة شكل من أشكال القص القديم الذي عرف به الجاحظ في كتاب البخلاء.
تقوم النادرة على أخبار قصيرة تراوح بين الهزل والجد ، وكل خبرهو قصة قصيرة مستقلة بذاتها تدور في مجتمع الجاحظ في القرن الثالث للهجرة.
تهدف النادرة إلى مواجهة الفرس في إطار الصراع الشعوبي بين العرب والفرس، فإذ يعتز الفرس بعراقة حضارتهم ويتهموتنالعرب بالتوحش والبداوة فإن العرب الذين يتكلم الجاحظ على لسانهم يتهمون الفرس بالبخل ( لا بمعنى الكسل ولكن بمعنى الشح والضن بالمال) وحب المال والتقتير على النفس.
بنية النادرة: تقوم على بنية الأخبار والأحاديث:
-السند : هو سلسلة الرواة الذين ينقلون الخبر إما معاينة او سماعا وقد يكون الجاحظ نفسه راويا وفاعلا قصصيا في الوقت نفسه.
يمثل السند سلطة مرجعية يستند إليها الجاحظ لتوثيق الخبر ، كما أنه يحول بعض الأخبار من طور التخييل إلى طور الواقع فيتظاهر الجاحظ بالحياد في الوقت الذي يحرك فيه الشخصيات بخيط خفي وفق استراتيجية في القص تقوم على الإضحاك والعبث بالبخيل إلى حد التشفي منه.
المتن:هو موضوع الخبر واحداثه ، ويقوم عادة على حيلة لطيفة وحلية بديعة قوامها المجاز والإيجاز، وبطلها بخيل من الفرس.
تنكشف شخصية البخيل متناقضة فظاهرها الكرم وباطنها البخل ، إذ توهمك بالتواصل مع المجتمع من حيث أنها تخالفها وتخرقهاوتصطدم معها، إن البخيل ذو نظام خاص مخالف لمألوف الجماعة وإن اوهم بالتواصل معها، إذ ينتقي ماشاء من النظام الاجتماعي الذي يعاشه بما يوافق مصلحته .
تبدو ثقافة البخيل محتكمة إلى نموذج قيمي في علاقة صراع مع السائد الاجتماعي في مستوى آداب الضيافة والطعام، إذ يستخدم البخيل أسلوبا في التفكير يعكس ثقافة العصر وتوظيفه إياها لمصلحته دون إلزامه بها سلوكاومنهجا في الحياة وأسلوبا منطقيا يجعل من المال شيئا مقدسا يستوجب التفويت فيه الاستغفار والندم والاستنكار.
إن شخصية البخيل هي شخصية خارجة عن مألوف الجماعة في التعامل والتصور مما يجعل طرد البخيل من قيم الجماعة وعاداتها أمرا ضروريا عند العرب.
مظاهر الهزل والاضحاك:
تنوعت مظاهر الهزل والإضحاك والسخرية في نوادر الجاحظ ، وهي تهدف إلى مقاصد مختلفة، ففي المقام الأول يتحقق بها النقد الاجتماعي لما تقوم عليه النادرة من تصوير انحرافات اجتماعية وسلوك شاذ نتج عن فئة حافظت على طابعها وقيمها الموروثة التي تاثرت بمتغيرات الواقع الاقتصادي في عصرها ، وفي المقام الثاني تحمل النادرة القارئ على تبني سلوك الكرم والسخاء وهو قيمة عربية أصيلة. وإضافة إلى ذلك تحقق إعادة تركيب منظومة القيم والمعايير على نحو يستجيب لمقومات العادات العربية ، وفي الأخير لا تخلو النادرة رغم ما تنطوي عليه من مقاصد نقدية من الترويح عن المتلقي وتسليته واستهداف الجمالية.
إن نوادر الجاحظ في ظاهرها هزل وإضحاك وفي باطنها نقد اجتماعي يهدف إلى الإصلاح.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قصة نادرة
الكوخ المحترق
هبت عاصفة شديدة على سفينة فى عرض البحر فأغرقتها..
ونجا بعض الركاب..
منهم رجل أخذت الأمواج تتلاعب به
حتى ألقت به على شاطئ جزيرة مجهولة و مهجورة.
ما كاد الرجل يفيق من إغمائه
و يلتقط أنفاسه، حتى سقط على ركبتيه
و طلب من لله المعونة والمساعدة
و سأله أن ينقذه من هذا الوضع الأليم.
مرت عدة أيام
كان الرجل يقتات خلالها من ثمار الشجر
و ما يصطاده من أرانب
و يشرب من جدول مياه قريب
و ينام فى كوخ صغير
بناه من أعواد الشجر
ليحتمى فيه من برد الليل و حر النهار
و ذات يوم
أخذ الرجل يتجول حول كوخه
ريثما ينضج طعامه
الموضوع على بعض أعواد الخشب المتقدة
و لكنه عندما عاد
فوجئ بأن النار التهمت كل ما حولها.
فأخذ يصرخ:
"لماذا يا رب؟
"لماذا يا رب؟
حتى الكوخ احترق
لم يعد يتبقى لى شئ فى هذه الدنيا
و أنا غريب فى هذا المكان
والآن أيضاً يحترق الكوخ الذى أنام فيه..
لماذا يا رب كل هذه المصائب تأتى علىّ؟!!"
و نام الرجل من الحزن و هو جوعان
و لكن فى الصباح
كانت هناك مفاجأة فى انتظاره..
إذ وجد سفينة تقترب من الجزيرة
و تنزل منها قارباً صغيراً لإنقاذه
أما الرجل فعندما صعد على سطح السفينة أخذ يسألهم
كيف وجدوا مكانه
فأجابوه:
"لقد رأينا دخاناً، فعرفنا إن شخصاً ما يطلب الإنقاذ" !!!
سبحانه مدبر الأمور كلها من حيث لا ندري ولا نعلم..
*إذا ساءت ظروفك فلا تخف..
فقط ثِق بأنَّ الله له حكمة في كل شيء يحدث لك وأحسن الظن به..
و عندما يصيبك كرب اعلم
أن الله يسعى لإنقاذك
قال الله تعالى
مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القصة الثانية
أتى شابّان إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكان في المجلس وهما يقودان رجلاً من البادية فأوقفوه أمامه
قال عمر : ما هذا
قالوا : يا أمير المؤمنين ، هذا قتل أبانا
قال عمر : أقتلت أباهم ؟
قال الرجل : نعم قتلته !
قال عمر : كيف قتلتَه ؟
قال الرجل : دخل بجمله في أرضي ، فزجرته ، فلم ينزجر، فأرسلت عليه حجراً ، وقع على رأسه فمات...
قال عمر : القصاص ....
الإعدام , قرار لم يكتب ... وحكم سديد لا يحتاج مناقشة ، لم يسأل عمر عن أسرة هذا الرجل ، هل هو من قبيلة شريفة ؟ هل هو من أسرة قوية ؟
ما مركزه في المجتمع ؟ كل هذا لا يهم عمر - رضي الله عنه - لأنه لا
يحابي أحداً في دين الله ، ولا يجامل أحدا ًعلى حساب شرع الله ، ولو كان ابنه القاتل ، لاقتص منه ..
قال الرجل : يا أمير المؤمنين : أسألك بالذي قامت به السماوات والأرض أن تتركني ليلة ، لأذهب إلى زوجتي وأطفالي في البادية ، فأُخبِرُهم بأنك سوف تقتلني ، ثم أعود إليك ، والله ليس لهم عائل إلا الله ثم أنا
قال عمر : من يكفلك أن تذهب إلى البادية ، ثم تعود إليَّ؟
فسكت الناس جميعا ً، إنهم لا يعرفون اسمه ، ولا خيمته ، ولا داره ولا قبيلته ولا منزله ، فكيف يكفلونه ، وهي كفالة ليست على عشرة دنانير، ولا على أرض ، ولا على ناقة ، إنها كفالة على الرقبة أن تُقطع بالسيف .. ومن يعترض على عمر في تطبيق شرع الله ؟ ومن يشفع عنده ؟ومن يمكن أن يُفكر في وساطة لديه ؟ فسكت الصحابة ، وعمر مُتأثر ، لأنه وقع في حيرة ، هل يُقدم فيقتل هذا الرجل ، وأطفاله يموتون جوعاً هناك أو يتركه فيذهب بلا كفالة ، فيضيع دم المقتول ، وسكت الناس ، ونكّس عمر رأسه ، والتفت إلى الشابين : أتعفوان عنه ؟
قالا الشابان : لا ، من قتل أبانا لا بد أن يُقتل يا أمير المؤمنين..
قال عمر : من يكفل هذا أيها الناس ؟!!
فقام أبا ذر الغفاريّ بشيبته وزهده ، وصدقه ,
وقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أكفله
قال عمر : هو قَتْل !!!
قال ابا ذر: ولو كان قاتلا!
قال : أتعرفه ؟
قال : ما أعرفه ، قال : كيف تكفله؟
قال : رأيت فيه سِمات المؤمنين ، فعلمت أنه لا يكذب ، وسيأتي إن شاء الله
قال عمر : يا أبا ذرّ ، أتظن أنه لو تأخر بعد ثلاث أني تاركك!
قا لأباذر : الله المستعان يا أمير المؤمنين ....
فذهب الرجل ، وأعطاه عمر ثلاث ليال ٍ، يُهيئ فيها نفسه، ويُودع أطفاله وأهله ، وينظر في أمرهم بعده ،ثم يأتي ، ليقتص منه لأنه قتل ,,, وبعد ثلاث ليالٍ لم ينس عمر الموعد ، يَعُدّ الأيام عداً ، وفي العصرنادى في المدينة : الصلاة جامعة ، فجاء الشابان ، واجتمع الناس ، وأتى أبو ذر وجلس أمام عمر
قال عمر : أين
أبا ذر ؟ قال : ما أدري يا أمير المؤمنين!
وتلفَّت أبو ذر إلى الشمس ، وكأنها تمر سريعة على غير عادتها ، وسكت الصحابة واجمين ، عليهم من التأثر مالا يعلمه إلا الله .
صحيح أن أبا ذرّ يسكن في قلب عمر ، وأنه يقطع له من جسمه إذا أراد , لكن هذه شريعة ، لكن هذا منهج ، لكن هذه أحكام ربانية ، لا يلعب بها اللاعبون ولا تدخل في الأدراج لتُناقش صلاحيتها ، ولا تنفذ في ظروف دون ظروف وعلى أناس دون أناس ، وفي مكان دون مكان... وقبل الغروب بلحظات ، وإذا بالرجل يأتي ، فكبّر عمر ، وكبّر المسلمون معه
فقال عمر : أيها الرجل أما إنك لو بقيت في باديتك ، ما شعرنا بك وما عرفنا مكانك !!
قال الرجل : يا أمير المؤمنين ، والله ما عليَّ منك ولكن عليَّ من الذي يعلم السرَّ وأخفى !! ها أنا يا أمير المؤمنين ، تركت أطفالي كفراخ الطير لا ماء ولا شجر في البادية ،وجئتُ لأُقتل.. وخشيت أن يقال لقد ذهب الوفاء بالعهد من الناس
فسأل عمر بن الخطاب أبو ذر لماذا ضمنته؟؟؟
فقال أبا ذر : خشيت أن يقال لقد ذهب الخير من الناس
فوقف عمر وقال للشابين : ماذا تريان؟
قالا وهما يبكيان : عفونا عنه يا أمير المؤمنين لصدقه.. وقالوا نخشى أن يقال لقد ذهب العفو من الناس !
قال عمر : الله أكبر ، ودموعه تسيل على لحيته , جزاكما الله خيراً أيها الشابان على عفوكما ، وجزاك الله خيراً يا أبا ذرّ يوم فرّجت عن هذا الرجل كربته ، وجزاك الله خيراً أيها الرجل لصدقك ووفائك ...
وجزاك الله خيراً يا أمير المؤمنين لعدلك و رحمتك......
قال أحد المحدثين :
والذي نفسي بيده ، لقد دُفِنت سعادة الإيمان والإسلام في أكفان عمر