– قوله: إن صح وإلا ففي القلب منه شيء- فهو حديث حسن وهذا لفظه عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر فأمر بمنبر فوضع له في المصلى ووعد الناس يوما يخرجون فيه فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس فقعد على المنبر فكبر وحمد الله عز وجل ثم قال: ((إنكم شوكتم جدب دياركم واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم وقد أمركم الله سبحانه أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم.
ثم قال: {الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين} . لا إله إلا الله يفعل ما يريد اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغا إلى حين ))
ثم رفع يديه فلم يزل في الرفع حتى بدا بياض إبطيه ثم حول إلى الناس ظهره وقلب أو حول رداءه وهو رافع يديه ثم أقبل على الناس ونزل فصلى ركعتين فأنشأ الله عز وجل سحابة فرعدت وبرقت ثم أمطرت بإذن الله تعالى فلم يأت مسجده حتى سالت السيول فلما رأى سرعتهم إلى الكن ضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه فقال:أشهد أن الله على كل شيء قدير وأني عبد الله ورسوله. رواه أبو داود (1173وهو في صحيحه (1064) واللفظ له ،والطحاوى (1/192) والبيهقى (3/349) والحاكم أيضا (1/328). وهو حديث حسن انظر الإرواء (668) وتخريج الكلم الطيب ( 152 ).
ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَأَخَذَ فِي التَّضَرُّعِ وَالِابْتِهَالِ وَالدُّعَاءِ وَبَالَغَ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إِبْطَيْهِ، ثُمَّ حَوَّلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ إِذْ ذَاكَ رِدَاءَهُ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ فَجَعَلَ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْسَرَ عَلَى الْأَيْمَنِ، وَظَهْرَ الرِّدَاءِ لِبَطْنِهِ، وَبَطْنَهُ لِظَهْرِهِ،وَكَانَ الرِّدَاءُ خَمِيصَةً سَوْدَاءَ،َأَخَذَ فِي الدُّعَاءِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَالنَّاسُ كَذَلِكَ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْعِيدِ مِنْ غَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إِقَامَةٍ وَلَا نِدَاءٍ الْبَتَّةَ، جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ، وَقَرَأَ فِي الْأُولَى بَعْدَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1] وَفِي الثَّانِيَةِ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} [الغاشية: 1] .
=============================
صفحة جديدة .
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- << اسْتَسْقَى عَلَى مِنْبَرِ الْمَدِينَةِ >> اسْتِسْقَاءً مُجَرَّدًا فِي غَيْرِ يَوْمِ جُمُعَةٍ، وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هَذَا الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ.
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَدَعَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَحُفِظَ مِنْ دُعَائِهِ حِينَئِذٍ:<< اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا مَرِيعًا طَبَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍ>>(1).
----------------
1 – ضعيف بهذا اللفظ ، الإرواء(1 / 145 - 146)ولكن ورد بلفظ صحيح عند أبي داود: " اللهم! اسقنا غيثاً مُغِيثاً مَرِيئاً، نافعاً غير ضارٍّ، عاجلاً غير آجل ".قال: فأطبقت عليهم السماء.
===============================
صفحة جديدة
الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- :<< اسْتَسْقَى عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ قَرِيبًا مِنَ الزَّوْرَاءِ>> وَهِيَ خَارِجُ بَابِ الْمَسْجِدِ الَّذِي يُدْعَى الْيَوْمَ بَابَ السَّلَامِ نَحْوَ قَذْفَةِ حَجَرٍ، يَنْعَطِفُ عَنْ يَمِينِ الْخَارِجِ مِنَ الْمَسْجِدِ.(1).
الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَسْقَى فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ لَمَّا سَبَقَهُ الْمُشْرِكُونَ إِلَى الْمَاءِ فَأَصَابَ الْمُسْلِمِينَ الْعَطَشُ، فَشَكَوْا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ: لَوْ كَانَ نَبِيًّا لَاسْتَسْقَى لِقَوْمِهِ كَمَا اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: << أَوَقَدْ قَالُوهَا؟ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَسْقِيَكُمْ ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ وَدَعَا>> فَمَا رَدَّ يَدَيْهِ مِنْ دُعَائِهِ حَتَّى أَظَلَّهُمُ السَّحَابُ وَأُمْطِرُوا، فَأَفْعَمَ السَّيْلُ الْوَادِيَ، فَشَرِبَ النَّاسُ فَارْتَوَوْا.
----------------
1 - خريج المشكاة(1504) (صَحِيح) عَن عُمَيْر مولى آبي اللَّحْم أَنَّهُ(( رَأَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَسْقِي عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ قَرِيبًا مِنَ الزَّوْرَاءِ قَائِمًا يَدْعُو يَسْتَسْقِي رَافِعًا يَدَيْهِ قِبَلَ وَجْهِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِمَا رَأْسَهُ)). صحيح أبي داود(1059)صحيح وضعيف الترمذي (557)صحيح وضعيف النسائي(1514).
==========================
صفحة جديدة
حكمة مشروعية الاستسقاء: نعمة الماء نعمة عظيمة ورحمة وفيض من أكبر نعم الله على عباده وخلقه ، وهي تستلزم دوام الشكر الخالص والحمد التام ،مع المحافظة عليها وعدم الإسراف فيها ، وتأخر نزول المطر إنما هو ابتلاء من الله سبحانه لعباده واختبار لهم ؛ هل يرجعون له من الذنوب والمعاصي إلى الطاعات والتوبة والاستغفار ، ويستغفرونه ويسألونه أن يغيثهم ؟ أم يلجئون إلى غيره المخلوقات سواء كانت آلهة أو غير آلهة مثل الكواكب والأنواء ..
وفي منع القطر والغيث عن عباده تذكير لهم بحاجتهم الشديدة وفقرهم وعجزهم على الدوام إلى ربهم سبحانه في نفعهم وغناهم وبقائهم، وحفظهم بإمدادهم، فإنهم لو لم يرحمهم بالغيث لتضرروا وهلكوا ..
ومن رحمة الله أن شرع لهم من الصلاة والدعاء ما يستجلبون به الغيث منه سبحانه وحده وفي ذلك إفراده بالدعاء والالتجاء إليه والتضرع والتبرؤ من الحول والقوة والاستغفار..
وذلك من أعظم العبادة ، بإقرارهم بكمال ربوبيته وغناه، وشدة حاجتهم إليه. باعتقادهم أنه المدبر لشؤونهم المتصرف في جميع أحوالهم .
حكم صلاة الاستسقاء: صلاة الاستسقاء سنة باتفاق وذهب بعض الحنابلة إلى أنها سنة مؤكدة ، وهذا لا يخالف الاتفاق فهم يلتقون مع القول بالسنية وإنما يؤكدونه على الرجال والنساء عند الحاجة للماء، ويسن الاستسقاء جماعة، ويصح منفرداً، ويسن بصلاة، ويصح بدون صلاة، ويسن في الصحراء، ويصح في المسجد في غير الجمعة ، ويسن في خطبة الجمعة، ويصح في غيرها.وصلاة الاستسقاء جماعة في الصحراء أفضل وأبلغ في الخشوع، وأقرب إلى التواضع.
عَنْ عَبْداللهِ بن زَيْدٍ المَازِنِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي، وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ. متفق عليه.
َقَالَ أَبُو عُمَرَ في الاستذكار (2/427)وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ رَكْعَتَانِ يُجْهَرُ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ. (17/172).
وقال ابن عبد البر في الكافي في فقه أهل المدينة (1/210) باب صلاة الاستسقاء : وصلاة الاستسقاء سنة مسنونة إذا احتبس الغيث في زمانه أو تأخر نزول ماء السماء في أوانه وخشي الناس فوات وقت زراعتهم ، أو قحطت زروعهم فخافوا هلاكها ، يبرزون ضحوة في ثياب تواضع إلى حيث تصلى العيد .
قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/324)فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ سُنَّةٌ قَائِمَةٌ لَا يَنْبَغِي تَرْكُهَا.
قَالَ البغوي رَحِمَهُ اللَّهُ شرح السنة (4/105): أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ، وَآكَدُهَا بَعْدَ الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ، مَا يُؤَدَّى جَمَاعَةً مِنَ السُّنَنِ، وَهِيَ خَمْسٌ: صَلاةُ الْعِيدَيْنِ، وَالْخُسُوفَيْنِ، وَالاسْتِسْقَاءِ.
وقال ابن أبي زيد القيرواني في الرسالة (1/51) باب في صلاة الاستسقاء:وصلاة الاستسقاء سنة تقام يخرج لها الإمام كما يخرج للعيدين ضحوة فيصلي بالناس ركعتين يجهر فيهما بالقراءة..
وجاء في التلقين لعبد الوهاب المالكي البغدادي (1/54) باب صلاة الاستسقاء :وصلاة الاستسقاء سنة تفعل عند تأخير المطر والحاجة إليه..
ومن عجائب الزمان وغرائبه أني سمعت إماما يُذكّر بموعد صلاة الاستسقاء ثم عقب على التذكير بقوله : أن صلاة الاستسقاء واجبة بل هي مثل الجمعة بل (أو ربما ) أشد هكذا قال دون أن يذكر أدلة على ذلك ، وأحسست من تذكيره بنبرة حادة شديدة غليظة فهمت من خلالها أنه يريد تخويف الناس بهذه الأحكام الثلاثة الشديدة لأن الغالب في الناس أنهم لا يحضرونها ...
وهذه الأحكام التي ذكرها غير صحيحة بل هي باطلة وأخشى أن تكون من التشريع في شرع الله ما لم يأذن به الله ، فلم أعرف ولم اطلع في حدودي علمي القاصر بعد طول بحث على أحد من أهل العلم قال بهذه الأحكام الجائرة المحدثة ..
وهذا الكلام الخطير الذي صدر منه نُذكره وغيره ممن يجرءون على الله ، بالله تعالى أن يتقوه وأن يرجعوا إلى العلماء قبل إصدار أي حكم يجهلونه فهذا خير لهم ..
وذلكم الإمام قد كاتبه وبينت له خطر قوله فإن لم يرجع عنه فهو يعتبر مشرعا أحكاما لم يأت بها الشرع ولم يقل بها إمام قبله..
فصلاة الاستسقاء سنة بإجماع ، وزاد بعض الحنابلة – كما قلت – آنفا تأكيدها فقالوا بأنها سنة مؤكدة كما في المغني وغيره ، أما أن تكون واجبة فلا ؛ فلم يقل بالوجوب أحد ، وإذا كان عنده علم عن أحد من العلماء فليبينه لنا وإلا فهو متقول مشرع للبدع .
وقد زاد الطين بلة بقوله أن الاستسقاء مثل الجمعة أو أشد وهذا أخطر ، بمعنى من تركها أثم ومن تأخر عنها فهو آثم لأن تارك الواجب أو الوجوب عن عمد يأثم بإجماع.
كما قال العمريطي :
فالواجب المحكوم بالثواب -- في فعله والترك بالعقاب .
وهذا الحكم أيضا لم يقل به أحد في حدود علمي فأين الاستسقاء مما ورد في الجمعة من فضل وترغيب ، ووعيد في تركها وترهيب ، وتصريح بوجوبها ووجوب الغسل لها أين هذا من ذاك ولم يرد شيء في الاستسقاء مثل ذلك إلا الأحاديث التي تدل على مشروعيتها ؟؟
والجمعة تفارق الاستسقاء في كثير من الأحكام ، أهمها الوجوب ، والغسل لها والآذان والإقامة والإنصات وغيرها من الأحكام ، والاستسقاء لا يشترط لها ذلك شرط وجوب ولا شرط صحة ..
فالمقارنة بالجمعة لا تصح بل هو قول باطل ما قال به أحد من أهل العلم ، وإنما قال بعضهم أن صلاة الاستسقاء مثل صلاة العيد في التكبيرات وفي تقديمها على الخطبة ..
والحكم الثالث الذي جاء به ذالكم الإمام – هداه الله - أن صلاة الاستسقاء أشد من الجمعة أي حكما بمعنى أن المتأخر عنها حكمه في الإثم أشد ممن يتأخر عن الجمعة ، وهذا عين التقول على الشرع والتقرير لأحكام ما أنزل الله بها من سلطان ، وهي مدعاة لاعتقاد الجهال بهذا الحكم وتقريره وهو حكم خارج عن حكم الشرع لم يقل به أحد فيما أعلم. فمن سلفك في هذا يا هذا ؟
وقد نقل الإجماع على سنية الاستسقاء جماعة من العلماء أنقل طرفا من أقوالهم هنا :
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ في الاستذكار (2/426)أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ لِلِاسْتِسْقَاءِ وَالْبُرُوزَ عَنِ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالدُّعَاءِ وَالضَّرَاعَةِ فِي نُزُولِ الْغَيْثِ عِنْدَ احْتِيَاجِهِ سُنَّةٌ مَسْنُونَةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَمَلَهَا الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ .التمهيد (17/172)
قال النووي في شرح مسلم (6/187)(كتاب صلاة الاستسقاء أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ سُنَّةٌ ، وَاخْتَلَفُوا هَلْ تُسَنُّ لَهُ صَلَاةٌ أَمْ لَا ؛ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُسَنُّ لَهُ صَلَاةٌ بَلْ يُسْتَسْقَى بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاةٍ وَقَالَ سَائِرُ الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ تُسَنُّ الصَّلَاةُ وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ إِلَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَتَعَلَّقَ بِأَحَادِيثِ الِاسْتِسْقَاءِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ .
وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى لِلِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ فَبَعْضُهَا مَحْمُولٌ عَلَى نِسْيَانِ الرَّاوِي وَبَعْضُهَا كَانَ فِي الْخُطْبَةِ لِلْجُمُعَةِ وَيَتَعَقَّبُهُ الصَّلَاةُ لِلْجُمُعَةِ فَاكْتَفَى بِهَا وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ أَصْلًا كَانَ بَيَانًا لِجَوَازِ الِاسْتِسْقَاءِ بِالدُّعَاءِ بِلَا صَلَاةٍ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَتَكُونُ الْأَحَادِيثُ الْمُثْبِتَةُ لِلصَّلَاةِ مُقَدَّمَةً)
وقال القاضي عياض كما في إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/312): لا خلافَ في جواز الاستسقاء، وأنه سنة..
وقال ابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد(1/244) الْبَابُ السَّابِعُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ]:
ِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ، وَالْبُرُوزَ عَنِ الْمِصْرِ، وَالدُّعَاءَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - وَالتَّضَرُّعَ إِلَيْهِ فِي نُزُولِ الْمَطَرِ سُنَّةٌ سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلَاةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الْخُرُوجِ إِلَى الِاسْتِسْقَاءِ إِلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ مِنْ سُنَّتِهِ الصَّلَاةُ. ثم ذكر سبب الخلاف فليرجع إليه .
وفي القوانين الفقهية لابن جزي المالكي (1/60) الْبَاب السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِي الاستسقاء وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول :
(الْفَصْل الأول) فِي أَحْكَام صَلَاة الاستسقاء وَهِي سنة اتِّفَاقًا ..وكذلك في التاج والأكليل لمختصر خليل (2/593).
وقال العيني في شرح أبي داود (5/5): فأجمع العلماء على أنه سُنَّة. وأما كيفيته: فقال مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد: السُنَّة: أن يصلي الإمام ركعتن بجماعة كهيئة صلاة العيد. وقال أبو حنيفة: الاستسقاء استغفار ودعاء.
وقال في عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/19): وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَلَا يُقَامُ.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار (4/9) وَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ أَيْضًا بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِصَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ كَمَا حَكَى ذَلِكَ النَّوَوِيُّ وَغَيْرُهُ..
وممن حكى الإجماع الباجي في شرح الموطأ (1/646).
وقال صديق حسن خان في الروضة الندية شرح الدرر البهية (1/415): شرحا لقول الشوكاني في المتن : متى تسن صلاة الاستسقاء ؟ وكم عدد ركعاتها ؟
قال : وهذه الصلاة مسنونة ( تسن عند الجذب) لعدم ورود ما يدل على الوجوب .
قلت : وهذا الكتاب علق عليه كل من الشيخ أحمد شاكر ، والشيخ الألباني ولم يتعقبوا الماتن ولا الشارح بشيء كعادتهم إذا رأوا مخالفة للسنة أو شيئا يحتاج إلى توضيح أو بيان .
وسئل الشيخ ابن باز – رحمه الله - عن صلاة الاستسقاء وحكمها والتفصيل فيها كما في مجموع في فتواه فقال :
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعـد: فصلاة الاستسقاء سنة قد فعلها المصطفى- عليه الصلاة والسلام - لما أجدبت المدينة، خرج بالناس بعد ارتفاع الشمس وصلى بهم ركعتين مثل صلاة العيد، هذا هو السنة، يصلي ركعتين ثم يخطب الناس ويذكرهم ويكثر في خطبته من الدعاء وسؤال الله الغيث والنبي- صلى الله عليه وسلم - لما صلى خطب الناس وذكرهم ورفع يديه ودعا ..
وقال: << اللهم أسقنا غيثاً مغيثا هنيئاً مريئاً غدقاً مجللاً طبقاً عاماً نافعاً غير ضار عاجلاً غير آجلاً تحيي به البلاد وتسقي به العباد..>> إلى آخر دعواته الكثيرة عليه الصلاة والسلام. إلى آخر ما قال حول كيفيتها ووقتها ..
وسئل الشيخ عبد المحسن العباد عنها هذا السؤال فأجاب كما في شرح سنن أبي داود (23/145) السؤال : ما حكم صلاة الاستسقاء؟ وإذا أمر بها الإمام هل تخرج النساء في الاستسقاء
الجواب :
صلاة الاستسقاء هي سنة، وليست واجبة أبداً، بل هي سنة مستحبة، ولو أمر بها الإمام فهي سنة، ولا يلزم أنها تكون واجبة، لكن الإمام هو الذي يأمر بها والناس يخرجون بناءً على أمر الإمام، كما في فعل الرسول - صلى الله عليه وسلم- فهو الذي وعدهم يوماً يخرجون فيه، لكنه لا أحد يقول بوجوبها.وأما بالنسبة للنساء فلا أعلم شيئاً يمنع النساء من الخروج.
سنن صلاة الاستسقاء :
1 - الخروج إلى المصلى .
ففي البخاري (1027 ): بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ فِي المُصَلَّى :
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: << خَرَجَ النَّبِيُّ - r- إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ >> قَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي المَسْعُودِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: «جَعَلَ اليَمِينَ عَلَى الشِّمَالِ>>.
2 – الخروج مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلًا مُتَضَرِّعًا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا مَنَعَهُ أَنْ يَسْأَلَنِي؟قَالَ:<<خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ-r-مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَرَسِّلًا مُتَضَرِّعًا،فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ، وَلَمْ يَخْطُبْ خُطْبَتَكُمْ هَذِهِ>>أبو داوود(1165)وابن ماجة (1266).
وهذا الحديث وإن كان فيه مقال .إلا أن الحال تستوجب أن يخرج إلى الاستسقاء كذلك والتبذل : ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع.بمعنى لا يلبس أحسن الثياب ويتطيب بأحسن ما يجد من الطيب كما يفعل في الجمعة وصلاة العيدين .
3- الاستسقاء في المسجد :
الاستسقاء في المسجد أي أداء صلاة الاستسقاء في المسجد في غير الجمعة ، أما يوم الجمعة فيكفى بالدعاء فوق المنبر فقط .
بوب البخاري في صحيحه : بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ فِي المَسْجِدِ الجَامِعِ .
عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ وِجَاهَ المِنْبَرِ، وَرَسُولُ اللَّهِ - r- قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَتِ المَوَاشِي، وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُغِيثُنَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ- - يَدَيْهِ، فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا» قَالَ أَنَسُ: وَلاَ وَاللَّهِ مَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ، وَلاَ قَزَعَةً وَلاَ شَيْئًا وَمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ مِنْ بَيْتٍ، وَلاَ دَارٍ قَالَ: فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ، فَلَمَّا تَوَسَّطَتِ السَّمَاءَ، انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشَّمْسَ سِتًّا، ثُمَّ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ ذَلِكَ البَابِ فِي الجُمُعَةِ المُقْبِلَةِ، وَرَسُولُ اللَّهِ -r- قَائِمٌ يَخْطُبُ، فَاسْتَقْبَلَهُ قَائِمًا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلَكَتِ الأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتِ السُّبُلُ، فَادْعُ اللَّهَ يُمْسِكْهَا، قَالَ: فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ - r– يَدَيْهِ..
ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ وَالجِبَالِ وَالآجَامِ وَالظِّرَابِ وَالأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ» قَالَ: فَانْقَطَعَتْ، وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ.
4 - استقبال القبلة بَابُ اسْتِقْبَالِ القِبْلَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ:
البخاري 1028 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الوَهَّابِ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَنَّ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى المُصَلَّى يُصَلِّي، وَأَنَّهُ لَمَّا دَعَا - أَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ - اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ» قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا مَازِنِيٌّ، وَالأَوَّلُ كُوفِيٌّ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ»
ومسلم(894) عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبَّادُ بْنُ تَمِيمٍ الْمَازِنِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَمَّهُ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «خَرَجَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا يَسْتَسْقِي، فَجَعَلَ إِلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ، يَدْعُو اللهَ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ...>>
5- صلاة ركعتين فقط : عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: <<خَرَجَ النَّبِيُّ - r- إِلَى المُصَلَّى يَسْتَسْقِي وَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ>>. تخريجه في الحديث الآتي بعده.
6- الجهر بالقراءة في صلاة الاستسقاء
عن عباد بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَسْقَى فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَجَهَرَ بالقراءة .صحيح ـ ((صحيح أبي داود)) (1053).
7 - قلب الرداء بجعل اليمين على الشمال : ففي البخاري 1005 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ:<<خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَسْقِي وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ>> .
ومسلم(894) أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيَّ، أَخْبَرَهُ «أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي، وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ، اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ>>.
8- فِي أَيِّ وَقْتٍ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ إِذَا اسْتَسْقَى : ففي سنن أبي داود : جُمَّاعُ أَبْوَابِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ
يتبـــــــــــــــــــــــــع