بسم الله الرحمن الرحيم
يا طالبَ العلم , كُنْ و لا تَكن
الحمد لله ربِّ العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين .
مِنْ محاسن الإسلام أنَّه جاء لينتقلَ بالبشر مِن الرذيلة إلى حياة كريمة مشرقة بالفضائل , و الآداب ,و الأخلاق الحميدة , و هذا يُعتبر مِنْ أصول الحياة التي يدعو إليها الإسلام , و يحترم ذويها .
و أحقُّ الناس بهذه الفضائل و المحاسن هم العلماء و طلابهم , و ذلك لمكانتهم و دورهم في إنقاذ البشرية مِن الجهل و الظُّلم و الجور , و هذا لا يتحقق إلا بالتطبيق العملي لتعاليم الإسلام , علماً , و عقيدةً , و منهجاً , و عملاً , وأخلاقا, و آداباً , و سلوكاً .
و حتى تثمر هذه التعاليم الإسلامية في المجتمعات , لابدَّ مِن القدوة الحسنة , التي لها الأثرُ الطيب في جلب المحبة الخالصة بين الناس , عن طريق التربية الخُلُقِيَّة و إصلاح النفوس مِن أمراض القلوب, بذلك يتغلَّب الخير على الشر , و الفضيلة على الرذيلة , فحينئذٍ نلمس السماحة و الوفاء و المروءة و التعاون و الكرم و السخاء و حسن الجوار ,و احترام الكبار و العطف على الصغار , و كل هذا من مهام ووظيفة الدعاة إلى الله , وفق منهج الأنبياء و الرسل .
* فيا طالبَ العلم كُن مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر,تكن مِن عباد الله المتقين, و لا تكن مفتاحاً للشر,مغلاقاً للخير,حتى لا تكون أشر الناس.
* كن مخلصاً في دعوتك , و لا تكن مِن أصحاب الرّياء و السُّمعة , و لا تنتظر ثناء الناس ,و حَمدهم,لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" إنّما الأعمال بالنيات ,وإنّما لكلِّ امرئٍ ما نوى ...." الحديث
(متفق عليه )
* كن على بينة في دعوتك و لا تكن جاهلاً بما تدعو إليه , و إيّاك أنْ تدعو على جهالة , و إيّاك أنْ تتكلم فيما لا تعلم , لقوله تعالى :
" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ"
(108 سورة يوسف)
و قال تعالى :" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"
(33سورة فصلت)
فالجاهل يهدم و لا يبني و يفسد و لا يصلح .
* كن حليماً , حكيماً , رفيقاً في دعوتك , صبوراً على أذى الناس , لقوله تعالى :" وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ" (24 سورة السجدة)
و قال تعالى :" ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (125سورة النحل)
و قال تعالى في قصة موسى و هارون مع فرعون :" فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى"
(44سورة طـه)
و لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" اللهم مَنْ وُلِيَّ مِن أمر أمتي شيئاً فرفق بهم , فأرفق به , و مَن وُلِيَّ مِن أمر أمتي شيئاً , فشقَّ عليهم , فأشقُقُ عليه " ( رواه مسلم )
و لا تكن عنيفاً مؤذياً , ضاراً, منفِّراً, متنطِّعاً , متشدداً , متعجلاً , مندفعاً , لقوله – صلى الله عليه و سلم- :" و إنَّ منكم منفِّرين "
( متفق عليه )
و قوله – صلى الله عليه و سلم _ :" يَسِّروا و لا تُعسِّروا , و بشِّروا و لا تُنفِّروا "
( متفق عليه )
* كن عاملاً بعلمك , قدوة صالحة لغيرك , أميناً ,صدوقاً , لقوله تعالى :" {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ*كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ" (2 – 3 سورة الصف )
و قال تعالى :" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ"
(33سورة فصلت)
و لا تكن مِمَّن ينسى نفسه عن العمل بما يعلم , لقوله تعالى :" أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ" (44 سورة البقرة)
* كن مؤدياً للأمانات , عادلاً في حكمك بين الناس , لقوله تعالى :"إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا "
(58سورة النساء)
و لا تكن خائناً,ظالماً , خاذلاً للناس,لقوله– صلى الله عليه وسلم-:"المسلم أخو المسلم ,لا يخونه , و لا يكذبه,و لا يخذله, ...." الحديث (رواه الترمذي و هو صحيح )
* كن رؤوفاً رحيماً بالناس , لقوله تعالى :" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ "
(159 سورة آل عمران)
ولا تكن فظاً غليظ القلب , لقوله تعالى :" وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ"
(159 سورة آل عمران)
و لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" مَنْ لا يَرحم لا يُرحم "
( متفق عليه )
فإذا ظهر مِن المدعو العناد و الظلم , و ما يستدعي الغلظة و الشدة , فلا مانع مِن ذلك , لقوله تعالى :" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ واغلظ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"
(9 سورة التحريم)
و لقوله تعالى :" وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" (46 سورة العنكبوت)
* كن على الجادة متبعاً للكتاب و السنة , لقوله تعالى :" قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108سورة يوسف)
و لا تكن متبعاً للهوى , منتصراً للنفس , مُمَيِّعاً , تَتَخَطَّفُك الأهواء وتُصاب بداء الكَلَبْ .
* كن طالباً للعلم , ملازماً للعلماء و المشايخ , لقوله –صلى الله عليه و سلم - :" طلب العلم فريضة على كل مسلم "
( رواه الطبراني في الصغير و الحديث صحيح )
و لا تكن جاهلاً متعالماً , متخبِّطاً , لقوله تعالى :" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ"
(9 سورة الزمر)
قال ابن حزم – رحمه الله - :" لا آفة على العلوم و أهلها أضر مِن الدخلاء فيها , و هم مِن غير أهلها , فإنَّهم يجهلون و يظنون أنَّهم يعلمون , و يفسدون و يقدِّرون أنَّهم يصلحون "
( التعالم ص 7 )
* كن باراً بوالديك و مشايخك , لقوله تعالى:" {وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا "
(15سورة الأحقاف)
و لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ..." الحديث
(رواه أبو داود و هو صحيح )
قال الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله - :" فليكن شيخك على إجلال منك و إكرام و تقدير و تلطُّف , فخذ بمجامع الآداب مع شيخك في جلوسك معه , و التحدث إليه و حسن السؤال و الاستماع "
( حلية طالب العلم ص 35 )
و لا تكن عاقاً قاطعاً للرحم , لقوله تعالى :" وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ"
(25سورة الرعد)
و لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" لا يدخل الجنة قاطع " , قال سفيان في روايته – يعني قاطع رحم "
( متفق عليه )
قال الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله - :" فلابدَّ مِن التَّأصيل و التأسيس لكل فن تطلبه , بضبط أصله , و مختصره على شيخ مُتقِن , لا بالتحصيل الذاتي وحده , و أخذ الطلب بالتدرُّج "
( حلية طالب العلم ص 25 )
* كن متواضعاً مع خلق الله , و تكريمهم و مخاطبتهم بلين القول مع حسن بيان , لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" و ما تواضع أحد لله إلا رفعه الله " ( رواه مسلم )
و لا تكن جباراً متكبراً , متحدياً , لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" أشدُّ الناس عذاباً يوم القيامة , أشدُّ الناس عذاباً للناس "
( رواه الحاكم و الحديث صحيح الإسناد )
* كن مِمَّن يدعون إلى الأُخُّوة والمودة والائتلاف بين أهل السنة والجماعة,لقوله تعالى:" وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ "
(103 سورة آل عمران)
و لقوله تعالى :" إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ"
(10سورة الحجرات)
و قوله – صلى الله عليه و سلم - :" وكونوا عباد الله إخواناً "
( رواه مسلم )
و لا تكن ممن يثيرون الفتن و البغضاء و الفرقة و التنافر بين المسلمين , لقوله تعالى :" وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (25 سورة الأنفال)
* كن ممن يعرفون الفضل لأهل الفضل , و الشكر لأهل الشكر لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله "
( رواه الترمذي و الحديث صحيح )
و لا تَكن مِمن نُزِعتْ الرحمة مِن قلوبهم و لا يعرفون الفضل لأهل الفضل , لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" ليس مِنا مَن لم يُجلَّ كبيرنا , و يرحم صغيرنا , و يعرف لعالمنا حقه "
( رواه الإمام أحمد و الحديث حسن )
ندعو الله أنْ نكون مِن أصحاب كُنْ , كما ندعوه أنْ يَصرف عنَّا أصحاب لا تكن .
و آخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين
منقــــــــول للفائدة