عاشوراء.. يوم من أيام الله سبحانه
في هذا الشهر يوم عظيم هو يوم عاشوراء، وهو يوم من أيام الله سبحانه، نجَّى فيه نبيه موسى من عدوه فرعون بعد أن تكبر فرعون ورفض دين الحق ولم يسمح لبني إسرائيل باتباع موسى، بل إنه أنكر وجود رب العالمين وقال بكل تكبر وتجبر: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص 38]، و يبين لنا القرآن كيف أهلك الله فرعون وجنوده لما طاردوا موسى وبني إسرائيل، فنجى الله موسى وقومه، وأغرق فرعون وجنوده، وجعلهم عبرة للمعتبرين، يقول سبحانه: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء 52-68].
فهذا الشهر إذًا شهر عظيم، فيه هذه المناسبة العظيمة التي ينبغي أن نقف عندها ونتأمّلها ونستفيد من دلالاتها. ظل اليهود يعظّمون هذا اليوم العظيم يوم عاشوراء، وعندما هاجر رسول الله من مكة إلى المدينة وجدهم يصومون هذا اليوم، وعندما علم السبب جعله يوما مميزا من أيام المسلمين، أخرج ابن ماجه عن ابن عباس قال: قدم النبي المدينة فوجد اليهود صياما، فقال: ”ما هذا؟” قالوا: هذا يوم أنجى الله فيه موسى وأغرق فيه فرعون فصامه موسى شكرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ”نحن أحق بموسى منكم”، فصامه وأمر بصيامه.
نعم نحن أحق بموسى منهم؛ لأن المسلمون هم الذين يتبعون هدي الأنبياء وعقائدهم ويؤمنون بهم جميعا قال تعالى:{لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة:285] وقال أيضا: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران 68].
فيوم عاشوراء هذا اليوم الذي نصر الله فيه أولياءه وقهر أعداءه، واليوم الذي ارتفعت فيه كلمة الحق وأزهقت كلمة الباطل، اليوم الذي قال فيه موسى لقومه لما قالوا له وهم يرون فرعون وجنوده خلفهم: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} [الشعراء:61]، قال موسى بلغة المؤمن الواثق من وعد الله: {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62].
وشاءت الأقدار أن نشهد في هذه الأعوام اقترانا في التاريخ بين الإحتفال بذكرى الأول من نوفمبر وبداية العام الهجري بأيامه المباركة.. في مثل هذه الأيام تيقن مجاهدو ثورة التحرير المباركة من نصر الله كما نصر أجدادهم الأوائل.. فأطلقت الشرارة الأولى للكفاح ضد الظلم الفرنسي في الفاتح من أول نوفمبر 1954م. إنطلاقا من كل هذه الأحداث حُق لكل مؤمن أن يعرف قدره ومقداره، وأن يتيقن فيه من سنة الله الكونية في نصرة أوليائه الذين ينافحون عن دينه ودحر أعدائه.. ولقد شرع لنا في يوم عاشوراء الصيام تقربا إلى الله سبحانه وشكرا على نجاة موسى عليه السلام، لهذا صامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصامه أصحابه رضي الله عنهم، ولا زالت الأمة تصوم هذا اليوم وتتأسى بنبيها في صيامه. ولقد سن لنا نبينا أيضا صيام اليوم التاسع من هذا الشهر، يقول في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه عن ابن عباس: ”لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع”، أي: إن عشت إلى العام المقبل لأصومن التاسع أيضا، ولكنه مات قبل أن يصومه ، لهذا يسنّ صيام هذين اليومين اللذين رتب الله سبحانه على صيامهما أجرا عظيما، لا ينبغي لمسلم أن يزهد فيه أو يفرط، فقد ذكر أن صيام عاشوراء يُكفِّر السنة التي قبله، فيا له من فضل عظيم، ويا لها من بشرى طيبة، عن أبي قتادة أن رسول الله صلى الله علي وسلم قال عن صيام يوم عاشوراء: ”إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله” أخرجه أبو داود.
ولقد ارتبطت مناسبة عاشوراء عند بعض الطوائف في الدول العربية بالحزن والعويل وضرب الصدور وغير ذلك من خزعبلات ينبغي أن يبتعد عنها المسلمون، فخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم.