الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه إلى يوم الدين .
أما بعد :
فقد اختلف أهل العلم في حكم بيع جلد الأضحية على ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا يجوز. وهذا قول الشافعية ورواية عند الحنابلة، وعلّلوا ذلك بأنه جعل الأضيحة كلها لله تعالى فلم يَجُزْ له بيع شيء منها، كالوقف.
ودليلهم الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن علي رضي الله عنه قال:<<أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بُدنه فأقسم جلالها وجلودها، وأمرني أن لا أعطي الجازر منها شيئا، وقال: نحن نعطيه ما عندنا>> البخاري (1716)ومسلم (1317) والجلال بالكسر ما يكون على الإبل من أكسية ونحوها.
وبحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:<< من باع جلد أضحيته فلا أضحية له>> . صحيح الجامع (6118) وقال (حسن) [ك هق] عن أبي هريرة. وصحيح الترغيب (2/103)( 1088).
القول الثاني: يجوز. وهو قول الحسن البصري والنخعي والأوزاعي، وعلّلوا ذلك بأنه يجوز له الانتفاع بالجلد كما يجوز الانتفاع باللحم فجاز له بيعه.
وقد ذكر ابن بطال حجتهم في ذلك ثم رد عليها - رحمه الله تعالى- بقوله في شرح البخاري (4/391):" وأما من أجاز بيع جلودها، فإنما قال ذلك والله أعلم قياسًا على إباحة الله الأكل منها، فكان بيع الجلد والانتفاع به تبعًا للأكل..
ثم قال : وهذا ليس بشيء؛ لأنه يجوز أكل لحمها، ولا يجوز بيعه بإجماع، والأصل في كل ما أخرج لله تعالى أنه لا يجوز الرجوع في شيء منه ، ولولا إباحة الله الأكل منها ما جاز أن يستباح، فوجب ألا يتعدى الأكل إلى البيع إلا بدليل لا مُعارِض له.
أقول: وقول ابن بطال : والأصل في كل ما أخرج لله تعالى أنه لا يجوز الرجوع في شيء منه ،هذا إذا كان على وجه البر وكان مباشر بين العبد وربه ، أما إذا كان على وجه البر وكان صدقة أو هدية أو هبة ففي هذه الحالة الحكم يتغير كما سيأتي لكن الأجر باق إن كان مخلصا يبتغي وجه الله تعالى .
القول الثالث: يجوز له بيعه إذا نوى الصدقة بثمنه، وهذا قول مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأبي هريرة راوي حديث المنع ذكرهما ابن بطال في شرحه للبخاري (4/391) فروي عن ابن عمر أنه لا بأس بأن يبيعه، ويتصدق بثمنه، وقاله أحمد وإسحاق. وقال أبو هريرة: << من باع إيهاب أضحيته فلا أضحية له>> ورخص أبو هريرة في بيعه.
وهو قول الحنفية، ورواية عند الحنابلة، وعلّلوا ذلك بأن الصدقة بثمنه جهة بر كجهة الأضحية فجاز بيعه مادام نيته التصدق به .
وعللوا أيضا أنه كما يجوز للمضحي أن يأخذ الجلد له وينتفع به بالاتفاق، فبيعه للتصدق بثمنه أولى بالجواز..
أقول : هذا في حق المضحي في نفسه ،أنه لا يجوز له بيعه إلا على وجه التصدق بثمنه كأنه تصدق بجزء من أضحيته وخاصة إذا تحقق لديه أن هذا الجلد سيتلف ويرمى في القمامة ..
أما إذا تصدق به أو أهداه وخرج من ملكيته فالحكم يتغير فيجوز حينئذ بيعه لمن ملكه عن طريق الصدقة والهبة والهدية وهذا هو القول الراجح، لما يأتي :
وهو أن صاحب الأضحية لم يبع أضحيته وإنما أعطاها وتصدق بها أو وهبها إلى شخص آخر أو جهة أخرى سواء كان إنسانا فقيرا أو موسرا أو جمعية دينية أو جمعية خيرية – كما يسمونها - فقد خرج جلد الأضحية عن هذه الصفة ، صفة الأضحية وأثر فيه حكم الهبة والصدقة بعد أن أصبح ملكا لمن أُعطي له، والدليل على هذا حديث بريرة رضي الله عنها فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلَحْمٍ فقَالَ : <<مَا هَذَا ؟>> قَالُوا شَيْءٌ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ. فَقَالَ:<< هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا >> البخاري (2577) و(1493)ومسلم (1074).
فالنبي صلى الله عليه وسلم ، لا تحل له الصدقة باتفاق ، ولكن لما تملكتها بريرة ، وأصبحت في حوزتها تتصرف فيها كما تحب تغير الحكم فصارت هدية منها للنبي صلى الله عليه وسلم ،ولم يبق الوصف الأول- الصدقة التي تحرم عليه- ملازما لها بسبب التملك ، وإن كان في حقها عنده هي صدقة ، وهكذا جلد الأضحية إذا أعطاه صاحبها لغيره،وتصدق به أو وهبه وأهداه لغيره أي كان جهة رسمية أو فرد صار ملكا للمتصدق عليه باتفاق ،فجاز له التصرف فيه بالانتفاع به بالبيع أو الهبة أو الصدقة وبهذا أفتت اللجنة الدائمة ففي الفتوى رقم ( 16411 )السؤال :
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. وبعد:
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي رئيس وحدة النشر بالمؤسسة الإسلامية بكلنتان ماليزيا / لقمان بن الحاج عبد اللطيف بن سليمان ، بواسطة مدير عام الدعوة في الخارج بالنيابة والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (5836) وتاريخ 10/11/1413هـ، وقد سأل المستفتي سؤالا هذا نصه: ( الجزء رقم : (10/الصفحة رقم: 444 -446).
يسعدني الإبانة لسماحتكم إشكالنا عن جواز أن يهب أو يتصدق أو يهدي المضحون جلود الأضاحي لأية لجنة أو هيئة إصلاحية في كل دائرة لتتولى بالانتفاع بها - أعني الانتفاع بثمنها عن طريق بيعها لتاجر الجلود المسلم - في أمثال إقامة أجنحة المصليات والمساجد أو مدارس القرآن الكريم أو رياض الأطفال الإسلامية أو في دفع مكافآت لخدام المسجد أو في شراء فرشة أو أدوات التنظيف أو في تسوير مقابر المسلمين أو لوجوه أخرى إصلاحية تعود بالخير لعامة المسلمين في دائرة هؤلاء المضحين؟
وقد قرأت في كتاب: (الترغيب والترهيب من الحديث الشريف) حديثًا عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: << من باع جلد أضحيته فلا أضحية له >>رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. قال الحافظ: في إسناده عبد الله بن عياش القباني المصري - مختلف فيه، وقد جاء في غير ما حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن بيع جلد الأضحية .
ثم في الهامش شرح لمعنى (فلا أضحية له) أي فليس له ثوابها، الكامل (صفحة 156 الجزء الثاني) - طبعة دار إحياء التراث العربي - بيروت .
والمسألة أن المضحين لا يبيعون تلك الجلود مباشرة، وإنما تصدقوا أو وهبوا أو أهدوا كلها لممثلي تلك الهيئة أو اللجنة الإسلامية، وبذلك انتقلت ملكيتها إليها، ومعلوم أن مستلمي لحوم الأضاحي يجوز أن يكونوا من الموسرين ومن الفقراء والمساكين ما داموا مسلمين وهم أشخاص أما تلك اللجان أو الهيئات فليسوا بأشخاص، إنما هي أشخاص قانونية أو اعتبارية أو معنوية، كأنها تنوب عن مسلمي المنطقة.
والجلود من الأضاحي قد تدفن، لا ينتفع بها في أوساطنا اليوم، ونرى أنه لا ينبغي للمسلمين إضاعتها بالكلية، كما نرى أن من الأحسن لجهات السلطة اتخاذ خطوة إصلاحية مرتبة ومنظمة لمرحلة بناء مصانع الجلود في كل دولة إسلامية، انطلاقًا من هذا الأساس الإسلامي، الذي تكلم عن الجلود ليس فقط في الحديث النبوي وإنما في القرآن الكريم، أرجو من سماحتكم التفضل بالرد والفتوى في هذا الخصوص، جزاكم الله عن مسلمي ماليزيا خيرًا نظرًا إلى أنني بعد محاولة البحث في كتب مجموعة الفتاوى لم أوفق إلى الحصول على فصل المشكلة، وإسراعكم بالفتوى سيفيدنا عاجلاً للنداء قبيل استقبالنا عيد الأضحى في هذا العام.
ولسماحتكم خالص دعائي والله يرعاكم ويحفظكم ويسدد خطانا نحن أبناءكم الماليزيين بإرشاداتكم.
الجواب : وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه إذا أعطي جلد الأضحية للفقير أو وكيله فلا مانع من بيعه وانتفاع الفقير بثمنه وإنما الذي يمنع من بيعه هو المضحي فقط وكذا لا مانع أن تبيع الجمعيات الخيرية ما تحصل لديها من جلود الأضاحي وصرف القيمة لصالح الفقراء. الجزء رقم: ( 10، الصفحة رقم: 446)
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
بكر أبو زيد عضو - عبد العزيز آل الشيخ نائب الرئيس- صالح الفوزان عضو - عبد الله بن غديان عضو - عبد الرزاق عفيفي عضو- عبد العزيز بن عبد الله بن باز الرئيس.