]لماذا لانجد في سيرة الأنبياء والرسل الحرص على الملك والمناصب؟!].
قال العلامة ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله في «منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله» (ص:١١١ ومابعدها):
«الله سبحانه وتعالى، لم يكلفهم -ابتداء- كما في سيرهم وقصصهم بإقامة دول وإسقاط أخرى وذلك في غاية الحكمة، لأن الدعوة إلى إقامة دولة تلوح فيها المطامع لطلاَّب الدنيا، وطلاب الجاه والمناصب، وأصحاب الأغراض والأحقاد وأصحاب التطلعات والطموحات؛ فما أسرع ما تستجيب هذه الأصناف للدعوة إلى قيام دولة يرون فيها تحقيق مآربهم وشهواتهم ومطامعهم.
لمثل هذه الاعتبارات - والله أعلم - وغيرها مما يعلمه الله الخلاّق العليم الحكيم ابتعدت دعوات الأنبياء ومناهجهم عن استخدام هذا الشعار البرّاق الملوح أو المصرح بالأطماع والشهوات العاجلة وسلكت منهجاً حكيمًا نزيهًا شريفًا ينطوي على الابتلاء والاختبار، فيتبعهم ويؤمن بهم كل صادق مخلص متجرد من كل المطامع والأغراض الشخصية، لا يريد بإيمانه وتوحيده وطاعة رسل الله عليهم الصلاة والسلام إلا الجنة ومرضاة ربه، ولا يخاف إلا من غضبه وأليم عقابه، ولهذا لا يتبعهم في الغالب إلا الفقراء والمساكين والضعفاء.
قال تعالى حكاية عن قوم نوح:
{قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون}.
وقال عن قوم صالح:
{قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحاً مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذي استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون}.
وجاء في أسئلة هرقل لأبي سفيان:
(فأشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم؟).
قال أبو سفيان: فقلت: بل ضعفاؤهم؛ ثم قال هرقل:
(وسألتك أشراف الناس يتبعونه أم ضعفاؤهم، فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه، وهم أتباع الرسل).
فالدعوة إلى إقامة دولة أسهل بكثير وكثير، والاستجابة لها أسرع، لأن أكثر الناس طلاب دنيا وأصحاب شهوات...»
ثم قال (ص:١١٤):
«وقد يهدي الله قومَ نبي من الأنبياء فيستجيبون له أو كثير منهم فتكون لهم دولة، ثمرة طيبة، لإيمانهم وتصديقهم وأعمالهم الصالحة، فيقومون بواجبهم من الجهاد لإعلاء كلمة الله وتطبيق التشريعات والحدود وغيرها من الأمور التي شرعها الله لهم كما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام؛ توج الله إيمانهم وصبرهم الجميل على بغي المشركين وتطاولهم بأن نصرهم، وأظهر دينهم، ومكَّن لهم في الأرض..
ومع ذلك فما كانوا طلاب ملك بل كانوا دعاة هداية وتوحيد ولا كانوا يُعدّون أتباعهم للثورات والانقلابات السياسيَّة.
ولقد عُرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم المُلك بمكة فرفض إلا المضي في الدعوة إلى التوحيد ومحاربة الشرك والأوثان».
ثم قال (ص:١١٨):
«وخلاصة هذا: أنَّ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما جاءوا لإسقاط دول وإقامة أخرى، ولا يطلبون ملكًا ولا ينظّمون لذلك أحزابًا، وإنّما جاءوا لهداية النَّاس وإنقاذهم من الضلال والشرك وإخراجهم من الظلمات إلى النور وتذكيرهم بأيَّام