المحسِّنــات البديعيَّة

مشرف عام مميّز تاريخ التسجيل : 22/09/2009

هذا شرح للمحسنات البديعية وأمثلة وتطبيقات عليها... أتمنى أن تفيد الجميع إن شاء الله.
طبعًا صُلب الموضوع منقول، لكن سأضيف استراحةً أدبية في نهاية كل محسن بعد الأسئلة من عندي إن شاء الله، وإن كانت هناك إضافات داخلية واضحة في غير الأسلوب سأشير إليها.
ما هي المحسنات البديعية ؟
هي من الوسائل التي يستعين بها الأديب لإظهار مشاعره وعواطفه، وللتأثير في النفس، وهذه المحسنات تكون رائعة إذا كانت قليلة و مؤدية المعنى الذي يقصده الأديب، أما إذا جاءت كثيرة ومتكلفة فقدت جمالها و تأثيرها و أصبحت دليل ضعف الأسلوب، وعجز الأديب.
ومن أسماء المحسنات البديعية أيضًا:
" الزينة اللفظية - الزخرف البديعي - اللون البديعي - التحسين اللفظي "، وكلها سواء.
أولًـا الطباق:
هو الجمع بين الكلمة وضدها في الكلام الواحد، وهو إما طباق سلب، أو طباق إيجاب؛
أ- طباق الإيجاب: إذا اجتمع في الكلام المعنى وعكسه .
مثل :
(لا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى).
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران: 26 - 27).
ب- طباق السلب: هو أن يجمع بين فعلين أحدهما مثبت ، والآخر منفي ، أو أحدهما أمر و الأخر نهي .
مثل :
(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (الزمر: من الآية9) .

(فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْن) (المائدة: من الآية44).
ثانيًا المقابلة:
هي أن يؤتى بمعنيين أو أكثر أو جملة ، ثم يؤتى بما يقابل ذلك الترتيب.
مثل :
(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِث) (الأعراف: من الآية157).
(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) (الليل من5 : 10) .
(اللهم أعطِ منفقا خلفاً و أعطِ ممسكاً تلفاً).
الأثر الفني للتضاد والمقابلة :
يعملان على إبراز المعنى وتقويته وإيضاحه و إثارة الانتباه عن طريق ذكر الشيء وضده .
-----{}------
التدريبات
استخرج كل طباق أو مقابلة مما يأتي :
1 - (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) (النحل:20).
2 - (فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً) (مريم: من الآية11) .
3 - (فَلِيَضْحَكوا قَليلاً وَلِيَبْكوا كَثيراً) (التوبة: من الآية 82) .
4 - (تَحْسَبُهُم جَميعاً وقُلوبُهُمْ شَتَّى) (الحشر: من الآية 14) .
5 - (إن الأرواح جنودٌ مجندة ، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر اختلف) .
6 - (حُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمكارِهِ والنَّارُ بِالشَّهوات)
7 - (النَّاسُ نِيام فإذا ماتوا انتَبَهوا)
8 - (كفى بالسَّلامَة داءً)
9 - (إنَّ اللهَ يُبْغِضُ البَخيلَ في حَياتِهِ والسَّخيَّ بَعْدَ موته)
10 - (جُبِلَتْ القُلوبُ على حُبِّ من أحْسَنَ إلَيها وبُغْضِ من أساءَ إلَيها)
11 - (احذَروا من لا يُرْجى خَيْرُهُ ولا يؤْمَنُ شَرُّهُ).
12 - يقول الفرزدق (38 - 110 هـ / 658 - 728 م ) : والشَّيبُ يَنْهُضُ في الشَّبابِ كأنَّهُ * ليلٌ يَصيحُ بِجانِبَيهِ نَهارُ
13 - يقول البُحتري (206 - 284 هـ / 821 - 897 م ) : وأمَّةٌ كان قُبْحُ الجَوْرِ يُسْخِطها * دَهراً فأصْبَحَ حُسْنُ العَدْلِ يُرْضيها
14 - كتب أحمد حسن الزيات بعد نهاية الحرب العالمية الثانية :
" شيَّع الناسُ بالأمسِ عاماً ، قالوا إنهُ نهايةُ الحربِ ، واستقبلوا اليومَ عامًا يقولون إنهُ بدايةُ السَّلْمِ , وما كانتْ تلك الحربُ التي حسِبوها انتهت ، ولا هذه السلمُ التي زعموها ابتدأتْ ، إلاّ ظُلْمةً أعقبَها عمَى ، وإلاّ ظلمًا سَيَعْقُبُهُ دمارٌ " .
15 - قال المتنبي (303 - 354 هـ / 915 - 965 م ) : ومن يك ذا فم مرٍّ مريضٍ يجد مُرًّا به الماء الزلالا
16 - قال المتنبي (221 - 283 هـ / 836 - 896 م ) -ندرسها في الصف الثاني على أنَّ الشاعر هو ابن الرومي وليس المتنبي-: أُلامُ لِما أُبدى عليكَ من الأسَى وإنِّى لأُخفى منكَ أضعافَ ما أُبدى
17 - {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (البقرة : من الآية 286)
18 - {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ اليَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ...} (الكهف : من الآية 18)
19 - قال المتنبي : فَلاَ الْجُودُ يُفْنِي الْمَالَ وَالْجَدُّ مُقْبلٌ * وَلاَ الْبُخْلُ يُبْقي الْمَالَ وَالْجّدُّ مُدْبِرُ (الْجَدُّ: الحظ والنصيب)
-----{}------
استراحة أدبية ~
كلنا يعرف أنَّ البلاغة هي مطابقة الكلام لمقتضى الحال، ولكن لم نسمع عن زلات فحول الشعراء أمثال المتنبي مثلًا، فمنها:
كان المتنبي لدى سيف الدولة بن حمدان ثم غادره حتى وصل لمصر ومكث عند كافور الإخشيدي، وكان يكرهه باطنًا ويمدحه بلسانه لا بقلبه، فصار أن أفلت لسانه بالبغض الذي يكتمه قلبه، أو ربما عمد هو إلى ذلك، فقد حُكي عنه أنه كان يقصد من مدحه لكافور دومًا الهجاء، وإنما يبصر هذا من تمعن في أشعاره في مدح كافور.
من هذه الأشعار ما قاله له في أول قصيدة مدحه فيها:
كفى بكَ داءً أن ترى الموت شافيا .:. وحسب المنايا أن يكن أمانيا
أي كفاك من داءٍ أنك ترى شفاءك هو الموت وأن يكون هو أمنيتك
كان هذا مخالفًا للبلاغة رغم أن الواضح هو أنه يخاطب نفسه وليس كافورًا كعادة الشعراء، إلا أنه ليس من المناسب أن يفتتح قصيدة أمام ممدوحه بهذا المطلع !
وقال له أيضًا في المديح:
وما طربي لما رأيتك بدعة .:. لقد كنت أرجو أن أراك فأطرب
وهو هنا يجعله شيئًا من المضحكات يطرب لرؤيته
ومن المواقف الطريفة أن دخل أبو النجم على هشام بن عبد الملك ذات يوم فأنشده:
صفراءُ قد كادت ولمَّا تفعلِ .:. كأنها في الأفق عين الأحولِ
وكان يقصد في وصفه هذا الشمس في الأفق، إلا أنَّ هشامًا كان أحولًا فأمر بحبسه !
كما افتتح فحل الدولة الأموية جرير قصيدةً أنشدها عبد الملك بن مروان قائلًا:
أتصحو أم فؤادك غير صاحِ ؟ فقال له عبد الملك مستنكرًا: بل فؤادك أنت ! وهو كما كان من المتنبي يخاطب نفسه.