تعريف المقالة :
المقالة كما يعرفها أدمون جونسون ، فن من فنون الأدب ، وهي قطعة إنشائية ، ذات طول

معتدل تُكتب نثراً ، وتُلِمُّ بالمظاهر الخارجية للموضوع بطريقة سهلةٍ
سريعة ، ولا تعنى إلا بالناحية التي تمسُّ الكاتب عن قرب .
والمقالة
ـ بتعريف آخر ـ قطعة من النثر معتدلة الطول ، تعالج موضوعاً ما معالجة
سريعة من وجهة نظر كاتبها ، وهي بنت الصحافة نشأت بنشأتها وازدهرت
بازدهارها .
كلمة " موضوعاً ما "
في التعريف تعني أن المقالة من أكثر الفنون الأدبية استيعاباً وشمولاً
لشتى الموضوعات ، فموضوعات كالتضخم النقدي ، وأساليب الإعلان والتخدير
بالإبر ، لا يمكن أن تحملها أجنحة الشعر ، ولا حوادث القصة ، ولاحوار
المسرحية ، والمقالة وحدها تتقبل مثل هذه الموضوعات ، وأية موضوعات أخرى
وتجيد توضيحها وتحسن عرضها .
وكلمة " معالجة سريعة " في

التعريف تعني أن كاتب المقالة ، مازاد على أنه سجل تأملات ، أو تصورات أو
مشاهدات تغلب عليها العفوية والسرعة ، فلو كانت المعالجة متأنية فجمعت
الحقائق ، وفحصت وصنفت ، واعتمد على الإحصاء ، والتجربة والمتابعة ، لعُدَّ
هذا العمل بحثاً علمياً ، وليس مقالة أدبية .
فلوقرأت في مجلة علمية ، أن طيور البلاكبول ، تطير في الخريف إلى شاطئ المحيط
الأطلسي ، ومن هناك تقوم برحلة جوية لا تصدق فوق البحار ، في اتجاه أمريكا
الجنوبية ، مجتازة مسافة أربعة آلاف كيلو متر بلا توقف ، خلال ست وثمانين
ساعة ، على ارتفاع يزيد على ستة آلاف متر ، لو قرأت هذه الفقرة لعرفت أن
هذه الأسطر قد كلفت العلماء سنوات طويلة من الملاحظة ، والمتابعة ، فهذه
فقرة من بحث علمي وليس مقالة أدبية .
وكلمة من " من وجهة نظر كاتبها " تعني

أن المقالة تعبِّر عن ذات كاتبها أكثر مما تُعبِّر عن موضوعها ؛ لأن كاتب
المقالة يرى الأشياء من خلال ذاته ، وما يعمل فيها من مشاعر وانفعالات .
استمعوا معي إلى أحد الكتاب ، يتحدث عن طائرة :[" طائر صغير أحببته شهوراً طوالاً ، غرد لكآبتي فأطربها ، ناجى وحشتي فآنسها ، غنّى لقلبي فأرقصه ، ونادم وحدتي فملأها ألحاناً " .

****
المقالة فن عصري :
كُتب على غلاف أحدى المجلات ذات الطبعات الدولية ، أكثر من مائة مليون يقرؤون
هذه المجلة ، في مائة وثمانين بلداً ، وبخمسة عشر لغة فما سر هذا الإقبال
الشديد على مطالعة المقالات المنوعة في الصحف والمجلات ، وفي كل أقطار
العالم ؟ .
في هذا العصر الذي طغت فيه المادة على القيم ، ونما العقل على حساب القلب ،

وتعقدت أنماط الحياة ، وكثرت متطلباتها ، واستهلك كسب الرزق ، معظم الوقت ،
واختُصر كل شيء ، حتى اختصرت الشهور في ساعات والسنون في أيام ، وظهرت
الحاجة ملحة إلى مطالعات سريعة خفيفة ، فتطلع الناس إلى الصحف والمجلات ،
واستهوتهم الكتيبات ، والدوريات ، وكأن الناس أرادوا أن يختصروا البحر في
قارورة ، والبستان في باقة ، وضياء الشمس في بارقة ، وهزيم الرعد في أغرودة
، وبحثوا عن فن أدبي يدور معهم أينما داروا ، ويرافقهم حيثما ساروا ،
ويكون معهم في حلِّهم وترحالهم ، وأحزانهم وأفراحهم في لهوهم وجدِّهم ،
يعبر عن نشاطهم العقلي ، وعن اضطرابهم النفسي كذلك اختصرت الكتب في مقالات ،
فجاءت بلسماً شافياً لمرض العصر ودواءً لضيق الوقت ، فكانت المقالة من
أوسع الفنون الأدبية انتشاراً ؛ لأنها أقلها تعقيداً وأشدها وضوحاً ،
وأكثرها استيعاباً ، لشتى الموضوعات وأيسرها مرونة على الكاتب ، وأسهلها
هضماً على القارئ .
****

عناصر المقالة :
المادة والأسلوب والخطة .

فالمادة هي مجموعة الأفكار ، والاراء ، والحقائق ، والمعارف والنظريات ، والتأملات
، والتصورات ، والمشاهد ، والتجارب والأحاسيس ، والمشاعر ، والخبرات التي
تنطوي عليها المقالة ، ويجب أن تكون المادة واضحة ، لالبس فيها ولا غموض ،
وأن تكون صحيحة بعيدة عن التناقض ، بين المقدمات والنتائج ، فيها من العمق
ما يجتذب القارئ ، وفيها من التركيز ما لا يجعل من قراءتها هدراً للوقت ،
وفيها وفاء بالغرض ، بحيث لا يُصاب قارئها بخيبة أمل ، وأن يكون فيها من
الطرافة والجدة بحيث تبتعد عن الهزيل من الراي ، والشائع من المعرفة
والسوقي من الفكر ، وفيها من الإمتاع ، بحيث تكون مطالعتها ترويحاً للنفس ،
وليس عبئاً عليها .
إن مهمة الكاتب ليست في إضعاف النفوس ، بل في تحريك الرؤوس وكل كاتب لايثير
في الناس رأياً ، أو فكراً ، أو مغزى يدفعهم إلى التطور ، أوالنهوض ، أو
السمو ، على أنفسهم ، ولا يحرك فيهم غير المشاعر السطية العابثة ، ولا
يقرُّ فيهم غير الاطمئنان الرخيص ، ولا يوحي إليهم إلا بالإحساس المبتذل ،
ولا يمنحهم غير الراحة الفارغة ولا يغمرهم إلا في التسلية ، والملذات
السخيفة التي لا تكوِّن فيهم شخصية ولا تثقف فيهم ذهناً ، ولا تربي فيهم
رأياً ، لهو كاتب يقضي على نمو الشعب ، وتطور المجتمع .
الأسلوب :
وهوالصياغة اللغوية ، والأدبية لمادة المقالة ، أو هو القالب الأدبي الذي تصب

فيه أفكارها ، ومع أن الكتَّاب تختلف أساليبهم ، بحسب تنوع ثقافاتهم ،
وتباين أمزجتهم ، وتعدد طرائق تفكيرهم ، وتفاوتهم في قدراتهم التعبيرية ،
وأساليبهم التصويرية ، ومع ذلك فلا بد من حدٍّ أدنى من الخصائص الأسلوبية ،
حتى يصح انتماء المقالة إلى فنون الأدب .
لابد في أسلوب المقالة من الوضوح لقصد الإفهام ، والقوة لقصد التأثير ،

والجمال لقصد الإمتاع ، فالوضوح في التفكير ، يفضي إلى الوضوح في التعبير ،
ومعرفة الفروق الدقيقة ، بين المترادفات ثم استعمال الكلمة ذات المعنى
الدقيق في مكانها المناسب ، سبب من أسباب وضوح التعبير ودقته (لمح ـ لاح ـ
حدَّج ـ حملق ـ شخص ـ رنا ـ استشف استشرف) ووضوح العلاقات ، وتحديدها في
التراكيب سبب في وضوح التركيب ، ودقته ، فهناك فرق شاسع بين الصياغتين
(يُسمح ببيع العلف لفلان ـ يسمح لفلان ببيع العلف ).
والإكثار من الطباق يزيد المعنى وضوحاً ، وقديماً قالوا : (وبضدها تتميز الأشياء

) الحرُّ والقرُّ ، والجود والشحُّ ، والطيش والحلم واستخدام الصور عامة ،
والصور البيانية خاصة ، يسهم في توضيح المعاني المجردة ، مثال ذلك :
الأدب اليوم عصاً بيد الإنسانية ، بها تسير لامرود ، تكحل به عينها وهو نور براق

، يفتح الأبصار ، وليس حلية ساكنة بديعة تزين الصدور.
****

والقوة في الأسلوب :
والقوة في الأسلوب سبب في قوة التأثير ، فقد يسهم الأسلوب في إحداث القناعة ، لكن قوة الأسلوب تحدث " موقفاً "

وتأتي قوة الأسلوب من حيوية الأفكار ، ودقتها ، ومتانة الجمل ، وروعتها ،
وكذلك تسهم في قوة الأسلوب الكلمات الموحية ، والعبارات الغنية ، والصورة
الرائعة والتقديم والتأخير ، والإيجاز والإطناب ، والخبر والإنشاء ،
والتأكيد والإسناد ، والفصل والوصل .
مثال ذلك :
إذا أردنا أن نعيش سعداء حقاً فما علينا إلا أن نراقب القمح في نموه والأزهار

في تفتحها ، ونستنشق النسيم العليل ، ولنقرأ ولنفكر ، ولنشارك تايلر في
إحساسه ، إذ يقول : سلبني اللصوص ما سلبوا ولكنهم تركوا لي الشمس
المشرقة ، والقمر المنير ، والحياة الفضية ، الأديم ، وزوجة مخلصة تسهر على
مصالحي ، وتربية أطفالي ، ورفقاء يشدون أزري ، ويأخذون بيدي في كُربي ،
فماذا سلبني اللصوص ، بعد ذلك ؟ .. لا شيء ، فهاهوذا ثغري باسم وقلبي ضاحك
، وضميري نقي طاهر .
****
الجمال في الأسلوب :
إذا كان الوضوح من أجل الإفهام ، والقوة من أجل التأثير ، فالجمال من أجل

المتعة الأدبية الخالصة ، وحينما يملك الكاتب الذوق الأدبي المرهف والأذن
الموسيقية ، والقدرات البيانية ، يستطيع أن يتحاشى الكلمات الخشنة والجمل
المتنافرة ، والجرس الرتيب ، وحينما يوائم بين الألفاظ والمعاني ويستوحي من
خياله الصورة المعبرة ، يكون أسلوبه جميلاً .
مثال ذلك :

البرج العاجي الخلقي هو السمو عن المطامع المادية ، والمآرب الشخصية فليس من حق
مفكر اليوم أن ينأى بفكره عن معضلات زمانه ولكن من واجبه أن ينأى بخلقه عن
مباذل عصره ، وسقطاته ، البرج العاجي عندي هو الصفاء الفكري ، والنقاء
الخلقي ، وهو الصخرة التي ينبغي أن يعيش فوقها الكاتب مرتفعاً عن بحر
الدنايا الذي يغمر أهل عصره ، لا خير عندي للمفكر الذي لا يعطي من شخصه
مثلاً لكل شيء نبيل رفيع جميل .
والعنصر الثالث من عناصر المقالة الخطة

ويسميها بعضهم الأسلوب الخفي وهي المنهج العقلي الذي تسير عليه المقالة ،
فإذا اجتمعت للكاتب أفكارٌ وآراء يريد بسطها للقراء ، وكان له من الأسلوب
ما يستطيع أن تشرق فيه معانيه ، وجب ألا يهجم على الموضوع من غير أن يهيء
الخطة التي يدفع في سبيلها موضوعه .
والخطة تتألف من مقدمة ، وعرض ، وخاتمة ، والمقدمة هي المدخل وتمهيد لعرض آراء

الكاتب ، ويجب أن تكون أفكار المقدمة بديهية مسلماً بها ، ولا تحتاج إلى
برهان ، وأن تكون شديدة الاتصال بالموضوع وأن تكون موجزة ، ومركزة ومشرقة .
وأما العرض

، فهو صلب الموضوع ، وهو الأصل في المقالة ، وفيه تعرض أفكار الكاتب عرضاً
صحيحاً ، وافياً متوازناً ، مترابطاً متسلسلاً ويُستحسن أن يمهد الكاتب
لكل فكرة ، ويربطها بسابقتها ، ويذكر أهميتها ويشرحها ، ويعللها ، ويوازنها
مع غيرها ، ويذكر أصلها وتطورها ويدعمها بشاهد أدبي ، أو تاريخي ، ويُفضل
ان تُعرض كل فكرة رئيسة في فقرة مستقلة .
والخاتمة تلخص النتائج التي توصل إليها الكاتب في العرض ، ويجب أن تكون واضحة ، صريحة ، حازمة .ومما يتصل بالحديث عن عناصر المقالة الحديث عن أنواعها :
فمن حيث الموضوع هناك المقالة الاجتماعية ، والسياسية ، ومن حيث الأسلوب ،

هناك المقالة العلمية ، والأدبية ، ومن حيث الطول ، هناك المقالة المطولة ،
والخاطرة ، ومن حيث اللبوس الفني ، هناك المقالة القصصية ، والتمثيلية ،
ومقالة الرحلات ، ومقالة الرسالة ، ومن حيث موقف الكاتب هناك الذاتية ،
والموضوعية ، ومن حيث طرق نقلها إلى الجمهور ، هناك المقالة المقروءة ،
والمسموعة ، والمنظورة .
****

أنواع المقالة :
المقالة العلمية :
موضوعاتها علمية ، وأهدافها تبسيط الحقائق العلمية ، وتيسير نقلها إلى الجمهور ،

يقول قدري طوقان " الشمس أقرب نجم إلينا ، وتقدر المسافة بثلاثة وتسعين
مليوناً من الأميال ، فلو سار قطار إليها بسرعة خمسين ميلاً في الساعة
لوصلها في مائتين وعشرين سنة ، والأمواج اللاسلكية ، التي تدور حول الأرض
سبع مرات في ثانية واحدة ، هذه الأمواج لو أرسلت إلى الشمس لوصلها في ثماني
دقائق وربع ، ولو أرسلت إلى أقرب نجم إلينا بعد الشمس لوصلته في أربع سنين
ونصف " .
لعلكم لاحظتم أسلوب المقالة العملية المباشر الذي يعتمد على الدقة في استخدام

الألفاظ ، والسهولة في صوغ العبارات ، والبعد عن التأنق والزينة ولا تلبس
المقالة العلمية من الأدب إلا أرق ثوب .
المقالة الأدبية :

وهي قطعة من الشعر المنثور ، تشف عن ذات الأديب ، وتعبر عن مشاعره ، وتنطلق مع
خياله ، وترسم ملامح شخصيته ، أسلوبها أدبي محض ، ففيها ماشئت من عواطف
جياشة ، وخيال عريض ، وصور مترفة وأسلوب رشيق ، يقول عبد العزيز البشري
متحدثاً عن سيد درويش :
"

فما إن لحن سيد درويش فكان المغني شديداً إلا قوي لحنه ، ودعم ركنه وشدَّ
بالصنعة متنه ، فسمعت له مثل قعقعة النبال ، إذا استعر القتال ، أو مثل
زئير الآساد ، إذا تحفزت للصيال ، وإذا جنح الكلام إلى اللين ، كان لحنه
أرق من نسج الطيف ، وألطف من النسمة في سحرة الصيف .
الخاطرة :
مقالة قصيرة جداً تحتل بعض الزوايا في الصحف ، والمجلات وتعتمد على أسلوب الخطف
في معالجة الموضوعات ، وتتميز بالطابع الذاتي وتشيع فيها السخرية ، ولها
مذاق عذب في نفس القارئ ، وهي أشبه شيء بالرسم الكاريكاتوري