أبو فيصل مديرالموقع
تاريخ التسجيل : 03/09/2009
| موضوع: ظاهرة الإلتزام في الأدب العربي"النقد الأدبي 23.11.12 21:19 | |
| إذا كنا بصدد الحديث عن الالتزام فينبغي أن نفرق بينه وبين الإلزام. فالالتزام اتجاه ينبع من حرية الفنان,حيث يختار ذلك المسلك بملء إرادته,تدفعه إليه رغبته,فهو التعبير عن حرية الفنان. وأما الإلزام فهو موقف سياسي أو اجتماعي تتخذه طبقة أو حزب ثم تفرضه على من هو تحت سيطرتها,فإن كان الفنان في هذه الحالة يعمل بدافع من قناعته بذلك الموقف فهو "ملتزم" وإن كان يعمل تحت عامل القهر والإكراه فهو "ملزم". ويتجسد "الإلزام" واضحاً جلياً في المذاهب الاشتراكية,والماركسي منها بشكل خاص.إذ إننا "حين نستقضي حقيقة الالتزام في الفكر الاشتراكي أو الشيوعي من حيث واقعها الحياتي نجدها تعني الانتساب الى هذا الفكر والالتزام بمبادئه ولو عن طريق القوة.وهو لذلك لايعني الالتزام وإنما يعني الإلزام,وليس ادل على ذلك من اضطهاد كبار كتاب السوفييت لأنهم عبروا عن أفكارهم بحرية,من هؤلاء "باسترناك" كاتب رواية "الدكتور جيفاكو".فالأدب الشيوعي يعيش في جو من الإرهاب السياسي والقمع البوليسي..مما يحفز هذا الأدب الى ترويج المفاهيم الشيوعية دون اقتناع بها..". على أن قضية الإلزام ليست أمراً جديداً,فقد سبقت إليه الكنيسة منذ عهد بعيد,وهذا ما يذكرنا بما حدث عام 787م حيث اصدر مجمع نيقية الثاني بصفة رسمية قراره التالي :"إن مادة المشاهد الدينية لاينبغي أن تترك حرة تحت تصرف إبداع الفنانين,بل ينبغي أن تستمد من المبادىء التي وضعتها الكنيسة الكاثوليكية والتقليد الديني..فالفن وحده ملك للفنان,وأما تنظيمه وتنسيقه فهما ملك لرجال الدين". وقد وضعت لذلك قواعد خاصة تنظم عمل الفنان,وتوضح الفرق بين الفن والمادة – كما ذكر ذلك الأستاذ لييمان – بل تجاوزت ذلك لتفرض شكلاً معيناً لبعض اللوحات لاينبغي للفنان تجاوزه..وخاصة فيما بلوحات الصلب. ومهما يكن من أمر,فإن طبيعة الإلزام واحدة لاتتغير,فهو قاس دموي شرس..قد يتغير فيه الأسلوب من مذهب الى آخر ولكن حقيقته تظل ثابتة,فمحاكم التفتيش الكنيسة تعاد ذكرياتها في صحراء سيبيريا الروسية.
الالتزام" لفظة عربية فصيحة وقديمة ، فقد جاء في لسان العرب:" لزم الشيء يلزمه... والتزمه .. وألزمه إياه فالتزمه ". وجاء في أساس البلاغة:" والتزم الأمر، ومن المجاز:التزمه: عانقه ". وجاء في القاموس المحيط:" التزم الشيء لزمه من غير أن يفارقه، والتزم العمل والمال:أوجبه على نفسه". أما تعريف "الالتزام"في الاصطلاح الحديث فهو لا ينصرف إذا أطلق إلى "الالتزام الأدبي"فقط ؛ لأن هناك أنواعاً من الالتزام العقدي أو الخلقي أو السياسي أو الحزبي أو العسكري إلى آخر ما هنالك من أنواع الالتزام التي يحددها الوصف. كذلك لم يتفق الأدباء والنقاد على تعريف "الالتزام الأدبي" وذلك لاختلاف مذاهبهم ونزعاتهم ومواقفهم من هذا المصطلح. ومع ذلك فلا بأس أن نورد طرفاً من هذه التعريفات لتقريب هذا المصطلح من الأذهان. فقد عرفه الروائي الأمريكي نورمان مالر بأنه" نوع من التعاقد أو الارتباط بشيء خارج الذات.(1) وعرفه الشاعر الاسكتلندي هيوماكد يارميد بأنه "الالتزام السياسي والجهاد في سبيله، وتسخير الأدب للدعوة له ". وقصره الدكتور محمد غنيمي هلال على الشعر – مجاريا سارتر في موقفه الأول – فقال(2):"ويراد بالتزام الشاعر وجوب مشاركته بالفكرة والشعور والفن في القضايا الوطنية والإنسانية وفيما يعانون من آلام وما يبنون من آمال".وعرفه الدكتور محمد مصطفى هدارة بأنه يعني"ارتباط الأديب بقيم أو مبادئ أو قضايا محددة، تشرَّبها عقله ووجدانه، فكل تفكير أو تعبير صادر عنه، يكون في نطاق هذا الارتباط أو الالتزام"(3). وعرفه جبور عبد النور في المعجم الأدبي بقوله:"هو حزم الأمر على الوقوف بجانب قضية سياسية أو اجتماعية أو فنية، والانتقال من التأييد الداخلي إلى التعبير الخارجي عن هذا الموقف بكل ما ينتجه الأديب أو الفنان من آثار.وتكون هذه الآثار محصلاً لمعاناة صاحبها ولإحساسه العميق بواجب الكفاح والمشاركة الفعلية في تحقيق الغاية من الالتزام "(4). وعرفه الدكتور عبد الرحمن الباشا رحمه الله – وهو أحد رواد الأدب الإسلامي –بقوله(5):" هو أن يلتزم الأديب في كل ما يصدر عنه من أدب فكراً محدداً من الأفكار أو عقيدة من العقائد ، أو نظرية من النظريات ، أو فلسفة من الفلسفات ، سواء أكان ما يلتزم به دينياً أم سياسياً أم اجتماعياً أم نحو ذلك بحيث يكون أدبه نابعاً مما اعتقده ممثلاً لما اعتنقه ، غير حائد عنه ، أو خارج عليه".
موقف الآداب العالمية من الالتزام: نستطيع أن نقسم الآداب العالمية من حيث موقفها من الالتزام إلى مذاهب عقدية" إيديولوجية" كالواقعية الاشتراكية والوجودية ، وإلى مذاهب حرة "ليبرالية" يأتي في مقدمتها مذهب الفن للفن، ويضاف إليها مواقف فردية لبعض المشهورين من الأدباء والنقاد الذين ترددوا بين الالتزام ورفضه. وما من شك في أن مصطلح "الالتزام" وهو في الأصل مصطلح حيادي، قد استغلته الشيوعية أسوأ استغلال في نظريتها الأدبية التي سميت بالواقعية الاشتراكية ،وذلك أن أقطاب الشيوعية أدركوا أثر الفنون بعامة ، والأدب بخاصة، في بناء المجتمعات وتكوين العقول، وصياغة الوجدان، ووعَوْا أثرها في دعم الأنظمة والمذاهب حتى قال ستالين:"الفنانون والأدباء هم مهندسو البشرية".. ومن ثم فقد حرم (النظام الشيوعي) على كل أديب أن ينتج أي لون من ألوان الأدب ، يعارض المذهب الذي اعتنقته الدولة، وارتضته للشعب .. وبذلك عُدَّ الأديب المعارض للعقيدة الماركسية خائناً لأمته وقضاياها، منحازاً إلى أعدائها "(6). وأخذت الشيوعية تطبق مبدأ "الإلزام" القسري عن طريق سلطة الحزب أو سلطة الدولة، فهي تغدق على الأدباء الملتزمين أصناف الرتب والامتيازات بينما تضيق الخناق على غير الملتزمين تضييقاً ، يبدأ من تسليط النقاد الملتزمين عليهم لينتهي بنفي بعضهم إلى مجاهل سيبيريا أو إدخالهم إلى بعض المصحات العقلية. وهكذا نرى أن الالتزام الأدبي أصبح في قبضة الدولة الشيوعية إلزاماً قسرياً سمي بالجبرية الشيوعية في الأدب، أو ديكتاتورية الواقعية الاشتراكية. وما لبث مذهب "الإلزام" القسري أن تجاوز أسوار روسيا الشيوعية إلى دول الستار الحديدي، بل تجاوزها أيضاً إلى معتنقي الشيوعية والاشتراكية في دول العالم ، ومنها بعض الدول العربية التي كان نفر كبير من أدبائها وشعرائها يحتلون الساحة الأدبية، ويتفاخرون بأنهم من دعاة الواقعية الاشتراكية الملتزمين بها، وهم لا يعرفون اليوم كيف يوارون وجوههم بعد أن سقطت الشيوعية ،وهي الخلفية العقدية (الإيديولوجية) لمذهب الواقعية الاشتراكية. كذلك اتخذت الفسلفة الوجودية، وعلى رأسها سارتر،من مصطلح الالتزام وسيلة لنشر مبادئها، بل لعلنا لا نبالغ حين نزعم أن الوجودية ذاعت وانتشرت عن طريق قصص سارتر ومسرحياته بأكثر مما استشرت عن طريق مؤلفاته الفلسفية. على أن الوجودية لم تقلب "الالتزام" إلى "إلزام" قسري كما فعلت الشيوعية، بل تركته التزاماً حراً، ينبع من شعور الأديب الوجودي بمسؤوليته ،كما أن سارتر أخرج الشعر من دائرة الالتزام ، وحصره في فن النثر بحجة "أن الحقائق هي التي تعبر عن مضمونات الالتزام، وليست غاية الشعراء استطلاع الحقائق أو عرضها(7)"بالإضافة إلى أن الصلة بين الشاعر والنص تنقطع بعدإبداعه إياه ، والشعراء –على حد زعمه –قوم يترفعون باللغة عن أن تكون نفعية"..على أن سارتر انتهى أخيراً غلى أن تراجع عن موقفه من الشعر ، فأدخله مع النثر في دائرة الالتزام. أما في المذاهب الحرة (الليبرالية) ولدى كبار الأدباء في العالم بما في ذلك بعض كبار الأدباء في العالم العربي فإننا نستظهر ثلاثة مواقف متباينة :أولها:موقف يرفض الالتزام تحت شعار "الفن للفن" أو "الفن الصافي".وتعريف "الأدب"عند دعاة "الفن للفن" أنه فن جميل مهمته أن يستثير الشعور بالجمال، والجمال وسيلته وغايته"(. وهكذا "تنظر هذه المدرسة إلى جمال الشكل وبراعة الصنعة ، فما دام الأديب ماهراً في صناعته بحيث يثير فينا الإحساس بالمتعة ، فلا ينبغي أن ننظر في مضمون قوله: إن كان صدقاً أو كذباً نافعاً أو ضاراً ، بنَّاءً أو هداماً. ويشير الناقد "وولتر باتر" صراحة إلى الغاية من هذا الاتجاه الأدبي فيقول:"الغاية من الأدب ليست ثمار التجربة ، بل التجربة نفسها ". ويقول غوتييه (9):"لا يوجد الجمال الحق إلا فيما لا فائدة منه ، وكل مفيد سمج لأنه تعبير عن حاجة ما ، وحاجات الإنسان دنيئة ومقززة كطبيعته المسكينة المعقدة.. وكل فنان يقترح شيئاً غير الجمال فليس فناناً في نظرنا ".ويعزز هذه النظرة الكاتب الإنجليزي أو سكار وايلد حين يقول "ليس هناك كتاب أخلاقي" وكتاب مناف للأخلاق "إنما الكتب إما جيدة الصياغة أو رديئة الصياغة، هذا كل ما في الأمر"فكأن هذا المذهب يعزل الأدب عن الدين والقيم والمبادئ والأخلاق، بل عن كل عناصر الحياة الإنسانية الأصيلة النقية بدعوى المتعة الفنية الخالصة"(10). ومع أن الدكتور محمد مندور يقرر أن مذهب الفن للفن لم يعد له وجود فإن الدكتور محمد مصطفى هدارة يقرر أن المدرسة التعبيرية تشترك مع مذهب الفن للفن في النظرة نفسها ، حيث يقول سبنجارن:" إنه ليس من شأن الأديب نشر أي دعوة أخلاقية أو اجتماعية ،وغاية ما يعنيه من الأدب توقد الإحساس وتوهجه "(11). ويقال الأمر ذاته في "مدرسة اللاوعي أو السيريالية أو ما فوق الواقع لأنها تقوم على استبعاد المنطق ومجافاة العقل ومعاداة الواقع ، وتحاول أن ترد الإنسان إلى غرائزه وقواه الفطرية بعيداً عن العقل ، أو كما يعرفها رائدها أندرية بريتون في أول بيان سيريلاي أصدره بأنها" إملاءات فكرية في غيبة كل ضابط يفرضه العقل ، وبعيداً عن كل اهتمام جمالي أو أخلاقي"(12). أما الموقف الثاني لدى غير الملتزمين بالمذاهب السابقة فهوموقف محايد أو متردد بين رفض الالتزام أو قبوله ، وفي هذا يقول الأديب الفرنسي جان كوكتو(13):" أنا محايد ، أتردد أمام الالتزام ". ونستطيع أن نضيف إلى هذا الموقف المحايد أو المتردد ذلك الموقف المتناقض الذي نراه لدى عدد من كبار الأدباء العرب وعلى رأسهم طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم. أما الموقف الثالث لدى غير الملتزمين بالمذاهب السابقة فهو موقف يقبل الالتزام ويحض عليه ، ويأخذ بهذا الموقف كثير من الأدباء والنقاد العالميين حتى ليقول الدكتور محمد غنيمي هلال 14)" يخطئ من يعتقد أن الاتجاه العام في الأدب الملتزم يمثله الوجوديون وحدهم ، أو يمثله سارتر وحده من بينهم ، والحق أن الأسس العامة للالتزام تتمثل في تيار النقد الغالب على العالم الغربي ". وقد لخص الدكتور لويس عوض ما دار في مؤتمر الكتاب الذي عقد في مدينة أدنبره، وشارك فيه نحو من عشرين كاتباً – حول موضوع الالتزام فقال (15)" فإذا أردت أن تعرف نتيجة هذه المناظرة خرجت بأن أكثر الكتاب الذين اشتركوا في الحديث وقفوا وأعلنوا أنهم يؤمنون بالالتزام ،أي يعتقدون بأن كل كاتب لابد أن يكون مرتبطاً بقضية أو أخرى". ومن كبار الكتاب العالميين الذين أدركوا أهمية الالتزام الأديبُ الروسي الكبير توليستوي الذي يقول في قصته المشهورة "أنا كارنينا":" كان الحكم الذي أصدره رفاقي من رجال الأدب على الحياة مؤداة أن الحياة عامة تعبر عن حالة من التقدم وأننا نحن معشرَ رجال الأدب نقوم بالدور الرئيسي في هذا التطور ، وأن وظيفتنا نحن معاشرَ الفنانين والشعراء هي أن نثقف العالم ". ويقول الشاعر والناقد المعروف ت.س. إليوت(16)عن مهمة الشعر وعلاقته بالمجتمع:" أظن أن أول مهمة من مهمات الشعر هي على وجه اليقين : إثارة المتعة ، ولكن للشعر دائماً هدفاً أبعد من الهدف الخاص أو المعين، وهو أن الشعر يحاول دائماً إيصال تجربة جديدة ما، أو إلقاء ضوء جديد على شيء مألوف، أو التعبير عن شيء بيدنا ولم نستطع أن نصفه في كلمات ، مما من شأنه أن يغني وعينا ، ويرهف حساسياتنا وليس بشعر على الإطلاق ما لا يثير في الإنسان هذين الأمرين ". وفي هذا أيضاً يقول الشاعر والناقد الأمريكي الكبير ستيفن سبندر(17):" الشعر ليس مجرد تصوير لحظة احمرار وجنات الحبيبين أو رؤية جمال زهرة أو روعة لون الغروب ، بل الشعر هو الذي يروي الحياة كلها...والشاعر يضع نصب عينيه دائماً الظروف التي تحيط بالحياة ، إذ لا يمكن أن يجرب الحياة دون أن يضطر إلى التفكير في المشاكل الإنسانية الجوهرية . وما النظم السياسة والاجتماعية إلا محاولات لحل هذه المشاكل حتى نستطيع أن نختار الحياة .لذلك نجد أن الشعر يجبر على أن يعيد النظر في هذه الحلول وحينئذ قد يتبين له أنها تتحقق فيها إلى حد ما الشروط الجوهرية للوجود الإنساني ، وقد يتبين له العكس أيضاً ، وبهذا المعنى لا شك أن الشعر نقد للحياة".ويقول الروائي الأمريكي نورمان مالر في مؤتمر أدنبره الذي سبقت الإشارة إليه 18)" إن الالتزام هو بمثابة طوق النجاة في خضم القيم المتصادمة في عالم اليوم صداماً أفضى إلى الفوضى". وقد سئل الشاعر والناقد الأمريكي ألن تيت عن مسؤولية الشاعر: أمام من تكون ؟وعمَّ تكون ؟ فأجاب ما خلاصته (19)"إن دعاة الالتزام في العالم الحر يرون أنه لو نهض الشعراء والأدباء بمسؤولياتهم الأدبية لما وقع النظام الحر فيما وقع فيه من مخاطر. ولما كنا تعرضنا للحرب العالمية الثاني, ورزحنا تحت ويلاتها. كما يرون أن قيام (النازية الهتلرية)يصور إخفاقنا في تطبيق المبادئ الديمقراطية ، وهو إخفاق سببه فقدان الشعور بالمسؤولية لدى أولئك الذين يملكون فن الكلمة ، وهم الكتاب عامة والشعراء خاصة ". موقف الأدب العربي من الالتزام: قدمنا أن عدداً من كبار الأدباء العرب الذين يعدون من رواد النهضة الأدبية كانوا في موقفهم من الالتزام أقرب إلى الموقف المحايد أو المتردد ، قد رفضوا الالتزام والتسخير الذي يصادر حرية الأديب دون أن يرفضوا عملياً الالتزام الطوعي العفوي. فبينما نرى طه حسين يلتزم في كثير من نتاجه الأدبي بأفكار معينة ،يعمل على نشرها، ويخوض المعارك الأدبية والفكرية في سبيلها إذا به يقول(20) " وإذن فالذين يقولون: يجب أن يكون الأدب للحياة ، ويظنون أنهم يقولون شيئاً جديداً لا يقولون في حقيقة الأمر شيئاً. فكل أديب في أي أمة من الأمم إنما هو يصور نوعاً من أنواع حياتها.. فأما أن يسخر ليكون وسيلة من وسائل الإصلاح أو سبيلاً من سبل التغيير في حياة الشعوب ، فهذا تفكير لا ينبغي أن نساق إليه ، ولا نتورط فيه . وليس معنى هذا أن الأدب بطبعه عقيم ، وأن الأديب أثِرٌ بطبعه ، ولكن معناه أن الإصلاح والتغيير ، وتحسين حال الشعوب وترقية شؤون الإنسان أشياء تصدر عن الأدب ، كما يصدر الضوء عن الشمس ، وكما يصدر العبير عن الزهرة". ويقول في إحدى المناظرات الأدبية(21):" لسنا محتاجين دائماً أن نتخذ كل شيء وسيلة ، وأن نجعل كل شيء غاية . إنما نتخذ الأدب غاية في نفسه. ليس من الضروري أن نسخِّر الأدب لهذا الغرض أو ذاك". وبينما نرى توفيق الحكيم يعلن أن(22): الأديب يجب أن يكون حراً ، لأن الحرية هي نبع الفن ، وبغير الحرية لا يكون أدب ولا فن ". ويقول أيضاً (23):" إن مطامع الناس شاءت أن تمتد أياديها الفانية إلى هذا الجوهر السامي (الفن) لتسخره لمدح الحكام من أجل المال والثراء ، أو لنشر الدعوة في الدين والسياسة من أجل الثواب أو الجزاء ، ولكن كلمة الفن هي العليا دائماً"، إذا به يستدرك فيقول(24):" أما إذا كان في الإمكان وجود فن يخدم المجتمع دون أن يفقد ذرة من قيمته الفنية العليا فإني أرحب به ، وأسلم على الفور بأنه الأرقى ، ولكن هذا لا يتهيأ إلا للأفذاذ الذين لا يظهرون في كل زمان". ويقول أيضاً(25):" هنالك صلة في اعتقادي بين رجل الفن ورجل الدين ، ذلك أن الدين والفن كلاهما (يضيء) من مشكاة واحدة هي ذلك القبس العلوي الذي يملأ قلب الإنسان بالراحة والصفاءوالإيمان...وأن مصدر الجمال في الفن هو ذلك الشعور بالسمو الذي يغمر نفس الإنسان عند اتصاله بالأثر الفني .. ومن أجل هذا كان لا بد للفن أن يكون مثل الدين قائماً على قواعد الأخلاق " .. ويقول مرة ثالثة(26):" لو علم رجل الفن خطر مهمته لفكر دهراً قبل أن يخط سطراً ..وأخيراً يعلن توفيق الحكيم (27)أن " حرية الأديب لا تتنافى عنده مع مبدأ الالتزام ، فهو يريد أن يكون التزام الأديب أو الفنان شيئاً حراً ينبع من أعماق نفسه ..إذ يجب أن يلتزم وهو لا يشعر أنه يلتزم " ثم يصرح توفيق الحكيم بأن أدبه في أكثر كتبه هو من صميم الأدب الملتزم . ولعل من المفيد أن نتحدث عن حوار تم بين كل من توفيق الحكيم والعقاد وأحمد أمين على صفحات مجلتي الرسالة والثقافة(28)، ولباب الحوار لا يخرج عمّا عرف بمذهب الفن للفن مقارناً بمذهب الفن للإصلاح ، إذ دعا الأستاذ أحمد أمين في العدد /275/ من مجلة الثقافة إلى أن يتجه الأدباء إلى المجتمع كما يتجهون إلى أنفسهم ، وإلى أن يتعرف الأديب الحياة الجديدة للأمة العربية ، ويقودها ويجدَّ في إصلاح عيوبها .. ليكون الأديب داعية خير ورسول أمة وراسم هدف . فردَّ عليه الأستاذ توفيق الحكيم في العدد/ 562 من مجلة الرسالة قائلاً : إن أحمد أمين يريد أن يستخدم الأدب في الدعاية الانتخابية والتجارية وما يجري هذا المجرى. وقد ردّ عليه الأستاذ أحمد أمين لأن هناك فرقاً بين الدعوة إلى أن تكون الحياة الاجتماعية والوعي الاجتماعي من مصادر الأدب، وبين الدعوة إلى مادية الأدب وتسخيره للأغراض الوضعية. وقد سئل العقاد عن هذا النقاش فأجاب بأن اليوم الذي يستخدم فيه الأدب للدعاية الاجتماعية لهو اليوم الذي ينقلب فيه الإنسان طفلاً .. ومضى العقاد يؤيد أن أمل الإنسانية أكبر من أن يتعلق بحاجة الطعام والكساء ، ويحبّذ كلام الأستاذ توفيق الحكيم حين شبه المجتمع الذي يستخدم الفن للرغيف بالطفل الذي يضع الحلية في فمه، لأنه لا يحسن أن يتملاها بنظره. وختم العقاد التعليق بأنه لم يخطّئ أحمد أمين في حرصه على المصالح الاجتماعية ، لأنّه مثلُه يحرص على هذه المصالح ، ولكن الفنون ذات هدف أقوى من النفع المادي. وقد ردّ الأستاذ أحمد أمين على تعقيب العقاد بما يضيق شقة الخلاف إذ قال(29): إن الفردية التي يعنيها هي الأنانية والأثرة ، وأن الاجتماعية[ التي يدعو إليها]هي الغيرية والإيثار، وبهذا التحديد يتفق الحكيم والعقاد معه [أو يلزم أن يتفق الأستاذان معه]على أن الرقي الأخلاقي والاجتماعي سائر نحو الاجتماعية. وإذا كانت المشكلة في جوهرها هي مشكلة اتجاه الأدب إلى الفن وحده بعيداً عن الإصلاح أم اتجاهه للفن والإصلاح معاً، فقد حسم الأمر لدى المختلفين جميعاً ، حين يوازنون بين قطعة فنية رائعة تخدم هدفاً إصلاحياً، وقطعة لا تقل عنها جودة تقتصر على الوصف الأدبي دون هدف .. على أن المرادَّ في الفن على التأثير المستَشَف، لا على التقرير السارد. وقد حصر الأستاذ أحمد أمين المجال في أضيق نطاقه حين قال ببساطته الواضحة(30):" لعل نقطة الخلاف الحقيقية بين الأستاذ الحكيم وبيني هو أنه يريد أن يقدر الفن بجماله فقط ، وأنا أريد أن أقدره بجماله وأخلاقياته معاً ".
ومن رواد النهضة الأدبية الذين أخذوا بالالتزام كاتب الإسلام الكبير الأستاذ مصطفى صادق الرافعي الذي التزم بالتصدي لدعاة التغريب في الفكر والأدب. ومن كبار الأدباء العرب الذين وقفوا من الالتزام هذا الموقف الإيجابي دون أن يكونوا منضوين تحت مذهب أدبي عقدي أو غير عقدي الأديب الكبير محمود تيمور الذي يقرر أن الرسالة الملقاة على عاتق الفنان -أيا كان–هي رسالة إنسانية تقتضي منه"الإحساس بالحياة التي يحياها، والتعمق في المجتمع الذي يعيش فيه،وتزكية ما يلتمع في ذلك المجتمع وفي تلك الحياة من مثل كريمة،تدعو إلى حرية وحق وخير وسلام(31). ويقول الدكتور شوقي ضيف عن علاقة الأديب بالمجتمع(32):" الذي لا شك فيه أن الأديب لا يكتب أدبه لنفسه ، وإنما يكتبه لمجتمعه . وكل ما يقال عن فرديته المطلقة غير صحيح ، فإنه بمجرد أن يمسك بالقلم يفكر فيمن سيقرؤونه ، ويحاول جاهداً أن يتطابق معهم ، ويعي َ مجتمعهم وعياً كاملاً بكل قضاياه وأحداثه ومشاكله لسبب بسيط ،وهو أنه اجتماعي بطبعه ، ومن ثَمَّ كانت مطالبته أن يكون اجتماعياً في أدبه مطالبة طبيعية". ومن الأدباء الذين نادوا بالالتزام الناقد المعروف الأستاذ محمد النويهي الذي ألف كتاباً سماه " الأدب الهادف " وكان من قوله فيه(33):" الرسالة الملقاة على عاتق الفنان – أيا كان- هي رسالة إنسانية تقتضي منه الإحساس بالحياة التي يحياها ، والتعمق في المجتمع الذي يعيش فيه ، وتزكية ما يلتمع في ذلك المجتمع وفي تلك الحياة من مثل كريمة ، تدعو إلى حرية وحق وخير وسلام ". أما الأدباء والنقاد الذين أخذوا بالالتزام منطلقين من مذاهب عقدية متنوعة فقد كانوا فريقين اثنين : فريق يلتزم بالمذاهب العقدية المأخوذة عن الغرب وهي المذاهب الاشتراكية والوجودية والحداثية بصورة عامة، وفريق يلتزم بالتصور الإسلامي الذي جاء رداً على التزام الفريق الأول . يقول الأستاذ غالي شكري مؤكداً التزام الشاعر المعاصر بالمذاهب العقدية(34):"والحق أنه إذا أثير السؤال: هل للشاعر الحديث إيديولوجية أم لا؟ .. أجبنا على الفور بأن الشعر لم يكن في يوم من الأيام إيديولوجياً بالمعنى العميق المسؤول ، كما هو الآن". ويتحدث الدكتور إحسان عباس عن تداخل السيريالية والماركسية والوجودية في الشعر العربي المعاصر فيقول(35):" هذان – أي السيريالية والماركسية- تياران ثوريان يفعلان بعمق في الشعر العربي المعاصر ، ويتبنيان قضية الالتزام ، فإذا أضفت إليهما تياراً ثورياً ثالثاً يأخذ من هذا وذاك ، وهو التيار الوجودي ، الذي يبني مضمونه للأدب والشعر على أساس من الالتزام أيضاً وَضُحَ لك أن تطبيق مفهوم الالتزام لن يتحدّد في شكل واحد، ولكنه يجيء على أشكال متفاوتة تنبني جميعاً على أصل مشترك هو الدفاع عن إنسانية الإنسان". ولعل الدكتور إحسان عباس- وهو منحاز إلى الملتزمين بهذه التيارات- يكون أكثر إنصافاً لو قال: إن الأصل المشترك بين هذه الفئات المختلفة هو الاتجاه اليساري الذي يتحدث الدكتور إبراهيم الحاوي عن محاوره فيقول(36):" وتبنّى الشعر المعاصر قيماً محددة فرضها عليه الواقع السياسي الذي مرّت به الأمة العربية منذ نكبة فلسطين عام 1948م. وتحدّد مضمون هذه القيم بالثورية حيناً ، والتمرد والرفض حيناً آخر، حتى كادت هذه المضامين تستحوذ على اهتمامات معظم الشعراء في بلدان العالم العربي المختلفة ، وتصبح النزعات المسيطرة والسمات الواضحة لاتجاهات الشعر المعاصر وميوله". وعندما سقطت الواقعية الاشتراكية بسقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي كان لسقوطها صدىً كبير أدى إلى إحباط النقاد الملتزمين بها .. وسرعان ما تخلّوا عن الانتساب المباشر إليها ليعملوا مع ألفافهم من الوجوديين ودعاة الواقعية بأنواعها وسائر الملتزمين بتيار التغريب تحت اسم جديد هو " التنويريون" وتحت خيمة واحدة استظلوا بها جميعاً ، وهي خيمة " الحداثة " الفلسفية الشاملة التي كان أدونيس رافع لوائها ومنظرها الأول. وقد بيّن أدونيس بكل صراحة أن الحداثة ليست تحديثاً للشكل ، وإن كانت قد انطلقت من دعوى التجديد في الشكل الشعري لتصل إلى مضمون الحديثة بمعناها الفلسفي الشامل ، وهذا ما عبّر عنه أدونيس بقوله(37):"لا يكفي أن يتحدث الشاعر عن ضرورة الثورة على التقليد ، وإنما عليه أن يتبنّى الحداثة. وليست الحداثة أن يكتب قصيدة ذات شكل مستحدث ، شكل لم يعرفه الماضي بل الحداثة موقف وعقلية ، إنها طريقة نظر وطريقة فيهم ، وهي فوق ذلك وقبله:ممارسة ومعاناة ، إنها قبول بكل مستلزمات الحداثة : الكشف ، والمغامرة ، واحتضان المجهول". وهكذا تجلّت حقيقة الحداثة في قول كمال أبو ديب في مجلة فصول(38):" الحداثة انقطاع معرفي ، ذلك أن مصادرها المعرفية لا تكمن في المصادر المعرفية للتراث في كتب ابن خلدون الأربعة، أو في اللغة المؤسساتية والفكر الديني وكون الله مركز الوجود.. الحداثة انقطاع لأن مصدرها المعرفية هي اللغة البكر والفكر العلماني (اللاديني) وكون الإنسان مركز الوجود ، وكون الشعب الخاضع للسلطة مدار النشاط الفني ، وكون الداخل مصدر المعرفة اليقينية ، إذا كان هناك معرفة يقينية ، وكون الفن خلقاً لواقع جديد". كما تجلّت حقيقة الحداثة في قول أودنيس في كتابه " مقدمة للشعر العربي(39):"إنها –أي الحداثة– تجاوز الواقع أو اللاعقلانية ، أي الثورة على قوانين المعرفة العقلية ، وعلى المنطق ، وعلى الشريعة من حيث هي أحكام تقليدية ، تُعنى بالظاهر .. وهذا الثورة تَعني التوكيد على الباطن ، وتَعني الخلاص من المقدس وإباحة كل شيء " . ومن هنا أظهر الدكتور محمد مصطفى هدارة في محاضرة ألقاها في مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية تم نشرها في كتابه "دراسات في النقد الأدبي" خطرَ هذه الحداثة المدمرة الحالقة لكل شيء إذ يقول(40):" والحقيقة أن الحداثة أخطر من ذلك بكثير ، فهي اتجاه فكري أشد خطورة من الليبرالية ، والعلمانية ، والماركسية ، وكلّ ما عرفته البشرية من مذاهب واتجاهات هدامة ، ذلك أنها تتضمن كل هذه المذاهب والاتجاهات ، وهي لا تخص مجالات الإبداع الفني أو النقد الأدبي ، ولكنها تعمّ الحياة الإنسانية في كل مجالاتها المادية والفكرية على السواء .. وهي بمفهومها الاصطلاحي اتجاه جديد بشكل ثورة كاملة على كل ما كان ، وما هو كائن في المجتمع". على أن من الإنصاف أن نقول: إن كثرة من الحداثيين في هذا البلد الكريم أعلنوا رفضهم لحداثة أدونيس ، وتبنوا الحداثة على أنها تجديد فني يلتزم بثوابت الدين ، ولا يقبل القطيعة مع التراث. موقف الأدب الإسلامي من الالتزام: وأمام طغيان الإلزام الشيوعي والالتزام بالوجودية والواقعية المنحرفة والحداثة الفلسفية المدمرة لم يكن ثمة بد من الدعوة إلى الالتزام الإسلامي في الأدب. فما هو هذا الالتزام الإسلامي ؟وما هي حجيته ومسوغاته؟وما هي خصائصه وسماته ؟. وأول ما يقال في الرد على هذه التساؤلات أن الأدب الإسلامي أدب هادف ملتزم ، بل لا يتصور وجود الأدب الإسلامي دون التزام..ذلك أننا يمكن أن نعرف الإنسان المسلم بأنه إنسان ملتزم بالإسلام لن والأديب المسلم إنسان مسلم فهو بالضرورة ملتزم بالإسلام..إلا أن يكون إسلامه اسمياً بالهُويّة فقط ، أو لا يكون فاهماً لحقيقة الإسلام. والأديب الإسلامي مسلم أولاً ، ثم أديب ثانياً ، وليس للأديب – كما يقول الأستاذ محمد قطب – خصوصية تبيح له أن يخرج عن الإسلام بحجة الموهبة الأدبية، فالموهبة الأدبية لا تستلزم الخروج عن حدود الدين. وفي بدهية الالتزام الإسلامي في الأدب يقول الأستاذ محمد قطب أيضاً(41):" إن المفروض على المسلم أن يعيش الإسلام في كل دقيقة من حياته ، فالله عز وجل يقول:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ". وهذا العبير القرآني يعني أن غاية الوجود البشري محصورة في عبادة الله ، ولكن هذا المعنى قد يحتاج في أجيالنا المتأخرة إلى توضيح ..على خلاف الأجيال الأولى التي لم تكن تتصور أن العبادة هي الشعائر فقط.. ولو تصورنا أن العبادة محصورة في هذه الشعائر..فكم تستغرق إذن من عمر الإنسان ؟ لا يستغرق ذلك إلا جزءاً قليلاً منه، ففيم ينقضي عمر الإنسان ؟ في العبادة أم خارجها ؟ لو كان خارجها ما كنا كما أراد الله أن نكون..ولو كان ينقضي داخلها فيجب أن نوسع مفهوم العبادة. فلا نقصرها على الشعائر فقط ، وهذه العبادة المقصودة في الآية الكريمة تشمل الحياة كلها بمختلف أنشطتها. وبما أن الأدب التعبير الجمالي هو نشاط بشري ، لزم إذن أن يكون ضمن دائرة الإسلام التي شملت كل نشاط الجمالي في حياتنا. ومن البدهيات أيضاً أن المسلم –أدبياً أو غير أديب- يجب أن تكون حياته داخل دائرة العبادة الإسلامية. وكذلك النشاط الأدبي يجب أن يكون ملتزماً بتلك الدائرة ، فلا يظنَّ الأديب أنه في مجال الأدب يسقط عنه التكليف فيفكر كيف يشاء ، ويكتب كيف يشاء.. فهذا خطأ ، والصحيح أن يشعر أنه مسلم أولاً، وأديب ثانياً ، فيكون نشاطه ملتزماً بالعبادة في مفهومها الواسع". وفي القرآن الكريم أيضاً نجد مسوغاً آخر للالتزام الإسلامي في الأدب ، فالله عز وجل يقول (42) والشعراء يتبعهم الغاوون *ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون *). وهذه الآيات الكريمة تعني أن الشعراء سيكونون دائماً عرضة للغواية والإغواء إلا أن يلتزموا بالصفات التالية: 1)أن يكونوا مؤمنين حقاً: " إلا الذين آمنوا...". 2)أن يكون إيمانهم مصدقاً بالعمل الصالح :" وعملوا الصالحات". 3)أن يكثروا من ذكر الله حتى تتحقق فيهم تقوى الله :" وذكروا الله كثيراً". 4)وأن يكون شعرهم سلاحاً ينتصرون به من الظلم:"وانتصروا من بعد ما ظلمونا ". وهذه السمات الأربع التي تميز الشعراء المؤمنين هي التي تحدد التزامهم بالإسلام قولاً وعملاً ،وهي التي تجعل الشعر سلاحاً بأيدي المؤمنين كما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعركة التي دارت رحاها بين الإسلام ومشركي قريش ، حين قال أصحابه(43):" جاهدوا المشركين بألسنتكم ". وقال أيضاً: " اهجوا قريشاً فإنه أشد عليها من رشق النبل. وكان من قوله صلى الله عليه وسلم: " أمرت عبد الله بن رواحة فقال وأحسن ، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن ، وأمرت حسان بن ثابت فشفى واشتفى". قالت عائشة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك، نافحت عن الله ورسوله، وقالت عائشة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هجاهم حسان فشفى واشتفى"(44). والالتزام في الأدب الإسلامي التزام عقدي، والعقيدة في الفن سمو به إلى أكبر حقيقة في الكون ، (وهي عقيدة التوحيد ) وهذا ما يجعل الفن كونياً واسعاً(45). والالتزام في الأدب الإسلامي التزام عفوي لأنه لا إكراه في الدين، ولأن الله عز وجل يقول في كتابه العزيز" أفنلزمكموها وأنتم لها كارهون" ولأن الالتزام في الأدب الإسلامي التزام عفوي فهو لا يفسد التجربة الأدبية ولا يجعلها ضيقة مصطنعة، أو مزيفة. والالتزام شامل لكل التجارب الإنسانية في كل زمان ومكان. ومن هنا كان تعريف الأدب الإسلامي بأنه التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفق التصور الإسلامي. وما دام الأدب الإسلامي قائماً على التصور الإسلامي الصحيح فلن يَضل ولن يُضل إن شاء الله. وفي مجال الدعوة إلى هذا الأدب الذي ينطلق من عقيدة الأمة وتراثها يقول الدكتور محمد مصطفى هدارة:"(46)فإذا دعونا إلى أدب إسلامي عنينا به مذهباً أدبيا له خصائصه الفكرية والفنية ، التي تعبر عن شخصيتنا الإسلامي وتراثنا .. وقاعدته الفكرية التي ينطلق منها هي الإسلام، وهو أرقى وأشمل في نظرته للكون والإنسان من كل الفلسفات المثالية والعقلية والمادية التي قامت عليها المذاهب الأدبية المختلفة ، وهو لا ينبع من تعصب فكري ، ولا يؤمن بالمفارقة بين ما تدعو إليه العقيدة من التزام ديني ، وما يدعو إليه الفن من انطلاق وتحرر لتحقيق الجمال ومتعة الذوق".
ومن رواد النهضة الأدبية الذين أخذوا بالالتزام كاتب الإسلام الكبير الأستاذ مصطفى صادق الرافعي الذي التزم بالتصدي لدعاة التغريب في الفكر والأدب. ومن كبار الأدباء العرب الذين وقفوا من الالتزام هذا الموقف الإيجابي دون أن يكونوا منضوين تحت مذهب أدبي عقدي أو غير عقدي الأديب الكبير محمود تيمور الذي يقرر أن الرسالة الملقاة على عاتق الفنان -أيا كان–هي رسالة إنسانية تقتضي منه"الإحساس بالحياة التي يحياها، والتعمق في المجتمع الذي يعيش فيه،وتزكية ما يلتمع في ذلك المجتمع وفي تلك الحياة من مثل كريمة،تدعو إلى حرية وحق وخير وسلام(31). ويقول الدكتور شوقي ضيف عن علاقة الأديب بالمجتمع(32):" الذي لا شك فيه أن الأديب لا يكتب أدبه لنفسه ، وإنما يكتبه لمجتمعه . وكل ما يقال عن فرديته المطلقة غير صحيح ، فإنه بمجرد أن يمسك بالقلم يفكر فيمن سيقرؤونه ، ويحاول جاهداً أن يتطابق معهم ، ويعي َ مجتمعهم وعياً كاملاً بكل قضاياه وأحداثه ومشاكله لسبب بسيط ،وهو أنه اجتماعي بطبعه ، ومن ثَمَّ كانت مطالبته أن يكون اجتماعياً في أدبه مطالبة طبيعية". ومن الأدباء الذين نادوا بالالتزام الناقد المعروف الأستاذ محمد النويهي الذي ألف كتاباً سماه " الأدب الهادف " وكان من قوله فيه(33):" الرسالة الملقاة على عاتق الفنان – أيا كان- هي رسالة إنسانية تقتضي منه الإحساس بالحياة التي يحياها ، والتعمق في المجتمع الذي يعيش فيه ، وتزكية ما يلتمع في ذلك المجتمع وفي تلك الحياة من مثل كريمة ، تدعو إلى حرية وحق وخير وسلام ". أما الأدباء والنقاد الذين أخذوا بالالتزام منطلقين من مذاهب عقدية متنوعة فقد كانوا فريقين اثنين : فريق يلتزم بالمذاهب العقدية المأخوذة عن الغرب وهي المذاهب الاشتراكية والوجودية والحداثية بصورة عامة، وفريق يلتزم بالتصور الإسلامي الذي جاء رداً على التزام الفريق الأول . يقول الأستاذ غالي شكري مؤكداً التزام الشاعر المعاصر بالمذاهب العقدية(34):"والحق أنه إذا أثير السؤال: هل للشاعر الحديث إيديولوجية أم لا؟ .. أجبنا على الفور بأن الشعر لم يكن في يوم من الأيام إيديولوجياً بالمعنى العميق المسؤول ، كما هو الآن". ويتحدث الدكتور إحسان عباس عن تداخل السيريالية والماركسية والوجودية في الشعر العربي المعاصر فيقول(35):" هذان – أي السيريالية والماركسية- تياران ثوريان يفعلان بعمق في الشعر العربي المعاصر ، ويتبنيان قضية الالتزام ، فإذا أضفت إليهما تياراً ثورياً ثالثاً يأخذ من هذا وذاك ، وهو التيار الوجودي ، الذي يبني مضمونه للأدب والشعر على أساس من الالتزام أيضاً وَضُحَ لك أن تطبيق مفهوم الالتزام لن يتحدّد في شكل واحد، ولكنه يجيء على أشكال متفاوتة تنبني جميعاً على أصل مشترك هو الدفاع عن إنسانية الإنسان". ولعل الدكتور إحسان عباس- وهو منحاز إلى الملتزمين بهذه التيارات- يكون أكثر إنصافاً لو قال: إن الأصل المشترك بين هذه الفئات المختلفة هو الاتجاه اليساري الذي يتحدث الدكتور إبراهيم الحاوي عن محاوره فيقول(36):" وتبنّى الشعر المعاصر قيماً محددة فرضها عليه الواقع السياسي الذي مرّت به الأمة العربية منذ نكبة فلسطين عام 1948م. وتحدّد مضمون هذه القيم بالثورية حيناً ، والتمرد والرفض حيناً آخر، حتى كادت هذه المضامين تستحوذ على اهتمامات معظم الشعراء في بلدان العالم العربي المختلفة ، وتصبح النزعات المسيطرة والسمات الواضحة لاتجاهات الشعر المعاصر وميوله". وعندما سقطت الواقعية الاشتراكية بسقوط النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي كان لسقوطها صدىً كبير أدى إلى إحباط النقاد الملتزمين بها .. وسرعان ما تخلّوا عن الانتساب المباشر إليها ليعملوا مع ألفافهم من الوجوديين ودعاة الواقعية بأنواعها وسائر الملتزمين بتيار التغريب تحت اسم جديد هو " التنويريون" وتحت خيمة واحدة استظلوا بها جميعاً ، وهي خيمة " الحداثة " الفلسفية الشاملة التي كان أدونيس رافع لوائها ومنظرها الأول. وقد بيّن أدونيس بكل صراحة أن الحداثة ليست تحديثاً للشكل ، وإن كانت قد انطلقت من دعوى التجديد في الشكل الشعري لتصل إلى مضمون الحديثة بمعناها الفلسفي الشامل ، وهذا ما عبّر عنه أدونيس بقوله(37):"لا يكفي أن يتحدث الشاعر عن ضرورة الثورة على التقليد ، وإنما عليه أن يتبنّى الحداثة. وليست الحداثة أن يكتب قصيدة ذات شكل مستحدث ، شكل لم يعرفه الماضي بل الحداثة موقف وعقلية ، إنها طريقة نظر وطريقة فيهم ، وهي فوق ذلك وقبله:ممارسة ومعاناة ، إنها قبول بكل مستلزمات الحداثة : الكشف ، والمغامرة ، واحتضان المجهول". وهكذا تجلّت حقيقة الحداثة في قول كمال أبو ديب في مجلة فصول(38):" الحداثة انقطاع معرفي ، ذلك أن مصادرها المعرفية لا تكمن في المصادر المعرفية للتراث في كتب ابن خلدون الأربعة، أو في اللغة المؤسساتية والفكر الديني وكون الله مركز الوجود.. الحداثة انقطاع لأن مصدرها المعرفية هي اللغة البكر والفكر العلماني (اللاديني) وكون الإنسان مركز الوجود ، وكون الشعب الخاضع للسلطة مدار النشاط الفني ، وكون الداخل مصدر المعرفة اليقينية ، إذا كان هناك معرفة يقينية ، وكون الفن خلقاً لواقع جديد". كما تجلّت حقيقة الحداثة في قول أودنيس في كتابه " مقدمة للشعر العربي(39):"إنها –أي الحداثة– تجاوز الواقع أو اللاعقلانية ، أي الثورة على قوانين المعرفة العقلية ، وعلى المنطق ، وعلى الشريعة من حيث هي أحكام تقليدية ، تُعنى بالظاهر .. وهذا الثورة تَعني التوكيد على الباطن ، وتَعني الخلاص من المقدس وإباحة كل شيء " . ومن هنا أظهر الدكتور محمد مصطفى هدارة في محاضرة ألقاها في مركز الملك فيصل للدراسات الإسلامية تم نشرها في كتابه "دراسات في النقد الأدبي" خطرَ هذه الحداثة المدمرة الحالقة لكل شيء إذ يقول(40):" والحقيقة أن الحداثة أخطر من ذلك بكثير ، فهي اتجاه فكري أشد خطورة من الليبرالية ، والعلمانية ، والماركسية ، وكلّ ما عرفته البشرية من مذاهب واتجاهات هدامة ، ذلك أنها تتضمن كل هذه المذاهب والاتجاهات ، وهي لا تخص مجالات الإبداع الفني أو النقد الأدبي ، ولكنها تعمّ الحياة الإنسانية في كل مجالاتها المادية والفكرية على السواء .. وهي بمفهومها الاصطلاحي اتجاه جديد بشكل ثورة كاملة على كل ما كان ، وما هو كائن في المجتمع". على أن من الإنصاف أن نقول: إن كثرة من الحداثيين في هذا البلد الكريم أعلنوا رفضهم لحداثة أدونيس ، وتبنوا الحداثة على أنها تجديد فني يلتزم بثوابت الدين ، ولا يقبل القطيعة مع التراث. موقف الأدب الإسلامي من الالتزام: وأمام طغيان الإلزام الشيوعي والالتزام بالوجودية والواقعية المنحرفة والحداثة الفلسفية المدمرة لم يكن ثمة بد من الدعوة إلى الالتزام الإسلامي في الأدب. فما هو هذا الالتزام الإسلامي ؟وما هي حجيته ومسوغاته؟وما هي خصائصه وسماته ؟. وأول ما يقال في الرد على هذه التساؤلات أن الأدب الإسلامي أدب هادف ملتزم ، بل لا يتصور وجود الأدب الإسلامي دون التزام..ذلك أننا يمكن أن نعرف الإنسان المسلم بأنه إنسان ملتزم بالإسلام لن والأديب المسلم إنسان مسلم فهو بالضرورة ملتزم بالإسلام..إلا أن يكون إسلامه اسمياً بالهُويّة فقط ، أو لا يكون فاهماً لحقيقة الإسلام. والأديب الإسلامي مسلم أولاً ، ثم أديب ثانياً ، وليس للأديب – كما يقول الأستاذ محمد قطب – خصوصية تبيح له أن يخرج عن الإسلام بحجة الموهبة الأدبية، فالموهبة الأدبية لا تستلزم الخروج عن حدود الدين. وفي بدهية الالتزام الإسلامي في الأدب يقول الأستاذ محمد قطب أيضاً(41):" إن المفروض على المسلم أن يعيش الإسلام في كل دقيقة من حياته ، فالله عز وجل يقول:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ". وهذا العبير القرآني يعني أن غاية الوجود البشري محصورة في عبادة الله ، ولكن هذا المعنى قد يحتاج في أجيالنا المتأخرة إلى توضيح ..على خلاف الأجيال الأولى التي لم تكن تتصور أن العبادة هي الشعائر فقط.. ولو تصورنا أن العبادة محصورة في هذه الشعائر..فكم تستغرق إذن من عمر الإنسان ؟ لا يستغرق ذلك إلا جزءاً قليلاً منه، ففيم ينقضي عمر الإنسان ؟ في العبادة أم خارجها ؟ لو كان خارجها ما كنا كما أراد الله أن نكون..ولو كان ينقضي داخلها فيجب أن نوسع مفهوم العبادة. فلا نقصرها على الشعائر فقط ، وهذه العبادة المقصودة في الآية الكريمة تشمل الحياة كلها بمختلف أنشطتها. وبما أن الأدب التعبير الجمالي هو نشاط بشري ، لزم إذن أن يكون ضمن دائرة الإسلام التي شملت كل نشاط الجمالي في حياتنا. ومن البدهيات أيضاً أن المسلم –أدبياً أو غير أديب- يجب أن تكون حياته داخل دائرة العبادة الإسلامية. وكذلك النشاط الأدبي يجب أن يكون ملتزماً بتلك الدائرة ، فلا يظنَّ الأديب أنه في مجال الأدب يسقط عنه التكليف فيفكر كيف يشاء ، ويكتب كيف يشاء.. فهذا خطأ ، والصحيح أن يشعر أنه مسلم أولاً، وأديب ثانياً ، فيكون نشاطه ملتزماً بالعبادة في مفهومها الواسع". وفي القرآن الكريم أيضاً نجد مسوغاً آخر للالتزام الإسلامي في الأدب ، فالله عز وجل يقول (42) والشعراء يتبعهم الغاوون *ألم تر أنهم في كل واد يهيمون، وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا اللذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون *).
وهذه الآيات الكريمة تعني أن الشعراء سيكونون دائماً عرضة للغواية والإغواء إلا أن يلتزموا بالصفات التالية: 1)أن يكونوا مؤمنين حقاً: " إلا الذين آمنوا...". 2)أن يكون إيمانهم مصدقاً بالعمل الصالح :" وعملوا الصالحات". 3)أن يكثروا من ذكر الله حتى تتحقق فيهم تقوى الله :" وذكروا الله كثيراً". 4)وأن يكون شعرهم سلاحاً ينتصرون به من الظلم:"وانتصروا من بعد ما ظلمونا ". وهذه السمات الأربع التي تميز الشعراء المؤمنين هي التي تحدد التزامهم بالإسلام قولاً وعملاً ،وهي التي تجعل الشعر سلاحاً بأيدي المؤمنين كما جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعركة التي دارت رحاها بين الإسلام ومشركي قريش ، حين قال أصحابه(43):" جاهدوا المشركين بألسنتكم ". وقال أيضاً: " اهجوا قريشاً فإنه أشد عليها من رشق النبل. وكان من قوله صلى الله عليه وسلم: " أمرت عبد الله بن رواحة فقال وأحسن ، وأمرت كعب بن مالك فقال وأحسن ، وأمرت حسان بن ثابت فشفى واشتفى". قالت عائشة فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك، نافحت عن الله ورسوله، وقالت عائشة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هجاهم حسان فشفى واشتفى"(44). والالتزام في الأدب الإسلامي التزام عقدي، والعقيدة في الفن سمو به إلى أكبر حقيقة في الكون ، (وهي عقيدة التوحيد ) وهذا ما يجعل الفن كونياً واسعاً(45). والالتزام في الأدب الإسلامي التزام عفوي لأنه لا إكراه في الدين، ولأن الله عز وجل يقول في كتابه العزيز" أفنلزمكموها وأنتم لها كارهون" ولأن الالتزام في الأدب الإسلامي التزام عفوي فهو لا يفسد التجربة الأدبية ولا يجعلها ضيقة مصطنعة، أو مزيفة. والالتزام شامل لكل التجارب الإنسانية في كل زمان ومكان. ومن هنا كان تعريف الأدب الإسلامي بأنه التعبير الفني الهادف عن الإنسان والحياة والكون وفق التصور الإسلامي. وما دام الأدب الإسلامي قائماً على التصور الإسلامي الصحيح فلن يَضل ولن يُضل إن شاء الله. وفي مجال الدعوة إلى هذا الأدب الذي ينطلق من عقيدة الأمة وتراثها يقول الدكتور محمد مصطفى هدارة:"(46)فإذا دعونا إلى أدب إسلامي عنينا به مذهباً أدبيا له خصائصه الفكرية والفنية ، التي تعبر عن شخصيتنا الإسلامي وتراثنا .. وقاعدته الفكرية التي ينطلق منها هي الإسلام، وهو أرقى وأشمل في نظرته للكون والإنسان من كل الفلسفات المثالية والعقلية والمادية التي قامت عليها المذاهب الأدبية المختلفة ، وهو لا ينبع من تعصب فكري ، ولا يؤمن بالمفارقة بين ما تدعو إليه العقيدة من التزام ديني ، وما يدعو إليه الفن من انطلاق وتحرر لتحقيق الجمال ومتعة الذوق". | |
|
لخضر الجزائري 1 مشرف عام مميّز
تاريخ التسجيل : 22/09/2009
| موضوع: رد: ظاهرة الإلتزام في الأدب العربي"النقد الأدبي 24.11.12 5:07 | |
| بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء | |
|
أبو فيصل مديرالموقع
تاريخ التسجيل : 03/09/2009
| موضوع: رد: ظاهرة الإلتزام في الأدب العربي"النقد الأدبي 24.11.12 22:40 | |
| شكرا أخي لخضر و فيك بارك الله | |
|